[ ص: 559 ] فصل في المهاجرين والأنصار مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين
كما قال تعالى : والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون [ الحشر : 9 ] وقال تعالى : والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا [ النساء : 33 ]
قال : حدثنا البخاري الصلت بن محمد ، ثنا أبو أسامة ، عن إدريس ، عن طلحة بن مصرف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ولكل جعلنا موالي قال : ورثة والذين عقدت أيمانكم المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فلما نزلت كان ولكل جعلنا موالي نسخت ثم قال والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم من النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ، ويوصى له .
[ ص: 560 ] وقال : قرئ على الإمام أحمد سفيان : سمعت عاصما ، عن أنس ، قال : حالف النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دارنا قال سفيان : كأنه يقول : آخى .
وقال محمد بن إسحاق : وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار ، فقال فيما بلغنا ، ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يقل : " تآخوا في الله أخوين أخوين " . ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب ، فقال : هذا أخي . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين ، وإمام المتقين ، ورسول رب العالمين الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد . وعلي بن أبي طالب أخوين ، وكان حمزة بن عبد المطلب أسد الله ، وأسد رسوله ، وعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخوين ، وإليه أوصى وزيد بن حارثة حمزة يوم أحد ، ذو الجناحين وجعفر بن أبي طالب أخوين . قال ومعاذ بن جبل ابن هشام : كان جعفر يومئذ غائبا بأرض الحبشة .
قال ابن إسحاق : وكان أبو بكر أخوين ، وخارجة بن زيد الخزرجي وعمر بن الخطاب وعتبان بن مالك أخوين ، وأبو عبيدة أخوين ، وسعد بن معاذ وعبد الرحمن بن عوف أخوين وسعد بن الربيع [ ص: 561 ] والزبير بن العوام أخوين ، ويقال : بل كان وسلمة بن سلامة بن وقش الزبير أخوين ، وعبد الله بن مسعود وعثمان بن عفان وأوس بن ثابت بن المنذر النجاري أخوين ، وطلحة بن عبيد الله أخوين ، وكعب بن مالك وسعيد بن زيد أخوين ، وأبي بن كعب ومصعب بن عمير وأبو أيوب أخوين ، وأبو حذيفة بن عتبة أخوين ، وعباد بن بشر وعمار حليف وحذيفة بن اليمان العبسي عبد الأشهل أخوين ، ويقال : بل كان عمار أخوين . وثابت بن قيس بن شماس
قلت : وهذا أنسب من وجهين .
قال : وأبو ذر برير بن جنادة والمنذر بن عمرو المعنق ليموت أخوين ، وحاطب بن أبي بلتعة أخوين ، وعويم بن ساعدة وسلمان أخوين ، وأبو الدرداء وبلال وأبو رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي ثم أحد الفزع أخوين . قال : فهؤلاء ممن سمي لنا ممن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينهم من أصحابه ، رضي الله عنهم .
قلت : وفي بعض ما ذكره نظر ، أما مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم وعلي ، فإن من [ ص: 562 ] العلماء من ينكر ذلك ويمنع صحته ، ومستنده في ذلك أن هذه المؤاخاة إنما شرعت لأجل ارتفاق بعضهم من بعض ، وليتألف قلوب بعضهم على بعض ، فلا معنى لمؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لأحد منهم ، ولا مهاجري لمهاجري آخر ، كما ذكره من مؤاخاة حمزة اللهم إلا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل مصلحة وزيد بن حارثة ، علي إلى غيره ، فإنه كان ممن ينفق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من صغره في حياة أبيه أبي طالب ، كما تقدم عن مجاهد وغيره . وكذلك يكون حمزة قد التزم بمصالح مولاهم فآخاه بهذا الاعتبار . والله أعلم . زيد بن حارثة
وهكذا ذكره لمؤاخاة جعفر فيه نظر ، كما أشار إليه ومعاذ بن جبل عبد الملك بن هشام; فإن إنما قدم في فتح جعفر بن أبي طالب خيبر في أول سنة سبع كما سيأتي بيانه ، فكيف يؤاخي بينه وبين معاذ بن جبل أول مقدمه عليه السلام إلى المدينة ، اللهم إلا أن يقال : أنه أرصد لأخوته إذا قدم حين يقدم .
وقوله : وكان أبو عبيدة أخوين : مخالف لما رواه وسعد بن معاذ : حدثنا الإمام أحمد عبد الصمد ، حدثنا حماد ، ثنا ثابت ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين وبين أبي عبيدة بن الجراح أبي طلحة . وكذا رواه مسلم منفردا به ، عن حجاج بن الشاعر ، عن عبد الصمد بن عبد الوارث ، [ ص: 563 ] به . وهذا أصح مما ذكره ابن إسحاق من مؤاخاة أبي عبيدة . والله أعلم . وسعد بن معاذ
وقال : باب كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ، وقال البخاري عبد الرحمن بن عوف : آخى النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبين لما قدمنا سعد بن الربيع المدينة . وقال أبو جحيفة : سلمان الفارسي رضي الله عنهما وأبي الدرداء . حدثنا آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين محمد بن يوسف ، ثنا سفيان ، عن حميد ، عن أنس ، قال : قدم عبد الرحمن بن عوف فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله ، فقال سعد بن الربيع الأنصاري ، عبد الرحمن : بارك الله لك في أهلك ومالك ، دلني على السوق . فربح شيئا من أقط وسمن ، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام وعليه وضر من صفرة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " مهيم يا عبد الرحمن ؟ " قال : يا رسول الله ، تزوجت امرأة من الأنصار . قال : " فما سقت فيها ؟ " قال : وزن نواة من ذهب . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أولم ولو بشاة " . تفرد به من هذا الوجه . وقد رواه أيضا في مواضع أخر ، ومسلم من طرق عن حميد به .
وقال : حدثنا الإمام أحمد عفان ، ثنا حماد ، ثنا ثابت وحميد ، عن [ ص: 564 ] أنس ، أن عبد الرحمن بن عوف قدم المدينة ، فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين فقال له سعد بن الربيع الأنصاري ، سعد : أي أخي ، أنا أكثر أهل المدينة مالا; فانظر شطر مالي فخذه ، وتحتي امرأتان فانظر أيهما أعجب إليك حتى أطلقها . فقال عبد الرحمن : بارك الله لك في أهلك ومالك ، دلوني على السوق . فدلوه فذهب فاشترى وباع فربح ، فجاء بشيء من أقط وسمن ، ثم لبث ما شاء الله أن يلبث ، فجاء وعليه ردع زعفران ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مهيم ؟ " فقال : يا رسول الله ، تزوجت امرأة . قال : " ما أصدقتها ؟ قال : وزن نواة من ذهب . قال : أولم ولو بشاة . قال عبد الرحمن : فلقد رأيتني ولو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب ذهبا وفضة
وتعليق هذا الحديث عن البخاري عبد الرحمن بن عوف غريب; فإنه لا يعرف مسندا إلا عن أنس ، اللهم إلا أن يكون أنس تلقاه عنه . فالله أعلم .
وقال : حدثنا الإمام أحمد يزيد ، أخبرنا حميد ، عن أنس ، قال : قال المهاجرون : يا رسول الله ، ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في [ ص: 565 ] قليل ، ولا أحسن بذلا من كثير ، لقد كفونا المؤونة ، وأشركونا في المهنأ حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله . قال : " لا ، ما أثنيتم عليهم ، ودعوتم الله لهم " . هذا حديث ثلاثي الإسناد على شرط " الصحيحين " ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه ، وهو ثابت في الصحيح من وجه آخر .
وقال : أخبرنا البخاري أخبرنا الحكم بن نافع ، شعيب ، ثنا أبو الزناد ، عن عن الأعرج ، قال : أبي هريرة ، قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم : اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل . قال : " لا " . قالوا : تكفونا المؤونة ونشرككم في الثمرة . قالوا : سمعنا وأطعنا . تفرد به . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار : " إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم " . فقالوا : أموالنا بيننا قطائع . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أو غير ذلك ؟ " . قالوا : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : " هم قوم لا يعرفون العمل فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر " . قالوا : نعم . وقد ذكرنا ما ورد من الأحاديث [ ص: 566 ] والآثار في فضائل الأنصار وحسن سجاياهم عند قوله تعالى : والذين تبوءو الدار والإيمان من قبلهم [ الحشر : 9 ] الآية .