[ ص: 437 ] فصل في
nindex.php?page=treesubj&link=29301سبب هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة
قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=80وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا [ الإسراء : 80 ] أرشده الله وألهمه أن يدعو بهذا الدعاء ، أن يجعل له مما هو فيه فرجا قريبا ومخرجا عاجلا ، فأذن له تعالى في الهجرة إلى
المدينة النبوية حيث
الأنصار والأحباب ، فصارت له دارا وقرارا وأهلها له أنصارا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، nindex.php?page=showalam&ids=16544وعثمان بن أبي شيبة ، عن
جرير ، عن
قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه عن
ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأمر بالهجرة وأنزل عليه : " nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=80وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا "
وقال
قتادة أدخلني مدخل صدق
المدينة وأخرجني مخرج صدق الهجرة من
مكة واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا
[ ص: 438 ] كتاب الله وفرائضه وحدوده .
قال
ابن إسحاق : وأقام رسول الله
بمكة بعد أصحابه من
المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة ، ولم يتخلف معه
بمكة إلا من حبس أو فتن ، إلا
علي بن أبي طالب ،
وأبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنهما
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510208، وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة ، فيقول له : " لا تعجل; لعل الله يجعل لك صاحبا " . فيطمع
أبو بكر أن يكونه ، فلما رأت
قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صار له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم ، ورأوا خروج أصحابه من
المهاجرين إليهم ، عرفوا أنهم قد نزلوا دارا وأصابوا منهم منعة ، فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ، وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم ، فاجتمعوا له في
دار الندوة - وهي
دار قصي بن كلاب التي كانت
قريش لا تقضي أمرا إلا فيها - يتشاورون فيما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه .
قال
ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم من أصحابنا ، عن
عبد الله بن أبي نجيح ، عن
مجاهد بن جبر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس ، وغيره ممن لا أتهم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس ، قال :
لما اجتمعوا لذلك ، واتعدوا أن يدخلوا في nindex.php?page=treesubj&link=30665دار الندوة; ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، غدوا في اليوم الذي اتعدوا [ ص: 439 ] له ، وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة ، فاعترضهم إبليس ، لعنه الله ، في هيئة شيخ جليل عليه بت له ، فوقف على باب الدار ، فلما رأوه واقفا على بابها ، قالوا : من الشيخ ؟ قال : شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له ، فحضر معكم; ليسمع ما تقولون ، وعسى أن لا يعدمكم منه رأيا ونصحا . قالوا : أجل فادخل . فدخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش; عتبة ، وشيبة ، وأبو سفيان ، وطعيمة بن عدي ، nindex.php?page=showalam&ids=67وجبير بن مطعم بن عدي ، nindex.php?page=showalam&ids=1852والحارث بن عامر بن نوفل ، والنضر بن الحارث ، وأبو البختري بن هشام ، وزمعة بن الأسود ، nindex.php?page=showalam&ids=137وحكيم بن حزام ، وأبو جهل بن هشام ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وأمية بن خلف ، ومن كان منهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش . فقال بعضهم لبعض : إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم ، وإننا والله ما نأمنه على الوثوب علينا بمن قد اتبعه من غيرنا ، فأجمعوا فيه رأيا . قال : فتشاوروا ، ثم قال قائل منهم - قيل : إنه أبو البختري بن هشام - احبسوه في الحديد ، وأغلقوا عليه بابا ، ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله; nindex.php?page=showalam&ids=15932زهيرا والنابغة ومن مضى منهم ، من هذا الموت; حتى يصيبه ما أصابهم . فقال الشيخ النجدي : لا والله ما هذا لكم برأي ، والله لئن حبستموه كما تقولون ، [ ص: 440 ] ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه ، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه من أيديكم ، ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم ، ما هذا لكم برأي ، فتشاوروا ، ثم قال قائل منهم : نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا ، فإذا خرج عنا ، فوالله ما نبالي أين ذهب ، ولا حيث وقع إذا غاب عنا وفرغنا منه ، فأصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت . قال الشيخ النجدي : لا والله ما هذا لكم برأي; ألم تروا حسن حديثه ، وحلاوة منطقه ، وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به ؟ والله لو فعلتم ذلك ، ما أمنت أن يحل على حي من العرب ، فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه ، ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم ، فيأخذ أمركم من أيديكم ، ثم يفعل بكم ما أراد ، أديروا فيه رأيا غير هذا . فقال أبو جهل بن هشام : والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد . قالوا : وما هو يا أبا الحكم ؟ قال : أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جليدا نسيبا وسيطا فينا ، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما ، ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد ، فيقتلوه فنستريح منه ، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعها ، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم . قال : يقول الشيخ النجدي : القول ما قال الرجل ، هذا الرأي ولا رأي غيره . فتفرق القوم على ذلك ، وهم مجمعون له ، فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : لا [ ص: 441 ] تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه . قال : فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه ، يرصدونه متى ينام فيثبون عليه ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم ، قال لعلي بن أبي طالب : " نم على فراشي ، وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر فنم فيه ، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم " . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام
وهذه القصة التي ذكرها
ابن إسحاق ، قد رواها
الواقدي بأسانيده عن
عائشة ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، وعلي ، وسراقة بن مالك بن جعشم ، وغيرهم ، دخل حديث بعضهم في بعض ، فذكر نحو ما تقدم .
قال
ابن إسحاق : فحدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي ، قال :
لما اجتمعوا له وفيهم أبو جهل قال ، وهم على بابه : إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره ، كنتم ملوك العرب والعجم ، ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنان كجنان الأردن ، وإن لم تفعلوا ، كان فيكم ذبح ، ثم بعثتم بعد موتكم ، ثم جعلت لكم نار ، تحرقون فيها! قال : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده ، ثم قال : " نعم أنا أقول [ ص: 442 ] ذلك ، أنت أحدهم " . وأخذ الله على أبصارهم عنه فلا يرونه ، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=1يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم إلى قوله nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=9وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون . ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا ، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب ، فأتاهم آت ممن لم يكن معهم ، فقال : ما تنتظرون هاهنا ؟ قالوا : محمدا . فقال : خيبكم الله ، قد والله خرج عليكم محمد ، ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا ، وانطلق لحاجته ، أفما ترون ما بكم ؟ قال : فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب ، ثم جعلوا يتطلعون ، فيرون عليا على الفراش متسجيا ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولون : والله إن هذا لمحمد نائما عليه برده . فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا ، فقام علي عن الفراش فقالوا : والله لقد كان صدقنا الذي كان حدثنا .
قال
ابن إسحاق : فكان مما أنزل الله في ذلك اليوم وما كانوا أجمعوا له ، قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=30وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين [ الأنفال : 30 ] وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=30أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين [ الطور : 31 ، 30 ] قال
ابن إسحاق : فأذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم عند ذلك بالهجرة .
[ ص: 437 ] فَصْلٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29301سَبَبِ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=80وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا [ الْإِسْرَاءِ : 80 ] أَرْشَدَهُ اللَّهُ وَأَلْهَمَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ ، أَنْ يَجْعَلَ لَهُ مِمَّا هُوَ فِيهِ فَرَجًا قَرِيبًا وَمَخْرَجًا عَاجِلًا ، فَأَذِنَ لَهُ تَعَالَى فِي الْهِجْرَةِ إِلَى
الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ حَيْثُ
الْأَنْصَارُ وَالْأَحْبَابُ ، فَصَارَتْ لَهُ دَارًا وَقَرَارًا وَأَهْلُهَا لَهُ أَنْصَارًا .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=16544وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ
جَرِيرٍ ، عَنْ
قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَأُمِرَ بِالْهِجْرَةِ وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ : " nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=80وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا "
وَقَالَ
قَتَادَةُ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ
الْمَدِينَةَ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ الْهِجْرَةَ مِنْ
مَكَّةَ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا
[ ص: 438 ] كِتَابَ اللَّهِ وَفَرَائِضَهُ وَحُدُودَهُ .
قَالَ
ابْنُ إِسْحَاقَ : وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ
بِمَكَّةَ بَعْدَ أَصْحَابِهِ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي الْهِجْرَةِ ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ مَعَهُ
بِمَكَّةَ إِلَّا مَنْ حُبِسَ أَوْ فُتِنَ ، إِلَّا
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ،
وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510208، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ كَثِيرًا مَا يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِجْرَةِ ، فَيَقُولُ لَهُ : " لَا تَعْجَلْ; لَعَلَّ اللَّهَ يَجْعَلُ لَكَ صَاحِبًا " . فَيَطْمَعُ
أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَكُونَهُ ، فَلَمَّا رَأَتْ
قُرَيْشٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَارَ لَهُ شِيعَةٌ وَأَصْحَابٌ مِنْ غَيْرِهِمْ بِغَيْرِ بَلَدِهِمْ ، وَرَأَوْا خُرُوجَ أَصْحَابِهِ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ إِلَيْهِمْ ، عَرَفُوا أَنَّهُمْ قَدْ نَزَلُوا دَارًا وَأَصَابُوا مِنْهُمْ مَنَعَةً ، فَحَذِرُوا خُرُوجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ ، وَعَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ لِحَرْبِهِمْ ، فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي
دَارِ النَّدْوَةِ - وَهِيَ
دَارُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ التِي كَانَتْ
قُرَيْشٌ لَا تَقْضِي أَمْرًا إِلَّا فِيهَا - يَتَشَاوَرُونَ فِيمَا يَصْنَعُونَ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَافُوهُ .
قَالَ
ابْنُ إِسْحَاقَ : فَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، وَغَيْرُهُ مِمَّنْ لَا أَتَّهِمُ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ :
لَمَّا اجْتَمَعُوا لِذَلِكَ ، وَاتَّعَدُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِي nindex.php?page=treesubj&link=30665دَارِ النَّدْوَةِ; لِيَتَشَاوَرُوا فِيهَا فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، غَدَوْا فِي الْيَوْمِ الَّذِي اتَّعَدُوا [ ص: 439 ] لَهُ ، وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يُسَمَّى يَوْمَ الزَّحْمَةِ ، فَاعْتَرَضَهُمْ إِبْلِيسُ ، لَعَنَهُ اللَّهُ ، فِي هَيْئَةِ شَيْخٍ جَلِيلٍ عَلَيْهِ بَتٌّ لَهُ ، فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الدَّارِ ، فَلَمَّا رَأَوْهُ وَاقِفًا عَلَى بَابِهَا ، قَالُوا : مَنِ الشَّيْخُ ؟ قَالَ : شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ سَمِعَ بِالَّذِي اتَّعَدْتُمْ لَهُ ، فَحَضَرَ مَعَكُمْ; لِيَسْمَعَ مَا تَقُولُونَ ، وَعَسَى أَنْ لَا يُعْدِمَكُمْ مِنْهُ رَأْيًا وَنُصْحًا . قَالُوا : أَجَلْ فَادْخُلْ . فَدَخَلَ مَعَهُمْ وَقَدِ اجْتَمَعَ فِيهَا أَشْرَافُ قُرَيْشٍ; عُتْبَةُ ، وَشَيْبَةُ ، وَأَبُو سُفْيَانَ ، وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ ، nindex.php?page=showalam&ids=67وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ ، nindex.php?page=showalam&ids=1852وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، nindex.php?page=showalam&ids=137وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ ، وَنُبَيْهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا يُعَدُّ مِنْ قُرَيْشٍ . فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ ، وَإِنَّنَا وَاللَّهِ مَا نَأْمَنُهُ عَلَى الْوُثُوبِ عَلَيْنَا بِمَنْ قَدِ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِنَا ، فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا . قَالَ : فَتَشَاوَرُوا ، ثُمَّ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ - قِيلَ : إِنَّهُ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ - احْبِسُوهُ فِي الْحَدِيدِ ، وَأَغْلِقُوا عَلَيْهِ بَابًا ، ثُمَّ تَرَبَّصُوا بِهِ مَا أَصَابَ أَشْبَاهَهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ; nindex.php?page=showalam&ids=15932زُهَيْرًا وَالنَّابِغَةَ وَمَنْ مَضَى مِنْهُمْ ، مِنْ هَذَا الْمَوْتِ; حَتَّى يُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُمْ . فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ : لَا وَاللَّهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ ، وَاللَّهِ لَئِنْ حَبَسْتُمُوهُ كَمَا تَقُولُونَ ، [ ص: 440 ] لَيَخْرُجَنَّ أَمْرُهُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ الَّذِي أَغْلَقْتُمْ دُونَهُ إِلَى أَصْحَابِهِ ، فَلَأَوْشَكُوا أَنْ يَثِبُوا عَلَيْكُمْ فَيَنْتَزِعُوهُ مِنْ أَيْدِيكُمْ ، ثُمَّ يُكَاثِرُوكُمْ بِهِ حَتَّى يَغْلِبُوكُمْ عَلَى أَمْرِكُمْ ، مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ ، فَتَشَاوَرُوا ، ثُمَّ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ : نُخْرِجُهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا فَنَنْفِيهِ مِنْ بِلَادِنَا ، فَإِذَا خَرَجَ عَنَّا ، فَوَاللَّهِ مَا نُبَالِي أَيْنَ ذَهَبَ ، وَلَا حَيْثُ وَقَعَ إِذَا غَابَ عَنَّا وَفَرَغْنَا مِنْهُ ، فَأَصْلَحْنَا أَمْرَنَا وَأُلْفَتَنَا كَمَا كَانَتْ . قَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ : لَا وَاللَّهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ; أَلَمْ تَرَوْا حُسْنَ حَدِيثِهِ ، وَحَلَاوَةَ مَنْطِقِهِ ، وَغَلَبَتَهُ عَلَى قُلُوبِ الرِّجَالِ بِمَا يَأْتِي بِهِ ؟ وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ ، مَا أَمِنْتُ أَنْ يَحِلَّ عَلَى حَيٍّ مِنَ الْعَرَبِ ، فَيَغْلِبَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَحَدِيثِهِ حَتَّى يُتَابِعُوهُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَسِيرُ بِهِمْ إِلَيْكُمْ حَتَّى يَطَأَكُمْ بِهِمْ ، فَيَأْخُذَ أَمْرَكُمْ مِنْ أَيْدِيكُمْ ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِكُمْ مَا أَرَادَ ، أَدِيرُوا فِيهِ رَأْيًا غَيْرَ هَذَا . فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ : وَاللَّهِ إِنَّ لِي فِيهِ لَرَأَيًا مَا أَرَاكُمْ وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ بَعْدُ . قَالُوا : وَمَا هُوَ يَا أَبَا الْحَكَمِ ؟ قَالَ : أَرَى أَنْ نَأْخُذَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ فَتًى شَابًّا جَلِيدًا نَسِيبًا وَسِيطًا فِينَا ، ثُمَّ نُعْطِي كُلَّ فَتًى مِنْهُمْ سَيْفًا صَارِمًا ، ثُمَّ يَعْمِدُوا إِلَيْهِ فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، فَيَقْتُلُوهُ فَنَسْتَرِيحَ مِنْهُ ، فَإِنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ جَمِيعِهَا ، فَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو عَبْدِ مُنَافٍ عَلَى حَرْبِ قَوْمِهِمْ جَمِيعًا فَرَضُوا مِنَّا بِالْعَقْلِ فَعَقَلْنَاهُ لَهُمْ . قَالَ : يَقُولُ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ : الْقَوْلُ مَا قَالَ الرَّجُلُ ، هَذَا الرَّأْيُ وَلَا رَأْيَ غَيْرُهُ . فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ عَلَى ذَلِكَ ، وَهُمْ مُجْمِعُونَ لَهُ ، فَأَتَى جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ : لَا [ ص: 441 ] تَبِتْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ عَلَى فِرَاشِكَ الَّذِي كُنْتَ تَبِيتُ عَلَيْهِ . قَالَ : فَلَمَّا كَانَتْ عَتَمَةٌ مِنَ اللَّيْلِ اجْتَمَعُوا عَلَى بَابِهِ ، يَرْصُدُونَهُ مَتَى يَنَامُ فَيَثِبُونَ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَانَهُمْ ، قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : " نَمْ عَلَى فِرَاشِي ، وَتَسَجَّ بِبُرْدِي هَذَا الْحَضْرَمِيِّ الْأَخْضَرِ فَنَمْ فِيهِ ، فَإِنَّهُ لَنْ يَخْلُصَ إِلَيْكَ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ مِنْهُمْ " . وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ فِي بُرْدِهِ ذَلِكَ إِذَا نَامَ
وَهَذِهِ الْقِصَّةُ التِي ذَكَرَهَا
ابْنُ إِسْحَاقَ ، قَدْ رَوَاهَا
الْوَاقِدِيُّ بِأَسَانِيدِهِ عَنْ
عَائِشَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَلِيٍّ ، وَسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ ، وَغَيْرِهِمْ ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ ، فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ .
قَالَ
ابْنُ إِسْحَاقَ : فَحَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=17347يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ ، قَالَ :
لَمَّا اجْتَمَعُوا لَهُ وَفِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ قَالَ ، وَهُمْ عَلَى بَابِهِ : إِنَّ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّكُمْ إِنْ تَابَعْتُمُوهُ عَلَى أَمْرِهِ ، كُنْتُمْ مُلُوكَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ ، ثُمَّ بُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ فَجُعِلَتْ لَكُمْ جِنَانٌ كَجِنَانِ الْأُرْدُنِ ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ، كَانَ فِيكُمْ ذَبْحٌ ، ثُمَّ بُعِثْتُمْ بَعْدَ مَوْتِكُمْ ، ثُمَّ جُعِلَتْ لَكُمْ نَارٌ ، تُحْرَقُونَ فِيهَا! قَالَ : فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فِي يَدِهِ ، ثُمَّ قَالَ : " نَعَمْ أَنَا أَقُولُ [ ص: 442 ] ذَلِكَ ، أَنْتَ أَحَدُهُمْ " . وَأَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَبْصَارِهِمْ عَنْهُ فَلَا يَرَوْنَهُ ، فَجَعَلَ يَنْثُرُ ذَلِكَ التُّرَابَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ وَهُوَ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَاتِ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=1يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ إِلَى قَوْلِهِ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=9وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ . وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى حَيْثُ أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ ، فَأَتَاهُمْ آتٍ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ ، فَقَالَ : مَا تَنْتَظِرُونَ هَاهُنَا ؟ قَالُوا : مُحَمَّدًا . فَقَالَ : خَيَّبَكُمُ اللَّهُ ، قَدْ وَاللَّهِ خَرَجَ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ ، ثُمَّ مَا تَرَكَ مِنْكُمْ رَجُلًا إِلَّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا ، وَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ ، أَفَمَا تَرَوْنَ مَا بِكُمْ ؟ قَالَ : فَوَضَعَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَإِذَا عَلَيْهِ تُرَابٌ ، ثُمَّ جَعَلُوا يَتَطَلَّعُونَ ، فَيَرَوْنَ عَلِيًّا عَلَى الْفِرَاشِ مُتَسَجِّيًا بِبُرْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَقُولُونَ : وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَمُحَمَّدٌ نَائِمًا عَلَيْهِ بُرْدُهُ . فَلَمْ يَبْرَحُوا كَذَلِكَ حَتَّى أَصْبَحُوا ، فَقَامَ عَلِيٌّ عَنِ الْفِرَاشِ فَقَالُوا : وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ صَدَقَنَا الَّذِي كَانَ حَدَّثَنَا .
قَالَ
ابْنُ إِسْحَاقَ : فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمَا كَانُوا أَجْمَعُوا لَهُ ، قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=30وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [ الْأَنْفَالِ : 30 ] وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=30أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ [ الطُّورِ : 31 ، 30 ] قَالَ
ابْنُ إِسْحَاقَ : فَأَذِنَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ بِالْهِجْرَةِ .