nindex.php?page=treesubj&link=34064وممن توفي في هذه السنة من الأعيان السيف الآمدي أبو الحسن علي بن أبي علي ، بن محمد بن سالم التغلبي ، nindex.php?page=treesubj&link=33935_33936_34064الشيخ سيف الدين الآمدي ، ثم الحموي ، ثم الدمشقي ، صاحب المصنفات في الأصلين وغير ذلك ، من ذلك " أبكار الأفكار " في الكلام ، و " دقائق الحقائق " في الحكمة ، و " إحكام الأحكام " في أصول الفقه ، وكان حنبلي المذهب ، فصار شافعيا أصوليا منطقيا جدليا خلافيا ، وكان حسن الأخلاق ، سليم الصدر ، كثير البكاء ، رقيق القلب ، وقد تكلموا فيه بأشياء ، الله تعالى أعلم بصحتها ، والذي يغلب على الظن أنه ليس لغالبها صحة ، وقد كانت ملوك
بني أيوب كالمعظم والكامل يكرمونه ، وإن كانوا لا يحبونه كثيرا . وقد فوض إليه المعظم تدريس العزيزية ، فلما ولي
الأشرف دمشق عزله عنها ، ونادى بالمدارس أن لا يشتغل أحد بغير التفسير والحديث والفقه ، ومن اشتغل بعلوم الأوائل نفيته ، فأقام الشيخ
سيف الدين بمنزله إلى أن توفي
بدمشق في صفر
[ ص: 215 ] من هذه السنة ، ودفن بتربته
بسفح قاسيون .
وذكر القاضي
ابن خلكان أنه اشتغل
ببغداد على
أبي الفتح نصر بن فتيان بن المني الحنبلي ، ثم انتقل إلى مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فأخذ عن
ابن فضلان وغيره ، وحفظ طريقة
الشريف في الخلاف ، وزوائد طريقة
أسعد الميهني . ثم انتقل إلى
الشام واشتغل بعلوم المعقول ، ثم إلى
الديار المصرية ، فأعاد بمدرسة الشافعية بالقرافة الصغرى ، وتصدر بالجامع الظافري ، واشتهر فضله ، وانتشرت فضائله ، فحسده أقوام ، فسعوا به ، وكتبوا خطوطهم باتهامه بمذهب الأوائل والتعطيل والانحلال ، فطلبوا من بعضهم أن يوافقهم ، فكتب :
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداء له وخصوم
فانتقل الشيخ
سيف الدين إلى
حماة ، ثم تحول إلى
دمشق ، فدرس بالعزيزية ، ثم عزل عنها ، ولزم بيته إلى أن مات في هذه السنة ، وله ثمانون عاما - رحمه الله تعالى وعفا عنه - .
واقف الركنية الحنفية الأمير الكبير
ركن الدين منكورس الحنفي الفلكي ، غلام فلك الدين أخي الملك
العادل; لأنه واقف الفلكية كما تقدم ، وكان هذا الرجل من خيار الأمراء ، ينزل في كل ليلة وقت السحر إلى
[ ص: 216 ] الجامع وحده بطوافة ويواظب على حضور الصلوات فيه مع الجماعة ، وكان قليل الكلام ، كثير الصدقات ، وقد بنى المدرسة الركنية
بسفح قاسيون ، ووقف عليها أوقافا كثيرة ، وعمل عندها تربة ، وحين توفي بقرية جرود حمل إليها - رحمه الله تعالى - .
الشيخ الإمام العالم رضي الدين ، أبو داود سليمان بن المظفر بن غنائم الجيلي الشافعي ، أحد فقهاء الشافعية
ببغداد والمفتين فيها والمشتغلين للطلبة مدة طويلة له كتاب في المذهب نحو من خمسة عشر مجلدا يحكي فيه الوجوه الغريبة والأقوال المستغربة ، وكان لطيفا ظريفا توفي رحمه الله يوم الأربعاء ثالث ربيع الأول من هذه السنة
ببغداد .
والحافظ أبو الحسن بن الأثير الشيخ عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم ، الجزري الموصلي ، صاحب التصانيف الفائقة; منها الكامل في التاريخ من أحسن الكتب في هذا الفن وأبسطها في الحوادث ، وأما وفياته فليست مبسوطة بسط حوادثه ، وبالجملة فهو من عيون التواريخ وأمتعها ، وله من المصنفات المشهورة .
الشيخ طي المصري
أقام مدة
بالشام في زاوية له
بدمشق [ ص: 217 ] عند الرحبة التي يباع فيها الصناديق عند دار
بني القلانسي ، شرقي حمام سامة ، وكان ظريفا كيسا زاهدا ، يتردد إليه الأكابر ، ودفن بزاويته المذكورة - رحمه الله تعالى - .
الشيخ عبد الله الأرمني ، أحد العباد الزهاد الذين جابوا البلاد ، وسكنوا البراري والجبال والوهاد ، واجتمعوا بالأقطاب والأبدال والأوتاد ، وممن كانت له الأحوال والمكاشفات ، والمجاهدات والسياحات ، في سائر النواحي والجهات ، وقد قرأ القرآن في بدايته ، وحفظ " القدوري " على مذهب
أبي حنيفة ، ثم اشتغل بالمعاملات والرياضات ، ثم أقام آخر عمره
بدمشق حتى مات بها ، ودفن
بسفح قاسيون .
وقد حكي عنه أشياء حسنة ، منها أنه قال : اجتزت مرة في السياحة ببلدة ، فطالبتني نفسي بدخولها ، فآليت أن لا أستطعم منها بطعام ، ودخلتها فمررت برجل غسال ، فنظر إلي شزرا ، فخفت منه ، وخرجت من البلد هاربا ، فلحقني ومعه طعام فقال : كل فقد خرجت من البلد . فقلت له : وأنت في هذا المقام وتغسل الثياب في الأسواق؟! فقال : لا ترفع رأسك ، ولا تنظر إلى شيء من عملك ، وكن عبدا لله ، ولو استعملك في الحش فارض به . ثم قال :
[ ص: 218 ] ولو قلت لي مت قلت سمعا وطاعة وقلت لداعي الموت أهلا ومرحبا
وقال : اجتزت مرة في سياحتي براهب في صومعة فقال لي : يا مسلم ما أقرب الطرق عندكم إلى الله عز وجل؟ قلت : مخالفة النفس . قال : فرد رأسه إلى صومعته ، فلما كنت
بمكة زمن الحج إذا رجل يسلم علي عند
الكعبة ، فقلت : من أنت؟ فقال : أنا الراهب . قلت : بم وصلت إلى هاهنا؟ قال : بالذي قلت لي . وفي رواية أنه قال له : عرضت الإسلام على نفسي ، فأبت ، فعلمت أنه حق ، فأسلمت وخالفتها . فأفلح وأنجح .
وقال : وبينا أنا ذات يوم بجبل
لبنان إذا حرامية
الفرنج ، فأخذوني فقيدوني وشدوا وثاقي ، فكنت عندهم تلك الليلة في أضيق حال ، فلما كان النهار شربوا وناموا ، فبينا أنا موثوق إذا حرامية المسلمين قد أقبلوا نحوهم ، فأنبهتهم فلجئوا إلى مغارة هنالك ، فسلموا من أولئك المسلمين ، فقالوا : كيف فعلت هذا وقد كان خلاصك على أيديهم؟ فقلت : إنكم أطعمتموني ، فكان من حق الصحبة أن لا أغشكم . فعرضوا علي شيئا من متاع الدنيا ، فأبيت وأطلقوني .
وحكى
السبط قال : زرته مرة وهو
ببيت المقدس ، وكنت قد أكلت سمكا مالحا ، فلما جلست عنده أخذني عطش جدا ، وإلى جانبه إبريق فيه ماء
[ ص: 219 ] بارد ، فجعلت أستحيي منه ، فمد يده إلى الإبريق وقد احمر وجهه ، وناولني وقال : خذ ، كم تكاسر . فشربت .
وذكر أنه لما ارتحل من
بيت المقدس كان سورها بعد قائما حديدا على عمارة
الملك صلاح الدين قبل أن يخربه المعظم ، فوقف لأصحابه يودعهم ، ونظر إلى السور وقال : كأني بالمعاول وهي تعمل في هذا السور عما قريب . فقيل له : معاول المسلمين أو
الفرنج؟ فقال : بل معاول المسلمين . وكان كما قال .
وقد ذكرت له أحوال كثيرة حسنة . ويقال : إن أصله أرمني ، وإنه أسلم على يدي
الشيخ عبد الله اليونيني . وقيل : بل أصله رومي من قونية ، وأنه قدم على
الشيخ عبد الله اليونيني ، وعليه برنس كبرانس الرهبان ، فقال له : أسلم . فقال : أسلمت لرب العالمين . وقد كانت أمه داية امرأة الخليفة ، وقد جرت له كائنة غريبة ، فسلمه الله بسبب ذلك ، وعرفه الخليفة فأطلقه .
nindex.php?page=treesubj&link=34064وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ السَّيْفُ الْآمِدِيُّ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيِّ ، بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ التَّغْلِبِيُّ ، nindex.php?page=treesubj&link=33935_33936_34064الشَّيْخُ سَيْفُ الدِّينِ الْآمِدِيُّ ، ثُمَّ الْحَمَوِيُّ ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ ، صَاحِبُ الْمُصَنَّفَاتِ فِي الْأَصْلَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، مِنْ ذَلِكَ " أَبْكَارُ الْأَفْكَارِ " فِي الْكَلَامِ ، وَ " دَقَائِقُ الْحَقَائِقِ " فِي الْحِكْمَةِ ، وَ " إِحْكَامُ الْأَحْكَامِ " فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ، وَكَانَ حَنْبَلِيَّ الْمَذْهَبِ ، فَصَارَ شَافِعِيًّا أُصُولِيًّا مَنْطِقِيًّا جَدَلِيًّا خِلَافِيًّا ، وَكَانَ حَسَنَ الْأَخْلَاقِ ، سَلِيمَ الصَّدْرِ ، كَثِيرَ الْبُكَاءِ ، رَقِيقَ الْقَلْبِ ، وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ بِأَشْيَاءَ ، اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا ، وَالَّذِي يَغْلُبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَيْسَ لِغَالِبِهَا صِحَّةٌ ، وَقَدْ كَانَتْ مُلُوكُ
بَنِي أَيُّوبَ كَالْمُعَظَّمِ وَالْكَامِلِ يُكْرِمُونَهُ ، وَإِنْ كَانُوا لَا يُحِبُّونَهُ كَثِيرًا . وَقَدْ فَوَّضَ إِلَيْهِ الْمُعَظَّمُ تَدْرِيسَ الْعَزِيزِيَّةِ ، فَلَمَّا وَلِيَ
الْأَشْرَفُ دِمَشْقَ عَزَلَهُ عَنْهَا ، وَنَادَى بِالْمَدَارِسِ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ أَحَدٌ بِغَيْرِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ ، وَمَنِ اشْتَغَلَ بِعُلُومِ الْأَوَائِلِ نَفَيْتُهُ ، فَأَقَامَ الشَّيْخُ
سَيْفُ الدِّينِ بِمَنْزِلِهِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ
بِدِمَشْقَ فِي صَفَرٍ
[ ص: 215 ] مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ ، وَدُفِنَ بِتُرْبَتِهِ
بِسَفْحِ قَاسِيُونَ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي
ابْنُ خَلِّكَانَ أَنَّهُ اشْتَغَلَ
بِبَغْدَادَ عَلَى
أَبِي الْفَتْحِ نَصْرِ بْنِ فِتْيَانَ بْنِ الْمَنِّيِّ الْحَنْبَلِيِّ ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، فَأَخَذَ عَنِ
ابْنِ فَضْلَانَ وَغَيْرِهِ ، وَحَفِظَ طَرِيقَةَ
الشَّرِيفِ فِي الْخِلَافِ ، وَزَوَائِدَ طَرِيقَةِ
أَسْعَدَ الْمِيهَنِيِّ . ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى
الشَّامِ وَاشْتَغَلَ بِعُلُومِ الْمَعْقُولِ ، ثُمَّ إِلَى
الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ ، فَأَعَادَ بِمَدْرَسَةِ الشَّافِعِيَّةِ بِالْقَرَافَةِ الصُّغْرَى ، وَتَصَدَّرَ بِالْجَامِعِ الظَّافِرِيِّ ، وَاشْتَهَرَ فَضْلُهُ ، وَانْتَشَرَتْ فَضَائِلُهُ ، فَحَسَدَهُ أَقْوَامٌ ، فَسَعَوْا بِهِ ، وَكَتَبُوا خُطُوطَهُمْ بِاتِّهَامِهِ بِمَذْهَبِ الْأَوَائِلِ وَالتَّعْطِيلِ وَالِانْحِلَالِ ، فَطَلَبُوا مِنْ بَعْضِهِمْ أَنْ يُوَافِقَهُمْ ، فَكَتَبَ :
حَسَدُوا الْفَتَى إِذْ لَمْ يَنَالُوا سَعْيَهُ فَالْقَوْمُ أَعْدَاءٌ لَهُ وَخُصُومُ
فَانْتَقَلَ الشَّيْخُ
سَيْفُ الدِّينِ إِلَى
حَمَاةَ ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى
دِمَشْقَ ، فَدَرَّسَ بِالْعَزِيزِيَّةِ ، ثُمَّ عُزِلَ عَنْهَا ، وَلَزِمَ بَيْتَهُ إِلَى أَنْ مَاتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ ، وَلَهُ ثَمَانُونَ عَامًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَفَا عَنْهُ - .
وَاقِفُ الرُّكْنِيَّةِ الْحَنَفِيَّةِ الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ
رُكْنُ الدِّينِ مَنْكُورِسُ الْحَنَفِيُّ الْفَلَكِيُّ ، غُلَامُ فَلَكِ الدِّينِ أَخِي الْمَلِكِ
الْعَادِلِ; لِأَنَّهُ وَاقِفُ الْفَلَكِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْ خِيَارِ الْأُمَرَاءِ ، يَنْزِلُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ وَقْتَ السَّحَرِ إِلَى
[ ص: 216 ] الْجَامِعِ وَحْدَهُ بِطَوَّافَةٍ وَيُوَاظِبُ عَلَى حُضُورِ الصَّلَوَاتِ فِيهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ ، وَكَانَ قَلِيلَ الْكَلَامِ ، كَثِيرَ الصَّدَقَاتِ ، وَقَدْ بَنَى الْمَدْرَسَةَ الرُّكْنِيَّةَ
بِسَفْحِ قَاسِيُونَ ، وَوَقَفَ عَلَيْهَا أَوْقَافًا كَثِيرَةً ، وَعَمِلَ عِنْدَهَا تُرْبَةً ، وَحِينَ تُوُفِّيَ بِقَرْيَةِ جَرُودَ حُمِلَ إِلَيْهَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - .
الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ رَضِيُّ الدِّينِ ، أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُظَفَّرِ بْنِ غَنَائِمَ الْجِيلِيُّ الشَّافِعِيُّ ، أَحَدُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ
بِبَغْدَادَ وَالْمُفْتِينَ فِيهَا وَالْمُشْتَغِلِينَ لِلطَّلَبَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً لَهُ كِتَابٌ فِي الْمَذْهَبِ نَحْوٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ مُجَلَّدًا يَحْكِي فِيهِ الْوُجُوهَ الْغَرِيبَةَ وَالْأَقْوَالَ الْمُسْتَغْرَبَةَ ، وَكَانَ لَطِيفًا ظَرِيفًا تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ثَالِثَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ
بِبَغْدَادَ .
وَالْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْأَثِيرِ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، الْجَزَرِيُّ الْمَوْصِلِيُّ ، صَاحِبُ التَّصَانِيفِ الْفًائِقَةِ; مِنْهَا الْكَامِلُ فِي التَّارِيخِ مِنْ أَحْسَنِ الْكُتُبِ فِي هَذَا الْفَنِّ وَأَبْسَطِهَا فِي الْحَوَادِثِ ، وَأَمَّا وَفَيَاتُهُ فَلَيْسَتْ مَبْسُوطَةً بَسْطَ حَوَادِثِهِ ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مِنْ عُيُونِ التَّوَارِيخِ وَأَمْتَعِهَا ، وَلَهُ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ الْمَشْهُورَةِ .
الشَّيْخُ طَيٌّ الْمِصْرِيُّ
أَقَامَ مُدَّةً
بِالشَّامِ فِي زَاوِيَةٍ لَهُ
بِدِمَشْقَ [ ص: 217 ] عِنْدَ الرَّحْبَةِ الَّتِي يُبَاعُ فِيهَا الصَّنَادِيقُ عِنْدَ دَارِ
بَنِي الْقَلَانِسِيِّ ، شَرْقِيَّ حَمَّامِ سَامَةَ ، وَكَانَ ظَرِيفًا كَيِّسًا زَاهِدًا ، يَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ الْأَكَابِرُ ، وَدُفِنَ بِزَاوِيَتِهِ الْمَذْكُورَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - .
الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْأَرْمَنِيُّ ، أَحَدُ الْعُبَّادِ الزُّهَّادِ الَّذِينَ جَابُوا الْبِلَادَ ، وَسَكَنُوا الْبَرَارِيَّ وَالْجِبَالَ وَالْوِهَادَ ، وَاجْتَمَعُوا بِالْأَقْطَابِ وَالْأَبْدَالِ وَالْأَوْتَادِ ، وَمِمَّنْ كَانَتْ لَهُ الْأَحْوَالُ وَالْمُكَاشَفَاتُ ، وَالْمُجَاهَدَاتُ وَالسِّيَاحَاتُ ، فِي سَائِرِ النَّوَاحِي وَالْجِهَاتِ ، وَقَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي بِدَايَتِهِ ، وَحَفِظَ " الْقُدُورِيَّ " عَلَى مَذْهَبِ
أَبِي حَنِيفَةَ ، ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالْمُعَامَلَاتِ وَالرِّيَاضَاتِ ، ثُمَّ أَقَامَ آخِرَ عُمْرِهِ
بِدِمَشْقَ حَتَّى مَاتَ بِهَا ، وَدُفِنَ
بِسَفْحِ قَاسِيُونَ .
وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُ أَشْيَاءُ حَسَنَةٌ ، مِنْهَا أَنَّهُ قَالَ : اجْتَزْتُ مَرَّةً فِي السِّيَاحَةِ بِبَلْدَةٍ ، فَطَالَبَتْنِي نَفْسِي بِدُخُولِهَا ، فَآلَيْتُ أَنْ لَا أَسْتَطْعِمَ مِنْهَا بِطَعَامٍ ، وَدَخَلْتُهَا فَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ غَسَّالٍ ، فَنَظَرَ إِلَيَّ شَزْرًا ، فَخِفْتُ مِنْهُ ، وَخَرَجْتُ مِنَ الْبَلَدِ هَارِبًا ، فَلَحِقَنِي وَمَعَهُ طَعَامٌ فَقَالَ : كُلْ فَقَدْ خَرَجْتَ مِنَ الْبَلَدِ . فَقُلْتُ لَهُ : وَأَنْتَ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَتَغْسِلُ الثِّيَابَ فِي الْأَسْوَاقِ؟! فَقَالَ : لَا تَرْفَعْ رَأْسَكَ ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَمَلِكَ ، وَكُنْ عَبَدًا لِلَّهِ ، وَلَوِ اسْتَعْمَلَكَ فِي الْحُشِّ فَارْضَ بِهِ . ثُمَّ قَالَ :
[ ص: 218 ] وَلَوْ قُلْتَ لِي مُتْ قُلْتُ سَمْعًا وَطَاعَةً وَقُلْتُ لِدَاعِي الْمَوْتِ أَهْلًا وَمَرْحَبًا
وَقَالَ : اجْتَزْتُ مَرَّةً فِي سِيَاحَتِي بِرَاهِبٍ فِي صَوْمَعَةٍ فَقَالَ لِي : يَا مُسْلِمُ مَا أَقْرَبَ الطُّرُقِ عِنْدَكُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قُلْتُ : مُخَالَفَةُ النَّفْسِ . قَالَ : فَرَدَّ رَأْسَهُ إِلَى صَوْمَعَتِهِ ، فَلَمَّا كُنْتُ
بِمَكَّةَ زَمَنَ الْحَجِّ إِذَا رَجُلٌ يُسَلِّمُ عَلَيَّ عِنْدَ
الْكَعْبَةِ ، فَقُلْتُ : مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ : أَنَا الرَّاهِبُ . قُلْتُ : بِمَ وَصَلْتَ إِلَى هَاهُنَا؟ قَالَ : بِالَّذِي قُلْتَ لِي . وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ : عَرَضْتُ الْإِسْلَامَ عَلَى نَفْسِي ، فَأَبَتْ ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ حَقٌّ ، فَأَسْلَمْتُ وَخَالَفْتُهَا . فَأَفْلَحَ وَأَنْجَحَ .
وَقَالَ : وَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ بِجَبَلِ
لُبْنَانَ إِذَا حَرَامِيَّةُ
الْفِرِنْجِ ، فَأَخَذُونِي فَقَيَّدُونِي وَشَدُّوا وِثَاقِي ، فَكُنْتُ عِنْدَهُمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي أَضْيَقِ حَالٍ ، فَلَمَّا كَانَ النَّهَارُ شَرِبُوا وَنَامُوا ، فَبَيْنَا أَنَا مَوْثُوقٌ إِذَا حَرَامِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَقْبَلُوا نَحْوَهُمْ ، فَأَنْبَهْتُهُمْ فَلَجَئُوا إِلَى مَغَارَةٍ هُنَالِكَ ، فَسَلِمُوا مِنْ أُولَئِكَ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالُوا : كَيْفَ فَعَلْتَ هَذَا وَقَدْ كَانَ خَلَاصُكَ عَلَى أَيْدِيهِمْ؟ فَقُلْتُ : إِنَّكُمْ أَطْعَمْتُمُونِي ، فَكَانَ مِنْ حَقِّ الصُّحْبَةِ أَنْ لَا أَغُشَّكُمْ . فَعَرَضُوا عَلَيَّ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا ، فَأَبَيْتُ وَأَطْلَقُونِي .
وَحَكَى
السِّبْطُ قَالَ : زُرْتُهُ مَرَّةً وَهُوَ
بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَكُنْتُ قَدْ أَكَلْتُ سَمَكًا مَالِحًا ، فَلَمَّا جَلَسْتُ عِنْدَهُ أَخَذَنِي عَطَشٌ جَدًّا ، وَإِلَى جَانِبِهِ إِبْرِيقٌ فِيهِ مَاءٌ
[ ص: 219 ] بَارِدٌ ، فَجَعَلْتُ أَسْتَحْيِي مِنْهُ ، فَمَدَّ يَدَهُ إِلَى الْإِبْرِيقِ وَقَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ ، وَنَاوَلَنِي وَقَالَ : خُذْ ، كَمْ تُكَاسِرُ . فَشَرِبْتُ .
وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمَّا ارْتَحَلَ مِنْ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَ سُورُهَا بَعْدُ قَائِمًا حَدِيدًا عَلَى عِمَارَةِ
الْمَلِكِ صَلَاحِ الدِّينِ قَبْلَ أَنْ يُخَرِّبَهُ الْمُعَظَّمُ ، فَوَقَفَ لِأَصْحَابِهِ يُوَدِّعُهُمْ ، وَنَظَرَ إِلَى السُّورِ وَقَالَ : كَأَنِّي بِالْمَعَاوِلِ وَهِيَ تَعْمَلُ فِي هَذَا السُّورِ عَمَّا قَرِيبٍ . فَقِيلَ لَهُ : مَعَاوِلُ الْمُسْلِمِينَ أَوِ
الْفِرِنْجِ؟ فَقَالَ : بَلْ مَعَاوِلُ الْمُسْلِمِينَ . وَكَانَ كَمَا قَالَ .
وَقَدْ ذُكِرَتْ لَهُ أَحْوَالٌ كَثِيرَةٌ حَسَنَةٌ . وَيُقَالُ : إِنَّ أَصْلَهُ أَرْمَنِيٌّ ، وَإِنَّهُ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيِ
الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْيُونِينِيِّ . وَقِيلَ : بَلْ أَصْلُهُ رُومِيٌّ مِنْ قُونِيَةَ ، وَأَنَّهُ قَدِمَ عَلَى
الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْيُونِينِيِّ ، وَعَلَيْهِ بُرْنُسٌ كَبَرَانِسِ الرُّهْبَانِ ، فَقَالَ لَهُ : أَسْلِمْ . فَقَالَ : أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ . وَقَدْ كَانَتْ أُمُّهُ دَايَةُ امْرَأَةِ الْخَلِيفَةِ ، وَقَدْ جَرَتْ لَهُ كَائِنَةٌ غَرِيبَةٌ ، فَسَلَّمَهُ اللَّهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ ، وَعَرَفَهُ الْخَلِيفَةُ فَأَطْلَقَهُ .