[ ص: 429 ] ثم دخلت سنة ست وثلاثين من الهجرة
استهلت هذه السنة وقد علي بن أبي طالب الخلافة وولى على الأمصار نوابا ; فولى تولى أمير المؤمنين على عبيد الله بن عباس اليمن ، وولى عثمان بن حنيف على البصرة ، وعمارة بن شهاب على الكوفة ، ، على وقيس بن سعد بن عبادة مصر ، وعلى الشام سهل بن حنيف بدل معاوية ، فسار حتى بلغ تبوك فتلقته خيل معاوية ، فقالوا : من أنت ؟ قال : أمير . قالوا : على أي شيء ؟ قال : على الشام . فقالوا : إن كان عثمان بعثك فحيهلا بك ، وإن كان غيره بعثك فارجع . فقال : أوما سمعتم الذي كان ؟ قالوا : بلى . فرجع إلى علي . وأما قيس بن سعد فاختلف عليه أهل مصر فبايع له الجمهور ، وقالت طائفة : لا نبايع حتى نقتل قتلة عثمان . وكذلك أهل البصرة . وأما عمارة بن شهاب المبعوث أميرا على الكوفة فصده عنها غضبا طليحة بن خويلد لعثمان ، فرجع إلى علي فأخبره ، وانتشرت الفتنة وتفاقم الأمر ، واختلفت الكلمة ، وكتب أبو موسى إلى علي بطاعة أهل الكوفة ومبايعتهم إلا القليل منهم .
وبعث علي إلى معاوية كتبا كثيرة فلم يرد عليه لها جوابا ، وتكرر ذلك مرارا إلى الشهر الثالث من مقتل عثمان في صفر ، ثم بعث معاوية [ ص: 430 ] طومارا مع رجل ، فدخل به على علي فقال له علي : ما وراءك ؟ قال : جئتك من عند قوم لا يريدون إلا القود ، كلهم موتور ، تركت ستين ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان ، وهو على منبر دمشق ، فقال علي : اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان . ثم خرج رسول معاوية من بين يدي علي ، فهم به أولئك الخوارج الذين قتلوا عثمان يريدون قتله ، فما أفلت إلا بعد جهد . وعزم علي ، رضي الله عنه ، على قتال أهل الشام وكتب إلى قيس بن سعد بمصر يستنفر الناس لقتالهم ، وإلى أبي موسى بالكوفة ، وبعث إلى عثمان بن حنيف بذلك ، وخطب الناس فحثهم على ذلك ، وعزم على التجهز ، وخرج من المدينة ، واستخلف عليها ، وهو عازم أن يقاتل بمن أطاعه من عصاه وخرج عن أمره ولم يبايعه مع الناس . وجاء إليه ابنه قثم بن العباس الحسن بن علي فقال : يا أبه دع هذا فإن فيه سفك دماء المسلمين ، ووقوع الاختلاف بينهم . فلم يقبل منه ذلك ، بل صمم على القتال ، ورتب الجيش فدفع اللواء إلى ، وجعل محمد بن الحنفية ابن العباس على الميمنة ، على الميسرة ، وقيل : جعل على الميسرة وعمر بن أبي سلمة عمرو [ ص: 431 ] بن سفيان بن عبد الأسد . وجعل على مقدمته أبا ليلى بن عمر بن الجراح ، ابن أخي أبي عبيدة ، واستخلف على المدينة ، ولم يبق شيء إلا أن يخرج من قثم بن العباس المدينة قاصدا الشام ، حتى جاءه من شغله عن ذلك كله وهو ما سنذكره .