قال : وهي غزوة البخاري المريسيع . قال محمد بن إسحاق : وذلك في سنة ست . وقال سنة أربع . وقال موسى بن عقبة : ، عن النعمان بن راشد الزهري : كان حديث الإفك في غزوة المريسيع . هكذا حكاه ، عن مغازي البخاري أنها كانت في سنة أربع . والذي حكاه موسى بن عقبة ؛ عنه وعن عروة ؛ أنها كانت في شعبان ، سنة خمس . وقال البيهقي الواقدي : كانت لليلتين من شعبان ، سنة خمس ، في سبعمائة من أصحابه .
وقال محمد بن إسحاق بن يسار ، بعدما أورد قصة ذي قرد : فأقام [ ص: 182 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعض جمادى الآخرة ، ورجبا ، ثم غزا بني المصطلق من خزاعة في شعبان ، سنة ست . قال ابن هشام : واستعمل على المدينة ، ويقال : أبا ذر الغفاري نميلة بن عبد الله الليثي .
قال ابن إسحاق : فحدثني ، عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ، ، كل قد حدثني بعض حديث ومحمد بن يحيى بن حبان بني المصطلق ، قالوا : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق يجمعون له ، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار ، أبو التي تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا ، فلما سمع بهم خرج إليهم ، حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له : جويرية بنت الحارث المريسيع . من ناحية قديد إلى الساحل ، فتزاحم الناس واقتتلوا ، فهزم الله بني المصطلق ، وقتل من قتل منهم ، ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم ، فأفاءهم عليه .
وقال الواقدي : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لليلتين خلتا من شعبان ، سنة خمس من الهجرة في سبعمائة من أصحابه إلى بني المصطلق ، وكانوا حلفاء بني مدلج ، فلما انتهى إليهم دفع راية المهاجرين إلى أبي بكر الصديق ، ويقال : إلى وراية الأنصار إلى عمار بن ياسر سعد بن عبادة ، ثم أمر عمر بن الخطاب ، فنادى في الناس ، أن قولوا : لا إله إلا الله . تمنعوا بها أنفسكم ، [ ص: 183 ] وأموالكم . فأبوا ، فتراموا بالنبل ، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين فحملوا حملة رجل واحد ، فما أفلت منهم رجل واحد وقتل منهم عشرة ، وأسر سائرهم ، ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد .
وثبت في " الصحيحين " من حديث عبد الله بن عون ، قال : نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال ، فقال : قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون ، وأنعامهم تسقى على الماء ، فقتل مقاتلتهم ، وسبى سبيهم ، فأصاب يومئذ - أحسبه قال : - جويرية بنت الحارث وأخبرني كتبت إلى عبد الله بن عمر بذلك ، وكان في ذلك الجيش .
قال ابن إسحاق : وقد أصيب رجل من المسلمين يقال له : هشام بن صبابة أصابه رجل من الأنصار ، وهو يرى أنه من العدو ، فقتله خطأ .
وذكر ابن إسحاق أن أخاه مقيس بن صبابة قدم من مكة مظهرا للإسلام ، فطلب دية أخيه هشام من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه قتل خطأ ، فأعطاه ديته ، ثم مكث يسيرا ، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ، ورجع مرتدا إلى مكة ، وقال في ذلك : [ ص: 184 ]
شفى النفس أن قد بات بالقاع مسندا يضرج ثوبيه دماء الأخادع وكانت هموم النفس من قبل قتله
تلم فتحميني وطاء المضاجع حللت به وتري وأدركت ثؤرتي
وكنت إلى الأوثان أول راجع ثأرت به فهرا وحملت عقله
سراة بني النجار أرباب فارع
قال ابن إسحاق : عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار ، يقال له : جهجاه بن مسعود . يقود فرسه ، فازدحم جهجاه ، وسنان بن وبر الجهني ، حليف بني عوف بن الخزرج ، على الماء ، فاقتتلا ، فصرخ الجهني : يا معشر الأنصار . وصرخ جهجاه : يا معشر المهاجرين . فغضب عبد الله بن أبي بن سلول ، وعنده رهط من قومه ، فيهم غلام حدث ، فقال : أوقد فعلوها ؟ قد [ ص: 185 ] نافرونا ، وكاثرونا في بلادنا ، والله ما أعدنا وجلابيب زيد بن أرقم ؛ قريش هذه ، إلا كما قال الأول : سمن كلبك يأكلك . أما والله ، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . ثم أقبل على من حضره من قومه فقال : هذا ما فعلتم بأنفسكم ؛ أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم ؛ لتحولوا إلى غير داركم فسمع ذلك ، فمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك عند فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه ، فأخبره الخبر ، وعنده زيد بن أرقم عمر بن الخطاب فقال : مر به فليقتله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فكيف يا عباد بن بشر عمر ، إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ، لا ، ولكن أذن بالرحيل " وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها ، فارتحل الناس وقد مشى عبد الله بن أبي بن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين بلغه أن قد بلغه ما سمع منه ، فحلف بالله : ما قلت ما قال ، ولا تكلمت به . وكان في قومه شريفا عظيما ، فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار من أصحابه : يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ، ولم يحفظ ما قال الرجل . حدبا على زيد بن أرقم ابن أبي ودفعا عنه . فلما استقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار ، لقيه ، فحياه بتحية النبوة وسلم عليه ، وقال : يا رسول الله ، والله لقد رحت في ساعة [ ص: 186 ] منكرة ، ما كنت تروح في مثلها . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أوما بلغك ما قال صاحبكم ؟ " . قال : أي صاحب يا رسول الله ؟ قال : " أسيد بن حضير عبد الله بن أبي " . قال : وما قال ؟ قال : " زعم أنه إن رجع إلى المدينة ؛ أخرج الأعز منها الأذل " . قال : فأنت والله يا رسول الله ، تخرجه إن شئت ، هو والله الذليل وأنت العزيز . ثم قال : يا رسول الله ارفق به ، فوالله لقد جاءنا الله بك ، وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه ، فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا . ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى ، وليلتهم حتى أصبح ، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ، ثم نزل بالناس ، فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض ، فوقعوا نياما ، وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس ؛ من حديث عبد الله بن أبي ، ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ، وسلك الحجاز ، حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النقيع ، يقال له : بقعاء . فلما راح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هبت على الناس ريح شديدة ، فآذتهم وتخوفوها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تخوفوها ؛ فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار " . فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت ، أحد بني قينقاع ، - وكان عظيما من عظماء يهود ، وكهفا للمنافقين - مات ذلك اليوم وهكذا ذكر [ ص: 187 ] فبينا الناس على ذلك الماء ، وردت واردة الناس ، ومع موسى بن عقبة . ، والواقدي
وروى مسلم ، من طريق الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر نحو هذه القصة ، إلا أنه لم يسم الذي مات من المنافقين ، قال : المدينة ، إذا هو قد مات عظيم من عظماء المنافقين . هبت ريح شديدة والنبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، فقال : " هذه لموت منافق " . فلما قدمنا
قال ابن إسحاق : ونزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين ؛ في ابن أبي ، ومن كان على مثل أمره ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذن ، وقال : زيد بن أرقم . هذا الذي أوفى لله بأذنه
قلت : وقد تكلمنا على تفسيرها بتمامها ؛ في كتابنا " التفسير " بما فيه كفاية عن إعادته هاهنا ، وسردنا طرق هذا الحديث ، عن ، ولله الحمد والمنة ، فمن أراد الوقوف عليه ، أو أحب أن يكتبه هاهنا ، فليطلبه من هناك ، وبالله التوفيق . زيد بن أرقم
قال ابن إسحاق : حدثني أن عاصم بن عمر بن قتادة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول يا رسول الله ، إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي ، فيما بلغك عنه ، فإن كنت فاعلا فمرني به ، [ ص: 188 ] فأنا أحمل إليك رأسه ، فوالله لقد علمت الخزرج ؛ ما كان بها من رجل أبر بوالده مني ، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله ، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس ، فأقتله ، فأقتل مؤمنا بكافر ، فأدخل النار . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا . وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث ؛ كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ، ويعنفونه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب ، حين بلغه ذلك من شأنهم : " كيف ترى يا عمر أما والله لو قتلته يوم قلت لي : اقتله ، لأرعدت له آنف ، لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته " . فقال عمر : قد والله علمت ؛ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري .
وقد ذكر عكرمة وابن زيد وغيرهما ، أن ابنه عبد الله ، رضي الله عنه ، وقف لأبيه عبد الله بن أبي بن سلول عند مضيق المدينة فقال : قف ، فوالله لا تدخلها حتى يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك . فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذنه في ذلك ، فأذن له ، فأرسله حتى دخل المدينة .
قال ابن إسحاق : وأصيب يومئذ من بني المصطلق ناس ، وقتل علي بن أبي طالب منهم رجلين ؛ وابنه . قال مالكا ابن هشام : وكان شعار المسلمين : يا منصور ، أمت أمت .
قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب منهم سبيا [ ص: 189 ] كثيرا ، فقسمهم في المسلمين .
وقال : حدثنا البخاري قتيبة بن سعيد ، أخبرني إسماعيل بن جعفر ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن ابن محيريز ، أنه قال : دخلت المسجد فرأيت ، فجلست إليه ، فسألته عن العزل ، فقال أبا سعيد الخدري أبو سعيد : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق ، فأصبنا سبيا من سبي العرب ، فاشتهينا النساء ، واشتدت علينا العزوبة ، وأحببنا العزل ، وقلنا : نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ، قبل أن نسأله . فسألناه عن ذلك فقال : " ما عليكم أن لا تفعلوا ، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة وهكذا رواه .
قال ابن إسحاق : وكان فيمن أصيب يومئذ من السبايا فحدثني جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ، محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة ، عن عائشة قالت : في السهم جويرية بنت الحارث ، أو لابن عم له ، فكاتبته على نفسها ، وكانت امرأة حلوة ملاحة ، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم لتستعينه في كتابتها . قالت : فوالله ما هو إلا أن رأيتها [ ص: 19 ] على باب حجرتي فكرهتها ، وعرفت أنه سيرى منها ما رأيت . فدخلت عليه فقالت : يا رسول الله ، أنا لثابت بن قيس بن شماس سيد قومه ، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك ، فوقعت في السهم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار أو لابن عم له - فكاتبته على نفسي ، فجئتك أستعينك على كتابتي . قال : " فهل لك في خير من ذلك ؟ " . قالت : وما هو يا رسول الله ؟ قال : " أقضي عنك كتابك ، وأتزوجك " . قالت : نعم ، يا رسول الله . قال : " قد فعلت " . قالت : وخرج الخبر إلى الناس أن لثابت بن قيس بن شماس - جويرية بنت الحارث ، فقال الناس : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا ما بأيديهم . قالت : فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج بني المصطلق ، فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها ثم ذكر لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت ابن إسحاق قصة الإفك بتمامها في هذه الغزوة ، وكذلك ، وغير واحد من أهل العلم ، وقد حررت طرق ذلك كله في تفسير سورة النور ، فليلحق بكماله إلى هاهنا . وبالله المستعان . البخاري
[ ص: 191 ] وقال الواقدي : حدثنا حرام ، عن ، عن أبيه ، قال : قالت هشام بن عروة : رأيت قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث ليال ، كأن القمر يسير من جويرية بنت الحارث يثرب ، حتى وقع في حجري ، فكرهت أن أخبر به أحدا من الناس ، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما سبينا رجوت الرؤيا . قالت : فأعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجني ، والله ، ما كلمته في قومي ، حتى كان المسلمون هم الذين أرسلوهم ، وما شعرت إلا بجارية من بنات عمي تخبرني الخبر ، فحمدت الله تعالى . قال الواقدي : ويقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق . ويقال : جعل بني المصطلق . وذكر صداقها عتق أربعين من ، عن موسى بن عقبة بني المصطلق أن أباها طلبها وافتداها ، ثم خطبها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه إياها .