ولما وقع هذا الأمر العظيم الفظيع الشنيع أسقط في أيدي الناس ، [ ص: 320 ] فأعظموه جدا ، وندم أكثر هؤلاء الجهلة الخوارج على ما صنعوا ، وأشبهوا من تقدمهم ممن قص الله علينا خبرهم في كتابه العزيز ، من الذين عبدوا العجل في قوله تعالى : ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين [ الأعراف : 149 ]
ولما بلغ الزبير مقتل عثمان - وكان قد خرج من المدينة - قال : إنا لله وإنا إليه راجعون . ثم ترحم على عثمان ، وبلغه أن الذين قتلوه ندموا فقال : تبا لهم . ثم تلا قوله تعالى : ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون [ يس : 48 ، 49 ] . وبلغ عليا قتله فترحم عليه ، وسمع بندم الذين قتلوه فتلا قوله تعالى كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر الآية [ الحشر : 16 ] . ولما بلغ قتل سعد بن أبي وقاص عثمان استغفر له ، وترحم عليه ، وتلا في حق الذين قتلوه : قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا [ الكهف : 103 ، 104 ] . ثم قال سعد : اللهم أندمهم ثم خذهم . وقد أقسم بعض السلف بالله أنه ما مات أحد من قتلة عثمان إلا مقتولا . رواه ابن جرير . وهكذا ينبغي أن يكون ؛ لوجوه منها ، دعوة سعد المستجابة ، كما ثبت في [ ص: 321 ] الحديث الصحيح . وقال بعضهم : ما مات أحد منهم حتى جن .
وقال الواقدي : حدثني عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عبد الرحمن بن الحارث ، قال : الذي قتل عثمان كنانة بن بشر بن عتاب التجيبي ، وكانت امرأة منظور بن سيار الفزاري تقول : خرجنا إلى الحج وما علمنا لعثمان بقتل ، حتى إذا كنا بالعرج سمعنا رجلا يغني تحت الليل :
ألا إن خير الناس بعد ثلاثة قتيل التجيبي الذي جاء من مصر
ولما رجع الحجيج وجدوا عثمان ، رضي الله عنه ، قد قتل وبايع الناس علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه . ولما بلغ أمهات المؤمنين في أثناء الطريق أن عثمان قد قتل ، رجعن إلى مكة ، فأقمن بها نحوا من أربعة أشهر كما سيأتي .