[ ص: 593 ] ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين وستمائة
في يوم الاثنين ثاني المحرم منها العلامة تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني بدار الحديث السكرية التي بالقصاعين ، وحضر عنده درس الشيخ الإمام العالم قاضي القضاة بهاء الدين بن الزكي الشافعي ، والشيخ تاج الدين الفزاري شيخ الشافعية ، والشيخ زين الدين ابن المرحل ، وزين الدين بن المنجا الحنبلي ، وكان درسا هائلا حافلا ، وقد كتبه الشيخ تاج الدين الفزاري بخطه لكثرة فوائده ، وكثرة ما استحسنه الحاضرون ، وقد أطنب الحاضرون في شكره على حداثة سنه وصغره ، فإنه كان عمره إذ ذاك عشرين سنة وسنتين . ثم جلس الشيخ تقي الدين المذكور أيضا يوم الجمعة عاشر صفر بالجامع الأموي بعد صلاة الجمعة على منبر قد هيئ له لتفسير القرآن العزيز ، فابتدأ من أوله في تفسيره ، وكان يجتمع عنده الخلق الكثير والجم الغفير ، من كثرة ما كان يورد من العلوم المتنوعة المحررة مع الديانة والزهادة والعبادة ، سارت بذكره الركبان في سائر الأقاليم والبلدان ، واستمر على ذلك مدة سنين متطاولة .
وفيها قدم السلطان إلى دمشق من مصر يوم السبت ثاني عشر جمادى الآخرة ، فجاء صاحب حماة الملك المنصور إلى خدمته ، فتلقاه السلطان في موكبه وأكرمه . فلما كان ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من شعبان وقع مطر عظيم [ ص: 594 ] بدمشق ورعد وبرق ، وجاء سيل عظيم جدا حتى كسر أقفال باب الفراديس ، وارتفع الماء ارتفاعا كثيرا ، بحيث أغرق خلقا كثيرا ، وأخذ جمال الجيش المصري وأثقالهم ، فخرج السلطان إلى الديار المصرية بعد ثلاثة أيام ، وتولى شد الدواوين الأمير شمس الدين سنقر عوضا عن الدواداري علم الدين سنجر .
وفيها التتر فيما بينهم على ملكهم السلطان أحمد ، فعزلوه عنهم وقتلوه ، وملكوا عليهم اختلف السلطان أرغون بن أبغا ، ونادوا بذلك في جيشهم ، وتأطدت أحوالهم ، ومشت أمورهم على ذلك ، وبادت دولة السلطان أحمد ، وقامت دولة أرغون بن أبغا .