ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم بالغيوب المستقبلة بعد زماننا هذا  
قال  الإمام أحمد    : حدثنا أبو عاصم ،  حدثنا عزرة بن ثابت ،  حدثنا علباء بن أحمر اليشكري ،  حدثنا أبو زيد الأنصاري ،  قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ، ثم صعد المنبر ، فخطبنا حتى حضرت الظهر ، ثم نزل   [ ص: 29 ] فصلى الظهر ، ثم صعد المنبر ، فخطبنا حتى حضرت العصر ، ثم نزل فصلى العصر ، ثم صعد المنبر فخطبنا ، حتى غابت الشمس ، فحدثنا بما كان ، وما هو كائن ، فأعلمنا أحفظنا   . 
وقد رواه مسلم  منفردا به في كتاب الفتن من " صحيحه " ، عن  يعقوب بن إبراهيم الدورقي ،   وحجاج بن الشاعر ،  عن  أبي عاصم الضحاك بن مخلد النبيل ،  عن عزرة ،  عن علباء ،  عن أبي زيد - وهو عمرو بن أخطب . بن رفاعة - الأنصاري  به . 
وقال  البخاري  في كتاب بدء الخلق من " صحيحه " : روي عن عيسى بن موسى غنجار ،  عن رقبة ،  عن  قيس بن مسلم ،  عن  طارق بن شهاب ،  قال : سمعت عمر بن الخطاب  يقول : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما ، فأخبرنا عن بدء الخلق ، حتى دخل أهل الجنة منازلهم ، وأهل النار منازلهم ، حفظ ذلك من حفظه ، ونسيه من نسيه   . هكذا ذكره  البخاري  معلقا بصيغة التمريض عن عيسى غنجار ،  عن  رقبة وهو ابن مصقلة ،  قال أبو مسعود الدمشقي  في " الأطراف " : وإنما رواه عيسى غنجار  عن أبي حمزة  عن رقبة    . فالله أعلم . 
 [ ص: 30 ] وقال أبو داود  في أول كتاب الفتن من " سننه " : حدثنا  عثمان بن أبي شيبة ،  حدثنا جرير ،  عن الأعمش ،  عن أبي وائل ،  عن حذيفة  قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما ، فما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه ، حفظه من حفظه ، ونسيه من نسيه ، قد علمه أصحابي هؤلاء ، وإنه ليكون منه الشيء فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ، ثم إذا رآه عرفه . وهكذا رواه  البخاري  من حديث  سفيان الثوري ،  ومسلم  من حديث جرير ،  كلاهما عن الأعمش  به . 
وقال  الإمام أحمد    : حدثنا عبد الرزاق ،  أنا معمر ،  عن علي بن زيد ،  عن  أبي نضرة ،  عن أبي سعيد ،  قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ذات يوم بنهار ، ثم قام فخطبنا إلى أن غابت الشمس ، فلم يدع شيئا مما يكون إلى يوم القيامة إلا حدثناه ، حفظ ذلك من حفظ ، ونسي ذلك من نسي ، فكان مما قال : " يا أيها الناس ، إن الدنيا خضرة حلوة ، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء " . وذكر تمامها إلى أن قال : " وقد دنت الشمس أن تغرب ، وإن ما بقي من الدنيا فيما مضى منها مثل ما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه " . 
 علي بن زيد بن جدعان التيمي  له غرائب ومنكرات ، ولكن لهذا الحديث   [ ص: 31 ] شواهد من وجوه أخر . وفي " صحيح مسلم    " ، من طريق  أبي نضرة ،  عن أبي سعيد  بعضه ، وفيه الدلالة على ما هو المقطوع به; أن ما بقي من الدنيا بالنسبة إلى ما مضى منها شيء يسير جدا ، ومع هذا لا يعلم مقدار ما بقي على التعيين والتحديد إلا الله تعالى ، كما لا يعلم مقدار ما مضى منها إلا الله عز وجل . والذي في كتب الإسرائيليين  وأهل الكتاب  من تحديد ما سلف بألوف ومئين من السنين قد نص غير واحد من العلماء على تخطئتهم فيه ، وتغليطهم ، وهم جديرون بذلك حقيقون به . وقد ورد في حديث : " الدنيا جمعة من جمع الآخرة   " . ولا يصح إسناده . وكذا كل حديث ورد فيه تحديد بوقت يوم القيامة على التعيين ، لا يثبت إسناده ، وقد قال الله تعالى : يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها  إلى قوله : أو ضحاها    [ النازعات : 42 - 44 ] وقال تعالى : يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو  إلى قوله : ولكن أكثر الناس لا يعلمون    [ الأعراف : 187 ] ، والآيات في هذا والأحاديث كثيرة ، وقال الله تعالى : اقتربت الساعة وانشق القمر    [ القمر : 1 ] . 
وثبت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم  وغيره عن سهل بن سعد ،   [ ص: 32 ] قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " بعثت أنا والساعة كهاتين " . وفي رواية : " إن كادت لتسبقني " . وهذا يدل على اقترابها بالنسبة إلى ما مضى من الدنيا ، وقال تعالى : اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون    [ الأنبياء : 1 ] ، وقال تعالى : أتى أمر الله فلا تستعجلوه    [ النحل : 1 ] وقال تعالى : يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق    [ الشورى : 18 ] . 
وفي " الصحيح " أن رجلا من الأعراب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة ، فقال : " إنها كائنة ، فما أعددت لها " ؟ فقال الرجل : والله يا رسول الله ، لم أعد لها كثير صلاة ولا عمل ، ولكني أحب الله ورسوله . فقال : " أنت مع من أحببت " . فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث . 
وفي بعض الأحاديث ، أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الساعة ، فنظر إلى غلام فقال : " لن يدرك هذا الهرم حتى تأتيكم ساعتكم " . والمراد : انخرام قرنهم ، ودخولهم في عالم الآخرة ، فإن كل من مات فقد دخل في حكم الآخرة ، وبعض الناس يقول : من مات فقد قامت قيامته . وهذا الكلام بهذا المعنى صحيح ، وقد يقول هذا بعض الملاحدة ، ويشيرون به إلى شيء من الزندقة والباطل . فأما الساعة العظمى وهو اجتماع الأولين والآخرين في صعيد واحد ، فهذا مما استأثر الله تعالى بعلم وقته ، كما ثبت في الصحيح : " خمس لا   [ ص: 33 ] يعلمهن إلا الله " . ثم قرأ : إن الله عنده علم الساعة    [ لقمان : 34 ] . وقد سأل جبريل  النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فأخبره به ، ثم سأله عن الإيمان فأخبره به ، ثم سأله عن الإحسان فأخبره به ، فلما سأله عن الساعة ، قال له : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " . قال : فأخبرني عن أشراطها . فأخبره عن ذلك . كما سيأتي إيراده بسنده ومتنه ، مع أمثاله وأشكاله من الأحاديث . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					