[ ص: 475 ] ثم دخلت سنة ست وستين وستمائة
والحاكم العباسي خليفة ، استهلت هذه السنة الملك الظاهر ، وفي أول جمادى الآخرة خرج السلطان من الديار المصرية بالعساكر المنصورة ، فنزل على مدينة وسلطان البلاد يافا بغتة ، فأخذها عنوة ، وسلم إليه أهلها قلعتها صلحا ، فأجلاهم منها إلى عكا ، وخرب القلعة والمدينة أيضا ، وقد كان الفرنج اعتنوا بعمارتها وتحصينها ، فجعلها بلقعا لئلا يكون لهم إليها عودة ، وسار منها في رجب قاصدا حصن الشقيف ، وفي بعض الطريق أخذ من بعض بريدية الفرنج كتابا من أهل عكا إلى أهل الشقيف يعلمونهم بقدوم السلطان عليهم ، ويأمرونهم بتحصين البلد والمبادرة إلى إصلاح أماكن يخشى على البلد منها . ففهم السلطان كيف يأخذ البلد ، وعرف من أين تؤكل الكتف ، واستدعى من فوره رجلا من الفرنج ، فأمره أن يكتب بدله كتابا على ألسنتهم إلى أهل الشقيف ، يحذر الملك من الوزير ، والوزير من الملك ، ويرمي الخلف بين الدولة . فوصل إليهم ، فأوقع الله الخلف بينهم بحوله وقوته ، وجاء السلطان فحاصرهم ورماهم بالمنجنيق ، فسلموه الحصن في التاسع والعشرين من رجب ، وأجلاهم إلى صور ، وبعث بالأثقال إلى دمشق ثم ركب جريدة فيمن نشط من [ ص: 476 ] الجيش ، فشن الغارة على طرابلس وأعمالها ، فنهب وقتل وأرعب ، وكر راجعا مؤيدا منصورا ، فنزل على حصن الأكراد تحته في المرج ، فحمل إليه أهله من الفرنج الإقامات ، فأبى أن يقبلها وقال : أنتم قتلتم جنديا من جيشي ، وأريد ديته مائة ألف دينار . ثم سار ، فنزل على حمص ، ثم منها إلى حماة ، ثم إلى أفامية ، ثم سار منزلة أخرى ، ثم سار ليلا ، وتقدم العسكر فلبسوا العدة ، وساق حتى أحاط بمدينة أنطاكية .