[ ص: 679 ] باب
وقد ورد من حديث جماعة من الصحابة بطرق متعددة تفيد القطع عند أئمة هذا الشأن وفرسان هذا الميدان ؛ قال حنين الجزع شوقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشفقا من فراقه القاضي عياض في كتابه " الشفا " : وهو حديث مشهور منتشر متواتر ، خرجه أهل الصحيح ، ورواه من الصحابة بضعة عشر ، منهم : أبي وجابر وأنس وابن عمر وابن عباس وسهل بن سعد وأبو سعيد وبريدة وأم سلمة والمطلب بن أبي وداعة رضي الله عنهم .
الحديث الأول عن أبي بن كعب : قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله : حدثنا إبراهيم بن محمد قال : أخبرني عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، الطفيل بن أبي بن كعب ، عن أبيه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع إذ كان المسجد عريشا ، وكان يخطب إلى ذلك الجذع ، فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله ، هل لك أن نجعل لك منبرا تقوم عليه يوم [ ص: 680 ] الجمعة وتسمع الناس يوم الجمعة خطبتك ؟ قال : " نعم " فصنع له ثلاث درجات هن اللاتي على المنبر ، فلما صنع المنبر وضع موضعه الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بدا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم على ذلك المنبر فيخطب عليه ، فمر إليه ، فلما جاوز ذلك الجذع الذي كان يخطب إليه خار حتى تصدع وانشق ، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الجذع فمسحه بيده ، ثم رجع إلى المنبر ، فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب ، فكان عنده في بيته حتى بلي وأكلته الأرضة وعاد رفاتا . وهكذا رواه الإمام عن أحمد بن حنبل ، زكريا بن عدي ، عن عن عبيد الله بن عمرو الرقي ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، الطفيل ، عن أبي بن كعب ، فذكره ، وعنده : فمسحه بيده حتى سكن ، ثم رجع إلى المنبر ، وكان إذا صلى صلى إليه . والباقي مثله ، وقد رواه ابن ماجه ، عن إسماعيل بن عبد الله الرقي ، عن به . عبيد الله بن عمرو الرقي
الحديث الثاني عن أنس بن مالك : قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : ثنا أبو خيثمة ، ثنا ثنا عمر بن يونس الحنفي ، ثنا عكرمة بن عمار ، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بيده لو لم ألتزمه لما زال هكذا حتى يوم القيامة ؛ حزنا على رسول الله " . فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن . وقد رواه كان يوم الجمعة يسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد فيخطب الناس ، فجاءه رومي فقال : ألا أصنع لك شيئا تقعد عليه كأنك قائم ؟ فصنع له منبرا له درجتان ويقعد على [ ص: 681 ] الثالثة ، فلما قعد نبي الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ، خار الجذع كخوار الثور ارتج لخواره ؛ حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فالتزمه وهو يخور ، فلما التزمه سكت ، ثم قال : " والذي نفس الترمذي ، عن محمود بن غيلان ، عن عمر بن يونس به ، وقال : صحيح غريب من هذا الوجه .
طريق أخرى عن أنس : قال الحافظ في " مسنده " ثنا أبو بكر البزار هدبة ، ثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وعمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . عن وحبيب بن الشهيد ، الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يخطب إلى جذع نخلة ، فلما اتخذ المنبر تحول إليه ، فحن فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احتضنه فسكن ، وقال : " لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة " . وهكذا رواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن خلاد ، عن بهز بن أسد ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، وعن حماد ، عن عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس به . وهذا إسناد على شرط مسلم .
[ ص: 682 ] طريق أخرى عن أنس
قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم ، ثنا المبارك ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يوم الجمعة يسند ظهره إلى خشبة ، فلما كثر الناس قال : " ابنوا لي منبرا " . أراد أن يسمعهم ، فبنوا له عتبتين ، فتحول من الخشبة إلى المنبر . قال : فأخبر أنس بن مالك أنه سمع الخشبة تحن حنين الواله . قال : فما زالت تحن حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر ، فمشى إليها فاحتضنها فسكنت . تفرد به أحمد . وقد رواه أبو القاسم البغوي ، عن عن شيبان بن فروخ ، عن مبارك بن فضالة ، الحسن ، عن أنس ، فذكره ، وزاد : فكان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى ، ثم قال : يا عباد الله ، الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إليه لمكانه من الله ، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه . وقد رواه الحافظ أبو نعيم من حديث عن الوليد بن مسلم ، الخياط ، عن سالم بن عبد الله الحسن ، عن أنس بن مالك ، فذكره .
طريق أخرى عن أنس :
قال أبو نعيم : ثنا أبو بكر بن خلاد ، ثنا الحارث بن محمد بن أبي أسامة ، ثنا يعلى بن عباد ، ثنا عبد الحكم ، عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع ، فحن الجذع ، فاحتضنه وقال : " لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة " .
الحديث الثالث عن : قال الإمام جابر بن عبد الله أحمد : [ ص: 683 ] حدثنا ثنا وكيع ، عبد الواحد بن أيمن ، عن أبيه ، عن جابر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع نخلة . قال : فقالت امرأة من الأنصار ، كان لها غلام نجار : يا رسول الله ، إن لي غلاما نجارا ، أفآمره أن يتخذ لك منبرا تخطب عليه ؟ قال : " بلى " قال : فاتخذ له منبرا . قال : فلما كان يوم الجمعة خطب على المنبر . قال : فأن الجذع الذي كان يقوم عليه كما يئن الصبي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن هذا بكى ؛ لما فقد من الذكر " . هكذا رواه أحمد .
وقد قال : ثنا البخاري أبو نعيم ، ثنا عبد الواحد بن أيمن قال : سمعت أبي ، عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة ، فقالت امرأة من الأنصار ، أو رجل : يا رسول الله ، ألا نجعل لك منبرا ؟ قال : " إن شئتم " . فجعلوا له منبرا ، فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر ، فصاحت النخلة صياح الصبي ، ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمها إليه تئن أنين الصبي الذي يسكن . قال : كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها . وقد ذكره في غير ما موضع من " صحيحه " من حديث البخاري عبد الواحد بن أيمن ، عن أبيه ، وهو أيمن الحبشي المكي مولى ابن أبي عمرة المخزومي ، عن جابر به .
طريق أخرى عن جابر : قال : ثنا البخاري إسماعيل ، حدثني أخي ، عن [ ص: 684 ] عن سليمان بن بلال ، يحيى بن سعيد ، حدثني حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك ، أنه سمع يقول : جابر بن عبد الله الأنصاري . تفرد به كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها ، فلما صنع له المنبر ، فكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار ، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت . البخاري
طريق أخرى عنه : قال الحافظ أبو ثنا بكر البزار ، ثنا محمد بن المثنى ، أبو المساور ، ثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن عن أبي صالح ، وهو ذكوان ، وعن جابر بن عبد الله ، أبي إسحاق ، عن كريب ، عن جابر قال . قال : كانت خشبة في المسجد يخطب إليها النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : لو اتخذنا لك مثل الكرسي تقوم عليه ؟ ففعل فحنت الخشبة كما تحن الناقة الحلوج ، فأتاها فاحتضنها فوضع يده عليها فسكنت : وأحسب أنا كل قد حدثناه عن أبو بكر البزار أبي عوانة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن جابر وعن أبي إسحاق ، عن كريب ، عن جابر ، بهذه القصة التي رواها أبو المساور عن أبي عوانة ، وحدثناه محمد بن عثمان بن كرامة ، ثنا عن عبيد الله بن موسى ، إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن أبي كريب ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . والصواب إنما هو سعيد بن أبي كريب ، وكريب خطأ ، ولا يعلم يروي عن [ ص: 685 ] سعيد بن أبي كريب إلا أبو إسحاق . قلت : ولم يخرجوه من هذا الوجه وهو جيد .
طريق أخرى عن جابر : قال الإمام أحمد : ثنا ثنا يحيى بن آدم ، إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن أبي كرب ، عن قال : جابر بن عبد الله . تفرد به كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى خشبة ، فلما جعل منبر حنت حنين الناقة ، فأتاها فوضع يده عليها فسكنت أحمد .
طريق أخرى عن جابر : قال الحافظ : ثنا أبو بكر البزار محمد بن معمر ، ثنا محمد بن كثير ، ثنا سليمان بن كثير ، عن الزهري ، عن عن سعيد بن المسيب ، قال : جابر بن عبد الله . قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم إلى جذع قبل أن يجعل له المنبر ، فلما جعل المنبر حن الجذع حتى سمعنا حنينه ، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليه فسكن البزار : لا نعلم رواه عن الزهري إلا سليمان بن كثير . قلت : وهذا إسناد جيد رجاله على شرط الصحيح ، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة . وقال الحافظ أبو نعيم في " الدلائل " ورواه عبد الرزاق عن معمر ، عن الزهري ، عن رجل سماه ، عن جابر . ثم أورده من طريق عاصم بن [ ص: 686 ] علي عن سليمان بن كثير ، عن يحيى بن سعيد ، عن عن سعيد بن المسيب ، جابر مثله . ثم قال : ثنا أبو بكر بن خلاد ، ثنا أحمد بن علي الخراز ، حدثنا عيسى بن المساور ، ثنا عن الوليد بن مسلم ، الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع ، فلما بني المنبر حن الجذع ، فاحتضنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكن ، وقال : " لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة " ثم رواه من حديث أبي عوانة ، عن الأعمش عن أبي صالح ، عن جابر وعن أبي إسحاق عن كريب عن جابر مثله .
طريق أخرى عن جابر : قال الإمام أحمد : ثنا عبد الرزاق ، أنا ابن جريج وروح قال : حدثنا أخبرني ابن جريج أبو الزبير ، أنه سمع يقول : جابر بن عبد الله . وقال روح : فسكتت . وهذا إسناد على شرط كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يستند إلى جذع نخلة من سواري المسجد ، فلما صنع له منبره واستوى عليه ، اضطربت تلك السارية كحنين الناقة حتى سمعها أهل المسجد ، حتى نزل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتنقها فسكنت مسلم ، ولم يخرجوه .
طريق أخرى عن جابر : قال الإمام أحمد : ثنا ابن أبي عدي ، عن سليمان ، عن عن أبي نضرة ، جابر قال : جابر : حتى سمعه أهل المسجد حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسحه فسكن ، فقال بعضهم : لو لم يأته لحن إلى يوم القيامة . وهذا على شرط كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في أصل [ ص: 687 ] شجرة - أو قال : إلى جذع - ثم اتخذ منبرا . قال : فحن الجذع . قال مسلم ، ولم يروه إلا ابن ماجه ، عن بكر بن خلف ، عن ابن أبي عدي ، عن سليمان التيمي ، عن عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري ، جابر به .
الحديث الرابع عن سهل بن سعد : قال أبو بكر بن أبي شيبة : ثنا سفيان بن عيينة عن أبي حازم قال : أتوا سهل بن سعد فقالوا : . وأصل هذا الحديث في " الصحيحين " ، [ ص: 688 ] وإسناده على شرطهما ، وقد رواه من أي شيء منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستند إلى جذع في المسجد يصلي إليه إذا خطب ، فلما اتخذ المنبر فصعد عليه حن الجذع حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوطده حتى سكن إسحاق بن راهويه عن وابن أبي فديك ، عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد ، عن أبيه ، عن جده . ورواه عبد الله بن نافع عن وابن وهب ، عبد الله بن عمر ، عن عباس بن سهل ، عن أبيه فذكره . ورواه ابن لهيعة ، عن عمارة بن غزية ، عن عن أبيه ، بنحوه . عباس بن سهل بن سعد ،
الحديث الخامس عن : قال الإمام عبد الله بن عباس أحمد : حدثنا عفان ، ثنا حماد ، عن عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبر ، فلما اتخذ المنبر وتحول إليه حن عليه ، فأتاه فاحتضنه ، فسكن ، قال : " ولو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة " وهذا الإسناد على شرط مسلم ، ولم يروه إلا ابن ماجه من حديث حماد بن سلمة
الحديث السادس عن عبد الله بن عمر : قال : ثنا البخاري حدثنا محمد بن المثنى ، ثنا يحيى بن كثير أبو غسان ، أبو حفص ، واسمه عمر بن العلاء أخو قال : سمعت أبي عمرو بن العلاء عن نافعا ، ابن عمر ، رضي الله عنهما ، قال : . وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع ، فلما اتخذ المنبر تحول إليه ، فحن الجذع [ ص: 689 ] فأتاه فمسح يده عليه عبد الحميد : أنا عثمان بن عمر ، أنا معاذ بن العلاء ، عن نافع ، بهذا . ورواه أبو عاصم ، عن ابن أبي رواد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . هكذا ذكره . وقد رواه البخاري الترمذي ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن عثمان بن عمر كلاهما عن ويحيى بن كثير أبي غسان العنبري ، معاذ بن العلاء به ، وقال : حسن صحيح غريب .
قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي في " أطرافه " : ورواه علي بن نصر بن علي الجهضمي وأحمد بن خالد الخلال في آخرين ، عن وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عثمان بن عمر ، عن معاذ بن العلاء . قال : وعبد الحميد هذا - يعني الذي ذكره - يقال : إنه البخاري عبد بن حميد . والله أعلم .
قال شيخنا : وقد قيل : إن قول : عن البخاري أبي حفص واسمه عمر بن العلاء وهم ، والصواب معاذ بن العلاء كما وقع في رواية الترمذي . قلت : وليس هذا ثابتا في جميع النسخ ، ولم أر في النسخة التي كتبت منها تسميته بالكلية . والله أعلم . وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو نعيم ، من حديث عبد الله بن رجاء ، عن عبيد الله بن عمر ، ومن حديث أبي عاصم ، عن ابن أبي [ ص: 690 ] رواد ، كلاهما عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال ألا نتخذ لك منبرا ؟ فذكر الحديث . تميم الداري
طريق أخرى عن ابن عمر : قال الإمام : ثنا أحمد بن حنبل حسين ، ثنا خلف ، عن أبي جناب وهو يحيى بن أبي حية ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمر قال : كان جذع نخلة في المسجد يسند رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره إليه إذا كان يوم جمعة أو حدث أمر يريد أن يكلم الناس . فقالوا : ألا نجعل لك يا رسول الله شيئا كقدر قيامك ؟ قال : " لا عليكم أن تفعلوا " . فصنعوا له منبرا ثلاث مراق . قال : فجلس عليه . قال : فخار الجذع كما تخور البقرة ؛ جزعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالتزمه ومسحه حتى سكن . تفرد به أحمد .
الحديث السابع عن : قال أبي سعيد الخدري : ثنا عبد بن حميد الكشي عن علي بن عاصم ، عن الحريري ، حدثني أبي نضرة العبدي ، أبو سعيد الخدري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إلى جذع نخلة ، فقال له الناس : يا رسول الله ، إنه قد كثر الناس - يعني المسلمين - وإنهم ليحبون أن يروك ، فلو اتخذت منبرا تقوم عليه ليراك الناس ؟ قال : " نعم ، من يجعل لنا هذا المنبر ؟ " فقام إليه رجل ، فقال : " تجعله ؟ " قال : نعم ، ولم يقل : إن شاء الله . قال : [ ص: 691 ] " ما اسمك ؟ " قال : فلان . قال : " اقعد " فقعد . ثم عاد فقال : " من يجعل لنا هذا المنبر ؟ " فقام إليه رجل فقال : أنا . قال : " تجعله ؟ " قال : نعم . ولم يقل : إن شاء الله . قال : " ما اسمك " قال : فلان . قال : " اقعد " فقعد . ثم عاد فقال : " من يجعل لنا هذا المنبر ؟ " فقام إليه رجل فقال : أنا . قال : " تجعله ؟ " قال : نعم . ولم يقل : إن شاء الله . قال : " ما اسمك ؟ " قال : فلان . قال : " اقعد " فقعد . ثم عاد فقال " " من يجعل لنا هذا المنبر ؟ " فقام إليه رجل ، فقال : أنا . قال : " تجعله ؟ " قال : نعم إن شاء الله . قال : ما اسمك ؟ قال : إبراهيم . قال : " اجعله " . فلما كان يوم الجمعة اجتمع الناس للنبي صلى الله عليه وسلم في آخر المسجد ، فلما صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فاستوى عليه استقبل الناس وحنت النخلة حتى أسمعتني وأنا في آخر المسجد . قال : فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن المنبر فاعتنقها ، فلم يزل حتى سكنت ، ثم عاد إلى المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " إن هذه النخلة إنما حنت شوقا إلى رسول الله لما فارقها ، فوالله لو لم أنزل إليها فأعتنقها لما سكنت إلى يوم القيامة " وهذا إسناد جيد على شرط مسلم ، ولكن في السياق غرابة . والله تعالى أعلم .
طريق أخرى عن أبي سعيد : قال الحافظ أبو يعلى : ثنا مسروق بن المرزبان ، ثنا يحيى بن زكريا ، عن مجالد ، عن أبي الوداك - وهو جبر بن نوف - عن أبي سعيد قال : . وهذا غريب أيضا . كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم إلى خشبة يتوكأ عليها يخطب [ ص: 692 ] كل جمعة ، حتى أتاه رجل من الروم فقال : إن شئت جعلت لك شيئا ، إذا قعدت عليه كنت كأنك قائم . قال : " نعم " . قال : فجعل له المنبر ، فلما جلس عليه حنت الخشبة حنين الناقة على ولدها ، حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها ، فلما كان الغد رأيتها قد حولت ، فقلنا : ما هذا ؟ قالوا : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر البارحة فحولوها
الحديث الثامن عن عائشة رضي الله عنها : رواه الحافظ من حديث البيهقي علي بن أحمد الجواربي ، عن قبيصة ، عن حبان بن علي ، عن صالح بن حيان ، عن عبد الله بن بريدة ، عن عائشة ، فذكر الحديث بطوله ، وفيه أنه خيره بين الدنيا والآخرة ، فاختار الجذع الآخرة ، وغار حتى ذهب فلم يعرف . هذا حديث غريب إسنادا ومتنا .
الحديث التاسع عن أم سلمة رضي الله عنها : روى أبو نعيم من طريق شريك القاضي وعمرو بن أبي قيس ومعلى بن هلال ، ثلاثتهم عن عن عمار الدهني ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، أم سلمة قالت : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خشبة يستند إليها إذا خطب ، فصنع له كرسي أو منبر ، فلما فقدته خارت [ ص: 693 ] كما يخور الثور ، حتى سمعها أهل المسجد ، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكنت . هذا لفظ شريك وفي رواية معلى بن هلال ، أنها كانت من درم . وهذا إسناد جيد ولم يخرجوه ، وقد روى الإمام أحمد من حديث والنسائي عن عمار الدهني ، أبي سلمة ، عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قوائم منبري رواتب في الجنة " وروى أيضا بهذا الإسناد : النسائي ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة فهذه الطرق من هذه الوجوه تفيد القطع بوقوع ذلك عند أئمة هذا الفن ، وكذا من تأملها ، وأمعن فيها النظر والتأمل مع معرفته بأحوال الرجال ، وبالله المستعان .
وقد قال الحافظ أنا أبو بكر البيهقي : أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن ، ثنا قال : قال أبي - يعني عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي - قال أبا حاتم الرازي عمرو بن سواد : قال لي : ما أعطى الله نبيا ما أعطى الشافعي محمدا صلى الله عليه وسلم . فقلت : أعطى عيسى إحياء الموتى . فقال : أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم الجذع الذي كان يخطب إلى جنبه حتى هيئ له المنبر ، فلما هيئ له المنبر حن الجذع حتى سمع صوته . فهذا أكبر من ذلك .