[ ص: 604 ] فصل : وأما المعجزات الأرضية  
فمنها ما هو متعلق بالجمادات ، ومنها ما هو متعلق بالحيوانات ، فمن المتعلق بالجمادات تكثيره الماء في غير ما موطن  على صفات متنوعة سنوردها بأسانيدها ، إن شاء الله ، وبدأنا بذلك ؛ لأنه أنسب بإتباع ما أسلفنا ذكره من استسقائه وإجابة الله له . 
قال  البخاري    : ثنا عبد الله بن مسلمة ،  عن مالك ،  عن  إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ،  عن أنس بن مالك  قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر والتمس الناس الوضوء فلم يجدوه ، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك الإناء ، فأمر الناس أن يتوضؤوا منه ، فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه ، فتوضأ الناس حتى توضؤوا من عند آخرهم . وقد رواه مسلم   والترمذي   والنسائي  من طرق ، عن مالك  به . وقال الترمذي    : حسن صحيح . 
طريق أخرى عن أنس    : قال  الإمام أحمد    : حدثنا يونس بن محمد ،  ثنا حزم ،  سمعت الحسن  يقول : حدثنا أنس بن مالك  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم لبعض مخارجه معه ناس من أصحابه فانطلقوا يسيرون ، فحضرت الصلاة ، فلم يجد القوم ماء يتوضؤون به فقالوا : يا رسول الله ، والله ما نجد ما   [ ص: 605 ] نتوضأ به . ورأى في وجوه أصحابه كراهية ذلك ، فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح من ماء يسير ، فأخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فتوضأ منه ، ثم مد أصابعه الأربعة على القدح ، ثم قال : " هلموا فتوضؤوا " فتوضأ القوم حتى بلغوا فيما يريدون . قال الحسن    : سئل أنس    : كم بلغوا ؟ قال : سبعين أو نحو ذلك   . وهكذا رواه  البخاري  عن عبد الرحمن بن المبارك العيشي ،  عن حزم بن مهران  القطعي به . 
طريق أخرى عن أنس    : قال  الإمام أحمد    : حدثنا ابن أبي عدي ،  عن حميد  ويزيد    - قال : أنا حميد  المعنى - عن أنس بن مالك  قال : نودي بالصلاة ، فقام كل قريب الدار من المسجد ، وبقي من كان أهله نائي الدار ، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخضب من حجارة ، فصغر أن يبسط كفه فيه . قال : فضم أصابعه . قال : فتوضأ بقيتهم . قال حميد    : وسئل أنس    : كم كانوا ؟ قال : ثمانين أو زيادة   . 
وقد رواه  البخاري  عن عبد الله بن منير ،  عن  يزيد بن هارون ،  عن حميد ،  عن أنس بن مالك  قال : حضرت الصلاة ، فقام من كان قريب الدار من المسجد يتوضأ ، وبقي قوم فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخضب من حجارة فيه ماء ،   [ ص: 606 ] فوضع كفه فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه ، فضم أصابعه فوضعها في المخضب ، فتوضأ القوم كلهم جميعا ، قلت : كم كانوا ؟ قال : كانوا ثمانين رجلا   . 
طريق أخرى عنه : قال  الإمام أحمد    : حدثنا محمد بن جعفر ،  ثنا سعيد  إملاء ، عن قتادة ،  عن أنس بن مالك ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالزوراء  فأتي بإناء فيه ماء ، لا يغمر أصابعه ، فأمر أصحابه أن يتوضؤوا ، فوضع كفه في الماء ، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه وأطراف أصابعه حتى توضأ القوم . قال : فقلت لأنس    : كم كنتم ؟ قال : كنا ثلاثمائة . 
وهكذا رواه  البخاري  عن بندار ،  عن ابن أبي عدي ،  ومسلم ،  عن أبي موسى ،  عن غندر ،  كلاهما عن  سعيد بن أبي عروبة    - وبعضهم يقول : عن شعبة    . والصحيح : سعيد    - عن قتادة ،  عن أنس  قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء وهو في الزوراء ،  فوضع يده في الإناء ، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ القوم . قال قتادة    : فقلت لأنس    : كم كنتم ؟ قال : ثلاثمائة أو زهاء ثلاثمائة   . لفظ  البخاري    . 
حديث  البراء بن عازب  في ذلك : قال  البخاري    : ثنا مالك بن   [ ص: 607 ] إسماعيل ،  ثنا إسرائيل ،  عن أبي إسحاق ،  عن  البراء بن عازب  قال : كنا يوم الحديبية  أربع عشرة مائة ، والحديبية  بئر ، فنزحناها حتى لم نترك فيها قطرة ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفير البئر ، فدعا بماء فمضمض ، ومج في البئر ، فمكثنا غير بعيد ، ثم استقينا حتى روينا وروت أو صدرت ركابنا . تفرد به  البخاري  إسنادا ومتنا . 
حديث آخر عن  البراء بن عازب    : قال  الإمام أحمد    : حدثنا عفان  وهاشم ،  حدثنا  سليمان بن المغيرة ،  حدثنا حميد بن هلال ،  حدثنا يونس - هو ابن عبيدة ، مولى محمد بن القاسم    - عن البراء  قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فأتينا على ركي ذمة - يعني قليلة الماء - قال : فنزل فيها ستة أناس أنا سادسهم ماحة ، فأدليت إلينا دلو . قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم على شفة الركي فجعلنا فيها نصفها ، أو قراب ثلثيها ، فرفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال البراء    : فكدت بإنائي هل أجد شيئا أجعله في حلقي ؟ فما وجدت فرفعت الدلو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغمس يده فيها ، فقال ما شاء الله أن يقول ، وأعيدت إلينا الدلو بما فيها . قال : فلقد رأيت أحدنا أخرج بثوب خشية الغرق . قال : ثم ساحت ؛ يعني جرت نهرا . تفرد به  الإمام أحمد ،  وإسناده جيد قوي ، والظاهر أنها قصة أخرى غير يوم الحديبية    . والله أعلم . 
 [ ص: 608 ] حديث آخر عن جابر  في ذلك : قال  الإمام أحمد    : ثنا سيار بن حاتم ،  ثنا جعفر ، يعني ابن سليمان ،  ثنا الجعد أبو عثمان ،  ثنا أنس بن مالك ،  عن  جابر بن عبد الله الأنصاري  قال : اشتكى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه العطش . قال : فدعا بعس ، فصب فيه شيء من الماء ، ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده ، وقال " اسقوا " . فاستقى الناس ، قال : فكنت أرى العيون تنبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم   . تفرد به أحمد  من هذا الوجه . 
وفي أفراد مسلم  من حديث حاتم بن إسماعيل ،  عن أبي حرزة يعقوب بن مجاهد ،  عن  عبادة بن الوليد بن عبادة ،  عن  جابر بن عبد الله  في حديث طويل قال فيه : سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح ، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فاتبعته بإداوة من ماء ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به ، وإذا بشجرتين بشاطئ الوادي ، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما ، فأخذ بغصن من أغصانها فقال : " انقادي علي بإذن الله " فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده ، حتى أتى الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال : " انقادي علي بإذن الله " . فانقادت معه كذلك ، حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما لأم بينهما - يعني جمعهما - فقال : " التئما علي بإذن الله " . فالتأمتا .   [ ص: 609 ] قال جابر    : فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقربي فيبتعد ، فجلست أحدث نفسي ، فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه سلم مقبلا ، وإذا بالشجرتين قد افترقتا ، فقامت كل واحدة منهما على ساق ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف وقفة ، فقال برأسه هكذا ، يمينا وشمالا ، ثم أقبل فلما انتهى إلي قال : " يا جابر ،  هل رأيت مقامي ؟ " قلت : نعم يا رسول الله . قال : " فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا ، فأقبل بهما حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك " . قال جابر    : فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته فانذلق لي ، فأتيت الشجرتين ، فقطعت من كل واحدة منهما غصنا ، ثم أقبلت أجرهما ، حتى قمت مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري ، ثم لحقت فقلت : قد فعلت يا رسول الله . قال : فقلت : فلم ذاك ؟ قال : " إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرفه عنهما ما دام الغصنان رطبين " . قال : فأتينا العسكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ياجابر  ناد بوضوء " فقلت : ألا وضوء ؟ ألا وضوء ؟ ألا وضوء ؟ قال : قلت : يا رسول الله ما وجدت في الركب من قطرة . وكان رجل من الأنصار  يبرد لرسول الله صلى الله عليه سلم الماء   [ ص: 610 ] في أشجاب له على حمارة من جريد . قال : فقال لي " انطلق إلى فلان الأنصاري ، فانظر هل في أشجابه من شيء ؟ " قال : فانطلقت إليه ، فنظرت فيها ، فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها ، لو أني أفرغه لشربه يابسه ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، إني لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها ، لو أني أفرغه لشربه يابسه . قال : " اذهب فأتني به " . فأتيته به ، فأخذه بيده ، فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو ، ويغمزه بيديه ، ثم أعطانيه ، فقال : " يا جابر ،  ناد بجفنة " . فقلت : يا جفنة الركب . فأتيت بها تحمل ، فوضعتها بين يديه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في الجفنة هكذا ، فبسطها وفرق بين أصابعه ، ثم وضعها في قعر الجفنة ، وقال : " خذ يا جابر  فصب علي ، وقل : بسم الله " . فصببت عليه ، وقلت : بسم الله . فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم فارت الجفنة ودارت حتى امتلأت ، فقال : " يا جابر  ناد من كان له حاجة بماء " . قال : فأتى الناس فاستقوا حتى رووا . قال : فقلت : هل بقي أحد له حاجة ؟ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة ، وهي ملأى . قال : وشكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع فقال : " عسى الله أن   [ ص: 611 ] يطعمكم " . فأتينا سيف البحر ، فزخر زخرة ، فألقى دابة ، فأورينا على شقها النار ، فاطبخنا واشتوينا ، وأكلنا حتى شبعنا . قال جابر    : فدخلت أنا وفلان وفلان - حتى عد خمسة - في حجاج عينها ما يرانا أحد حتى خرجنا ، وأخذنا ضلعا من أضلاعه فقوسناه ثم دعونا بأعظم رجل في الركب ، وأعظم جمل في الركب ، وأعظم كفل في الركب ، فدخل تحته ما يطأطئ رأسه .   . 
وقال  البخاري    : ثنا موسى بن إسماعيل ،  ثنا عبد العزيز بن مسلم ،  ثنا حصين ،  عن  سالم بن أبي الجعد ،  عن  جابر بن عبد الله  قال : عطش الناس يوم الحديبية  والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة يتوضأ ، فجهش الناس نحوه ، قال : " ما لكم ؟ " قالوا : ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك . فوضع يده في الركوة ، فجعل الماء يفور بين أصابعه كأمثال العيون ، فشربنا وتوضأنا . قلت : كم كنتم ؟ قال : لو كنا مائة ألف لكفانا ، كنا خمس عشرة مائة . وهكذا   [ ص: 612 ] رواه مسلم  من حديث حصين ،  وأخرجاه من حديث الأعمش ،  زاد مسلم    : وشعبة ،  ثلاثتهم عن سالم ،  عن جابر ،  وفي رواية الأعمش  كنا أربع عشرة مائة . 
وقال  الإمام أحمد    : حدثنا يحيى بن حماد ،  ثنا أبو عوانة ،  عن الأسود بن قيس ،  عن نبيح العنزي ،  أن  جابر بن عبد الله  قال : غزونا - أو سافرنا - مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن يومئذ بضع عشر ومائتان ، فحضرت الصلاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل في القوم من ماء ؟ . فجاءه رجل يسعى بإداوة فيها شيء من ماء ، قال : فصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدح قال : فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن الوضوء ، ثم انصرف وترك القدح ، فركب الناس القدح : تمسحوا تمسحوا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " على رسلكم " . حين سمعهم يقولون ذلك . قال : فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم كفه في الماء والقدح ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بسم الله " . ثم قال : " أسبغوا الوضوء " . قال جابر    : فوالذي ابتلاني ببصري لقد رأيت العيون عيون الماء يومئذ تخرج من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما رفعها حتى توضؤوا أجمعون . وهذا إسناد جيد تفرد به أحمد ،  وظاهره كأنه   [ ص: 613 ] قصة أخرى غير ما تقدم . 
وفي " صحيح مسلم    " عن  سلمة بن الأكوع  قال : قدمنا الحديبية  مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن أربع عشرة مائة - أو أكثر من ذلك - وعليها خمسون رأسا لا ترويها ، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبا الركية ، فإما دعا وإما بصق فيها . قال : فجاشت ، فسقينا واستقينا   . 
وفي " صحيح  البخاري    " من حديث الزهري ،  عن عروة ،  عن المسور   ومروان بن الحكم  في حديث صلح الحديبية  الطويل : فعدل عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بأقصى الحديبية  على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضا ، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه ، وشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش ، فانتزع سهما من كنانته ، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه ، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه   . وقد تقدم الحديث بتمامه في صلح الحديبية  فأغنى عن إعادته ، وروى ابن إسحاق  عن بعضهم أن الذي نزل بالسهم ناجية بن جندب  سائق البدن . قال : وقيل  البراء بن عازب  ثم رجح ابن إسحاق  الأول . 
حديث عن ابن عباس  في ذلك : قال  الإمام أحمد    : ثنا حسين الأشقر ،  ثنا أبو كدينة ،  عن عطاء ،  عن أبي الضحى ،  عن ابن عباس  قال : أصبح رسول   [ ص: 614 ] الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وليس في العسكر ماء ، فأتاه رجل فقال يا رسول الله ، ليس في العسكر ماء . قال : " هل عندك شيء ؟ " قال : نعم . قال : " فأتني به " . قال : فأتاه بإناء فيه شيء من ماء قليل . قال : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في فم الإناء وفتح أصابعه . قال : فانفجرت من بين أصابعه عيون ، وأمر بلالا ، فقال : " ناد في الناس : الوضوء المبارك " تفرد به أحمد  ورواه  الطبراني  من حديث عامر الشعبي ،  عن ابن عباس  بنحوه . 
حديث عن  عبد الله بن مسعود  في ذلك : قال  البخاري    : ثنا  محمد بن المثنى ،  ثنا أبو أحمد الزبيري ،  ثنا إسرائيل ،  عن منصور ،  عن إبراهيم ،  عن علقمة ،  عن عبد الله  قال : كنا نعد الآيات بركة . وأنتم تعدونها تخويفا ، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فقل الماء فقال : " اطلبوا فضلة من ماء " . فجاءوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الإناء ، ثم قال : " حي على الطهور المبارك والبركة من الله عز وجل " . قال : فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل ورواه الترمذي ،  عن بندار ،  عن أبي أحمد ،  وقال : حسن صحيح . 
حديث عن عمران بن حصين  في ذلك : قال  البخاري    : ثنا أبو الوليد ،   [ ص: 615 ] ثنا سلم بن زرير ،  سمعت أبا رجاء  قال : حدثنا عمران بن حصين ،  أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير ، فأدلجوا ليلتهم ، حتى إذا كان وجه الصبح عرسوا ، فغلبتهم أعينهم حتى ارتفعت الشمس ، فكان أول من استيقظ من منامه أبو بكر ،  وكان لا يوقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من منامه حتى يستيقظ ، فاستيقظ عمر ،  فقعد أبو بكر  عند رأسه ، فجعل يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزل وصلى بنا الغداة ، فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا ، فلما انصرف قال : " يا فلان ، ما يمنعك أن تصلي معنا ؟ " قال : أصابتني جنابة . فأمره أن يتيمم بالصعيد ، ثم صلى ، وجعلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركوب بين يديه ، وقد عطشنا عطشا شديدا ، فبينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين ، فقلنا لها : أين الماء ؟ فقالت : إنه لا ماء . فقلنا : كم بين أهلك وبين الماء ؟ قالت : يوم وليلة . فقلنا : انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : وما رسول الله ؟ فلم نملكها من أمرها حتى استقبلنا بها النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته بمثل الذي حدثتنا ، غير أنها حدثته أنها مؤتمة ، فأمر بمزادتيها ، فمسح في العزلاوين ، فشربنا عطاشا أربعين رجلا حتى روينا ، وملأنا كل قربة معنا وإداوة ، غير أنه لم نسق بعيرا ، وهي تكاد تنض من الملء ثم قال : " هاتوا   [ ص: 616 ] ما عندكم " . فجمع لها من الكسر والتمر حتى أتت أهلها ، قالت : لقيت أسحر الناس ، أو هو نبي كما زعموا . فهدى الله ذاك الصرم بتلك المرأة ، فأسلمت وأسلموا . وكذلك رواه مسلم  من حديث سلم بن زرير ،  وأخرجاه من حديث عوف الأعرابي ،  كلاهما عن أبي رجاء العطاردي - واسمه عمران بن تيم    - عن عمران بن حصين  به . وفي رواية لهما : فقال لها : " اذهبي بهذا معك لعيالك ، واعلمي أنا لم نرزأك من مائك شيئا ، غير أن الله سقانا   " . وفيه أنه لما فتح العزلاوين سمى الله عز وجل . 
حديث عن  أبي قتادة  في ذلك : قال  الإمام أحمد    : ثنا  يزيد بن هارون ،  ثنا حماد بن سلمة ،  عن ثابت ،  عن عبد الله بن رباح ،  عن  أبي قتادة  قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فقال : " إنكم إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا " . وانطلق سرعان الناس يريدون الماء ، ولزمت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمالت برسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعمته فادعم ، ثم مال فدعمته   [ ص: 617 ] فادعم ، ثم مال حتى كاد أن ينجفل عن راحلته فدعمته فانتبه فقال : " من الرجل ؟ فقلت : أبو قتادة    . قال : " منذ كم كان مسيرك ؟ " قلت : منذ الليلة . قال : " حفظك الله كما حفظت رسوله " . ثم قال : " لو عرسنا " . فمال إلى شجرة فنزل فقال : " انظر هل ترى أحدا ؟ " قلت : هذا راكب ، هذان راكبان . حتى بلغ سبعة . فقال : " احفظوا علينا صلاتنا " . فنمنا فما أيقظنا إلا حر الشمس ، فانتبهنا فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار وسرنا هنيهة ، ثم نزل فقال : " أمعكم ماء ؟ " . قال : قلت : نعم ، معي ميضأة فيها شيء من ماء . قال : " ائت بها " قال : فأتيته بها ، فقال " مسوا منها ، مسوا منها " فتوضأ القوم وبقيت جرعة ، فقال : " ازدهر بها يا أبا قتادة  فإنه سيكون لها نبأ " . ثم أذن بلال ،  وصلوا الركعتين قبل الفجر ، ثم صلوا الفجر ، ثم ركب وركبنا ، فقال بعضهم لبعض : فرطنا في صلاتنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تقولون ؟ إن كان أمر دنياكم فشأنكم ، وإن كان أمر دينكم فإلي " . قلنا : يا رسول الله ، فرطنا في صلاتنا . فقال : " لا تفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة ، فإذا كان ذلك فصلوها ، ومن الغد وقتها " . ثم قال : " ظنوا بالقوم " . قالوا : إنك قلت بالأمس : " إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا " ؛ فالناس بالماء . فقال : " أصبح الناس ، وقد فقدوا نبيهم ، فقال بعضهم لبعض : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء . وفي   [ ص: 618 ] القوم أبو بكر  وعمر  فقالا : أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليسبقكم إلى الماء ويخلفكم . وإن يطع الناس أبا بكر  وعمر  يرشدوا " قالها ثلاثا . فلما اشتدت الظهيرة رفع لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله هلكنا عطشا ، تقطعت الأعناق . فقال : " لا هلك عليكم " . ثم قال : " يا أبا قتادة ،  ائت بالميضأة " . فأتيته بها ، فقال : " احلل لي غمري " يعني قدحه . فحللته فأتيته به فجعل يصب فيه ، ويسقي الناس ، فازدحم الناس عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس أحسنوا الملأ ، فكلكم سيصدر عن ري " فشرب القوم حتى لم يبق غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم فصب لي ، فقال : اشرب ياأبا قتادة    " . قال : قلت اشرب أنت يا رسول الله . قال : " إن ساقي القوم آخرهم " فشربت وشرب بعدي ، وبقي في الميضأة نحو مما كان فيها ، وهم يومئذ ثلاثمائة . قال عبد الله    : فسمعني عمران بن حصين ،  وأنا أحدث هذا الحديث في المسجد الجامع ، فقال : من الرجل ؟ قلت : أنا عبد الله بن رباح الأنصاري    . قال : القوم أعلم بحديثهم ، انظر كيف تحدث ، فإني أحد السبعة تلك الليلة . فلما فرغت قال : ما كنت أحسب أحدا يحفظ هذا الحديث غيري . 
قال حماد بن سلمة    : وحدثنا حميد الطويل ،  عن  بكر بن عبد الله المزني ،  عن عبد الله بن رباح ،  عن  أبي قتادة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله ، وزاد : قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عرس وعليه ليل توسد يمينه ، وإذا عرس   [ ص: 619 ] الصبح ، وضع رأسه على كفه اليمنى وأقام ساعده   . وقد رواه مسلم  عن  شيبان بن فروخ ،  عن  سليمان بن المغيرة ،  عن ثابت ،  عن عبد الله بن رباح ،  عن  أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري  بطوله ، وأخرجه من حديث حماد بن سلمة  بسنده الأخير أيضا . 
حديث آخر عن أنس  يشبه هذا : روى  البيهقي  من حديث  الحافظ أبي يعلى الموصلي ،  ثنا شيبان ،  ثنا سعيد بن سليمان الضبعي ،  ثنا أنس بن مالك ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جهز جيشا إلى المشركين ، فيهم أبو بكر  وعمر  فقال لهم : أجدوا السير ؛ فإن بينكم وبين المشركين ماء ، إن يسبق المشركون إلى ذلك الماء شق على الناس ، وعطشتم عطشا شديدا أنتم ودوابكم " . قال : وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمانية أنا تاسعهم ، وقال لأصحابه : " هل لكم أن نعرس قليلا ، ثم نلحق بالناس ؟ " قالوا : نعم يا رسول الله . فعرسوا فما أيقظهم إلا حر الشمس ، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم واستيقظ أصحابه ، فقال لهم : " تقدموا واقضوا حاجاتكم " . ففعلوا ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم : " هل مع أحد منكم ماء ؟ " قال رجل منهم : يا رسول الله معي ميضأة فيها شيء من ماء . قال " " فجئ بها " . فجاء بها ، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسحها بكفيه ،   [ ص: 620 ] ودعا بالبركة فيها ، وقال لأصحابه : " تعالوا فتوضؤوا " فجاءوا وجعل يصب عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توضؤوا كلهم ، فأذن رجل منهم وأقام ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ، وقال لصاحب الميضأة : " ازدهر بميضأتك فسيكون لها نبأ " . وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الناس ، وقال لأصحابه : " ما ترون الناس فعلوا ؟ " فقالوا : الله ورسوله أعلم . فقال لهم : " فيهم أبو بكر  وعمر ،  وسيرشد الناس " . فقدم الناس وقد سبق المشركون إلى ذلك الماء ، فشق ذلك على الناس ، وعطشوا عطشا شديدا ؛ ركابهم ودوابهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أين صاحب الميضأة ؟ " قالوا : هو ذا يا رسول الله . قال : " جئني بميضأتك " . فجاء بها وفيها شيء من ماء . فقال لهم : " تعالوا فاشربوا " . فجعل يصب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شرب الناس كلهم ، وسقوا دوابهم وركابهم وملؤوا ما كان معهم من إداوة وقربة ومزادة ، ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المشركين ، فبعث الله ، عز وجل ، ريحا فضرب وجوه المشركين ، وأنزل الله نصره ، وأمكن من أدبارهم ، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة ، وأسروا أسارى كثيرة ، واستاقوا غنائم كثيرة ، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وافرين صالحين   . وقد تقدم قريبا عن جابر  ما يشبه هذا ، وهو في " صحيح مسلم    " . 
 [ ص: 621 ] وقدمنا في غزوة تبوك  ما رواه مسلم  من طريق مالك ،  عن  أبي الزبير ،  عن أبي الطفيل ، عن معاذ بن جبل ،  فذكر حديث جمع الصلاة في غزوة تبوك  إلى أن قال : وقال - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - : " إنكم ستأتون غدا إن شاء الله ، عين تبوك  وإنكم لن تأتوها حتى يضحي ضحى النهار ، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي " . قال : فجئناها وقد سبق إليها رجلان ، والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء ، فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل مسستما من مائها شيئا ؟ " قالا : نعم . فسبهما وقال لهما ما شاء الله أن يقول ، ثم غرفوا من العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شيء ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه ويديه ، ثم أعاده فيها ، فجرت العين بماء كثير ، فاستقى الناس ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معاذ  يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جنانا "   . 
وقال  الإمام أحمد    : ثنا حسن ،  ثنا ابن لهيعة ،  ثنا بكر بن سوادة ،  عن زياد بن نعيم ،  عن حبان بن بح الصدائي  صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إن قومي كفروا ، فأخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جهز إليهم جيشا ، فأتيته فقلت : إن قومي على الإسلام . فقال : " أكذلك ؟ " فقلت : نعم . قال : فاتبعته ليلتي إلى الصباح ، فأذنت بالصلاة لما أصبحت ، وأعطاني إناء توضأت منه ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في الإناء فانفجر عيونا ، فقال : " من أراد منكم أن يتوضأ   [ ص: 622 ] فليتوضأ " . فتوضأت وصليت ، وأمرني عليهم ، وأعطاني صدقتهم ، فقام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، فلان ظلمني . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا خير في الإمرة لمسلم " . ثم جاء آخر فسأل صدقة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الصدقة صداع في الرأس ، وحريق في البطن ، أو داء " . قال : فأعطيته صحيفتي ، أو قال : صحيفة إمرتي وصدقتي . فقال : " ما شأنك ؟ " فقلت : كيف أقبلها وقد سمعت منك ما سمعت ؟! فقال : " هو ما سمعت "   . 
وذكرنا في باب الوفود من طريق  عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ،  عن زياد ابن نعيم الحضرمي ،  عن زياد بن الحارث الصدائي  في قصة وفادته ، فذكر حديثا طويلا فيه : ثم قلنا : يا رسول الله ، إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها ، وإذا كان الصيف قل ماؤها فتفرقنا على مياه حولنا ، وقد أسلمنا ، وكل من حولنا عدو ، فادع الله لنا في بئرنا فيسعنا ماؤها فنجتمع عليه ولا نتفرق . فدعا بسبع حصيات فعركهن بيده ، ودعا فيهن ثم قال : " اذهبوا بهذه الحصيات ، فإذا أتيتم البئر فألقوا واحدة واحدة واذكروا الله عز وجل " . قال الصدائي    : ففعلنا ما قال لنا ، فما استطعنا بعد ذلك أن ننظر   [ ص: 623 ] إلى قعرها . يعني البئر . وأصل هذا الحديث في " المسند " و " سنن أبي داود    " و " الترمذي    " و " ابن ماجه    " وأما الحديث بطوله ففي " دلائل النبوة "  للبيهقي  رحمه الله . 
وقال  البيهقي    : باب ما ظهر في البئر التي كانت بقباء من بركته . أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي ،  ثنا أبو حامد بن الشرقي ،  أنا أحمد بن حفص بن عبد الله ،  ثنا أبي ، حدثنا  إبراهيم بن طهمان ،  عن يحيى بن سعيد ،  أنه حدثه أن أنس بن مالك  أتاهم بقباء فسأله عن بئر هناك . قال : فدللته عليها ، فقال : لقد كانت هذه وإن الرجل لينضح على حماره ، فينزح فنستخرجها له ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بذنوب فسقي ، فإما أن يكون توضأ منه ، وإما أن يكون تفل فيه ، ثم أمر به فأعيد في البئر . قال فما نزحت بعد . قال : فرأيته بال ، ثم جاء فتوضأ ، ومسح على خفيه ، ثم صلى . 
وقال  أبو بكر البزار    : ثنا الوليد بن عمرو بن السكين ،  ثنا محمد بن عبد الله بن مثنى ،  عن أبيه ، عن ثمامة ،  عن أنس  قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلنا ، فسقيناه من بئر لنا في دارنا كانت تسمى النزور ، في الجاهلية فتفل   [ ص: 624 ] فيها ، فكانت لا تنزح بعد   . ثم قال : لا نعلم هذا يروى إلا من هذا الوجه . 
				
						
						
