[ ص: 689 ] باب كيسان بعد غلقه نحوا من مائتي سنة فتح
وفي يوم الأربعاء السادس والعشرين من شعبان اجتمع نائب السلطنة والقضاة عند باب كيسان ، وشرع الصناع في فتحه عن مرسوم السلطان الوارد من الديار المصرية ، وأمر نائب السلطنة ، وإذن القضاة في ذلك ، واستهل رمضان وهم في العمل فيه .
وفي العشر الأخير من شعبان توفي الشريف شمس الدين محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني ، المحدث المحصل ، المؤلف لأشياء مهمة في الحديث ، قرأ ، وسمع ، وجمع ، وكتب أسماء رجال ب " مسند الإمام أحمد " ، واختصر كتابا في أسماء الرجال مفيدا ، وولي مشيخة الحديث التي وقفها في داره داخل بهاء الدين القاسم بن عساكر باب توماء .
وختمت البخاريات في آخر شهر رمضان ، ووقع بين الشيخ عماد الدين بن السراج قارئ " " عند محراب الصحابة ، وبين البخاري الشيخ بدر الدين ابن الشيخ جمال الدين بن الشريشي ، وتهاترا على رءوس الأشهاد بسبب لفظة " يبتئر " بمعنى ( يدخر ) ، وفي نسخة " يبتئز " ، فحكى عن ابن السراج الحافظ المزي أن [ ص: 690 ] الصواب " يبتئز " من قول العرب : من عز بز . وصدق في ذلك ، فكأن منازعه خطأ المزي ، فانتصر الآخر للحافظ المزي ، فنال منه بالقول ثم قام والده الشيخ جمال الدين المشار إليه ، فكشف رأسه على طريقة الصوفية ، فكأن لم يلتفت إليه ، وتدافعوا إلى القاضي الشافعي ، فانتصر للحافظ ابن السراج المزي ، وجرت أمور ثم اصطلحوا غير مرة ، وعزم أولئك على كتب محضر على ثم انطفأت تلك الشرور . وكثر الموت في أثناء شهر رمضان ، وقاربت العدة مائة ، وربما جاوزت المائة ، وربما كانت أقل منها وهو الغالب ، ومات جماعة من الأصحاب والمعارف ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . وكثر الجراد في البساتين ، وعظم الخطب بسببه ، وأتلف شيئا كثيرا من الغلات ، والثمار ، والخضراوات ، وغلت الأسعار ، وقلت الثمار ، وارتفعت قيم الأشياء ، فبيع الدبس بما فوق المائتين القنطار ، والرز بأزيد من ذلك . ابن السراج ،
وتكامل فتح باب كيسان وسموه الباب القبلي ، ووضع الجسر منه إلى الطريق السالكة ، وعرضه أزيد من عشرة أذرع بالنجاري لأجل عمل الباشورة جنبتيه ، ودخلت المارة عليه من المشاة والركبان ، وجاء في غاية الحسن ، وسلك الناس في حارات اليهود ، وانكشف دخلهم ، وأمن الناس من دخنهم ، وغشهم ، ومكرهم ، [ ص: 691 ] وخبثهم ، وانفرج الناس بهذا الباب المبارك .
واستهل شوال والجراد قد أتلف شيئا كثيرا من البلاد ، ورعى الخضراوات ، والأشجار ، وأوسع أهل الشام في الفساد ، وغلت الأسعار ، واستمر الفناء ، وكثر الضجيج والبكاء ، وفقدنا كثيرا من الأصحاب والأصدقاء . وقد تناقص الفناء في هذه المدة ، وقل الوقع ، وتناقص للخمسين . وفي شهر ذي القعدة تقاصر الفناء ، ولله الحمد ، ونزل العدد إلى العشرين فما حولها . وفي رابعه دخل بالفيل والزرافة إلى مدينة دمشق من القاهرة ، فأنزلا في الميدان الأخضر قريبا من القصر الأبلق ، وذهب الناس للنظر إليهما على العادة .
وفي يوم الجمعة تاسعه صلي على الشيخ جمال الدين عبد الصمد بن خليل البغدادي ، المعروف بابن الخضري ، محدث بغداد وواعظها ، كان من أهل السنة والجماعة ، رحمه الله .