وممن توفي في هذه السنة من المشاهير والأعيان :
أمير المؤمنين آخر خلفاء بني العباس بالعراق ، وهو خليفة الوقت المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله بن أمير المؤمنين المستنصر بالله أبي جعفر منصور بن الظاهر بأمر الله أبي نصر محمد بن الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن أمير المؤمنين المستضيء بأمر الله أبي محمد الحسن بن أمير المؤمنين [ ص: 365 ] المستنجد بالله أبي المظفر يوسف بن أمير المؤمنين المقتفي لأمر الله أبي عبد الله محمد بن أمير المؤمنين المستظهر بالله أبي العباس أحمد بن المقتدي بأمر الله أبي القاسم عبد الله بن الأمير الذخيرة أبي العباس محمد بن القائم بأمر الله أبي جعفر عبد الله بن القادر بالله أبي العباس أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر بالله أبي الفضل جعفر بن المعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الأمير الموفق أبي أحمد طلحة بن المتوكل على الله أبي الفضل جعفر بن المعتصم بالله أبي إسحاق محمد بن الرشيد أبي محمد هارون بن المهدي أبي عبد الله محمد بن المنصور أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي العباسي ، مولده سنة تسع وستمائة ، وبويع له بالخلافة في العشرين من جمادى الأولى سنة أربعين ، وكان مقتله في يوم الأربعاء الرابع عشر من صفر سنة ست وخمسين وستمائة ، فيكون عمره يوم قتل سبعا وأربعين سنة ، رحمه الله تعالى .
وقد كان ، رحمه الله تعالى ، حسن الصورة ، جيد السيرة صحيح السريرة ، صحيح العقيدة ، مقتديا بأبيه المستنصر في المعدلة وكثرة الصدقات وإكرام العلماء والعباد ، وقد استجاز له من مشايخ الحافظ ابن النجار خراسان ، منهم المؤيد الطوسي ، وأبو روح عبد المعز بن محمد الهروي ، وغيرهم ، وحدث عنه جماعة منهم مؤدبه شيخ الشيوخ صدر الدين وأبو بكر القاسم بن عبد الله بن الصفار أبو الحسن علي بن محمد بن النيار ، وأجاز هو للإمام محيي الدين بن الجوزي ، وللشيخ وحدثا عنه بهذه الإجازة . نجم الدين الباذرائي ،
[ ص: 366 ] وقد كان رحمه الله سنيا على طريقة السلف واعتقاد الجماعة كما كان أبوه وجده ، ولكن كان فيه لين وعدم تيقظ ومحبة للمال وجمعه ، ومن جملة ذلك أنه غل الوديعة التي استودعه إياها الناصر داود بن المعظم ، وكانت قيمتها نحوا من مائة ألف دينار ، فاستقبح هذا من مثل الخليفة ، وهو مستقبح ممن هو دونه بكثير; بل من أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ، كما قال الله تعالى : ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما [ آل عمران : 75 ] .
قتلته التتار مظلوما مضطهدا في يوم الأربعاء رابع عشر صفر من هذه السنة ، وله من العمر ستة وأربعون سنة وأربعة أشهر ، وكانت مدة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأياما ، فرحمه الله وأكرم مثواه ، وبل بالرحمة ثراه . وقد قتل بعده ولداه ، وأسر الثالث مع بنات ثلاث من صلبه ، وشغر منصب الخلافة بعده ، ولم يبق في بني العباس من سد مسده ، فكان آخر الخلفاء من بني العباس الحاكمين بالعدل بين الناس ، ومن يرتجى منهم النوال ويخشى منهم الباس ، وختموا بعبد الله المستعصم ، كما افتتحوا بعبد الله السفاح ، وكان بني العباس إلى المستعصم سبعة وثلاثين خليفة ، فكان أولهم عدة خلفاء عبد الله السفاح ، بويع له بالخلافة ، وظهر ملكه وأمره في سنة ثنتين وثلاثين ومائة ، بعد انقضاء دولة بني أمية كما تقدم بيانه ، وآخرهم عبد الله المستعصم ، وقد زال ملكه ، وانقضت خلافته في هذا العام ، فجملة أيامهم خمسمائة سنة وأربع وعشرون سنة ، وزالت يدهم عن العراق والحكم بالكلية مدة سنة وشهور في أيام البساسيري بعد الخمسين وأربعمائة ، ثم عادت [ ص: 367 ] كما كانت . وقد بسطنا ذلك في موضعه في أيام القائم بأمر الله ، ولله الحمد .
ولم تكن أيدي بني العباس حاكمة على جميع البلاد كما كانت بنو أمية قاهرة لجميع البلاد والأقطار والأمصار ، فإنه قد خرج عن بني العباس بلاد المغرب ، ملكها في أوائل الأمر بعض بني أمية ممن بقي منهم من ذرية ثم تغلب عليه الملوك بعد دهور متطاولة كما ذكرنا ، وقارن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك ، بني العباس دولة المدعين أنهم من الفاطميين ببلاد مصر وبعض بلاد المغرب وما هنالك ، وبلاد الشام في بعض الأحيان والحرمين في أزمان طويلة .
واستمرت الفاطميين قريبا من ثلاثمائة سنة حتى كان آخرهم العاضد الذي مات بعد الستين وخمسمائة في الدولة الصلاحية الناصرية المقدسية كما ذكرنا ، وكانت دولة الفاطميين أربعة عشر ملكا متخلفا ، ومدة ملكهم تحريرا من سنة سبع وتسعين ومائتين إلى أن توفي العاضد سنة بضع وستين وخمسمائة ، والعجب أن خلافة النبوة التالية لزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ثلاثين سنة ، كما نطق بها الحديث الصحيح ، فكان فيها عدة ملوك أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، ثم ابنه الحسن بن علي ستة أشهر حتى كملت بها الثلاثون ، كما قررنا ذلك في دلائل النبوة ، ثم كانت ملكا ، فكان من أول ملوك الإسلام بني أبي سفيان ثم ابنه معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية ، يزيد ، ثم [ ص: 368 ] ابن ابنه وانقرض هذا البطن المفتتح معاوية بن يزيد بن معاوية ، بمعاوية ، المختتم بمعاوية ، ثم ملك ثم ابنه مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، عبد الملك ، ثم ، ثم أخوه الوليد بن عبد الملك سليمان ، ثم ابن عمه عمر بن عبد العزيز ، ثم ثم يزيد بن عبد الملك هشام بن عبد الملك ، ثم الوليد بن يزيد ، ثم يزيد بن الوليد ، ثم أخوه إبراهيم الناقص ، وهو ابن الوليد أيضا ، ثم مروان بن محمد الملقب بالحمار ، وكان آخرهم فكان أولهم اسمه مروان وآخرهم اسمه مروان ، وكان بني العباس أول خلفاء السفاح ، واسمه عبد الله ، وكان آخرهم المستعصم واسمه عبد الله ، كذلك الفاطميين اسمه أول خلفاء عبد الله المهدي ، وآخرهم عبد الله العاضد ، وهذا اتفاق غريب جدا ، قل من يتنبه له ، والله سبحانه أعلم .