استهلت والخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد العباسي ، وسلطان البلاد الملك المنصور حسام الدين لاجين السلحداري المنصوري ، ونائبه بمصر منكوتمر ، وبدمشق سيف الدين قبجق ، وقاضي الشافعية إمام الدين القزويني ، وقاضي الحنفية حسام الدين الرازي ، ثم ولي ابنه جلال الدين مكانه بدمشق في عاشر صفر ، وركب بالخلعة والطرحة ، وهنأه الناس ، وكتب في الإسجالات قاضي القضاة . وقاضي المالكية جمال الدين الزواوي ، وقاضي الحنابلة تقي الدين سليمان بن حمزة بن الشيخ أبي عمر ، وخطيب البلد بدر الدين بن جماعة ، وطلب قاضي القضاة حسام الدين الرازي إلى الديار المصرية ، فأقام عند السلطان لاجين وولاه قضاء القضاة الحنفية بمصر عوضا عن شمس الدين السروجي ، واستقر ولده جلال الدين بالقضاء في الشام بدمشق قاضي قضاة الحنفية ، ودرس بمدرستي أبيه الخاتونية والمقدمية ، وترك مدرسة القصاعين والشبلية .
وجاء الخبر على يدي البريد بعافية السلطان من الوقعة التي كان وقعها ، فدقت البشائر وزينت البلد ، فإنه سقط عن فرسه وهو يلعب بالكرة ، فكان كما [ ص: 703 ] قال الشاعر :
حويت بطشا وإحسانا ومعرفة وليس يحمل هذا كله الفرس
وجاء التقليد والخلعة لنائب السلطنة ، فقرئ التقليد ، وباس العتبة ، وكان يوما مشهودا .وفي ربيع الأول درس بالجوزية عز الدين بن قاضي القضاة تقي الدين سليمان ، وحضر عنده إمام الدين الشافعي وأخوه جلال الدين وجماعة من الفضلاء ، وبعد التدريس جلس وحكم عن أبيه بإذنه له في ذلك .
وفي ربيع الأول غضب قاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد ، وترك الحكم بمصر أياما ، ثم استرضي وعاد ، وشرط عليه أن لا يستنيب ولده المحب .
وفي يوم الجمعة عاشر ربيع الآخر أقيمت الجمعة بالمدرسة المعظمية ، وخطب فيها مدرسها القاضي شمس الدين بن العز الحنفي . واشتهر في هذا الحين القبض على بدر الدين بيسري بالديار المصرية ، واحتيط على أمواله بديار مصر . وأرسل السلطان بجريدة صحبة علم الدين الدواداري إلى تل حمدون ففتحت بحمد الله ومنه ، وجاء الخبر بذلك إلى دمشق في الثاني عشر من [ ص: 704 ] رمضان ، وضربت به الخليلية ، وأذن بها الظهر ، وكان أخذها يوم الأربعاء سابع رمضان ، ثم فتحت مرعش بعدها ، فدقت البشائر ، ثم انتقل الجيش إلى قلعة حموص ، فأصيب جماعة من الجيش ، منهم الأمير علم الدين سنجر طقصبا ، أصابه زيار في فخذه ، وأصاب الأمير علم الدين الدواداري حجر في رجله .
ولما كان يوم الجمعة سابع عشر شوال عمل الشيخ تقي الدين ابن تيمية ميعادا في الجهاد ، وحرض فيه ، بالغ في أجور المجاهدين ، وكان وقتا مشهودا وميعادا جليلا .
وفي هذا الشهر عاد الملك المسعود نجم الدين خضر بن الظاهر من بلاد الأشكري إلى ديار مصر بعد أن مكث هناك من زمن الأشرف بن المنصور ، وتلقاه السلطان بالموكب ، وأكرمه وعظمه ، وحج الأمير خضر بن الظاهر في هذه السنة مع المصريين ، وكان فيهم الخليفة الحاكم بأمر الله العباسي .
وفي شهر شوال جلس المدرسون بالمدرسة التي أنشأها نائب السلطنة بمصر ، وهي المنكوتمرية داخل باب القنطرة .
[ ص: 705 ] وفيها دقت البشائر لأجل أخذ قلعتي حميص ونجيمة من بلاد سيس .
وفيها وصلت الجريدة من بلاد مصر قاصدين بلاد سيس مددا لأصحابهم ، وهي نحو من ثلاثة آلاف مقاتل ، ولله الحمد .
وفي منتصف ذي الحجة أمسك الأمير عز الدين أيبك الحموي الذي كان نائب الشام هو وجماعة من أهله وأصحابه من الأمراء .
وفيها قلت المياه بدمشق جدا حتى بقي ثورا في بعض الأماكن لا يصل إلى ركبة الإنسان ، وأما بردى فإنه لم يبق فيه مسكة ماء ، ولا يصل إلى جسر جسرين ، وغلا سعر الثلج بالبلد ، وأما نيل مصر فإنه كان في غاية الزيادة والكثرة .