[ ص: 654 ] ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين
فيها
nindex.php?page=treesubj&link=33715بعث معاوية عمرو بن العاص إلى ديار مصر ليأخذها من محمد بن أبي بكر الصديق . واستناب
معاوية عمرا عليها ، وذلك كما سنبينه . وقد كان
علي ، رضي الله عنه ، استناب عليها
nindex.php?page=showalam&ids=7246قيس بن سعد بن عبادة ، وانتزعها من يد
nindex.php?page=showalam&ids=16891محمد بن أبي حذيفة ، وقد كان أخذها من
ابن أبي سرح نائب
عثمان عليها ، وكان
عثمان قد عزل عنها
عمرو بن العاص ، وكان
عمرو هو الذي افتتحها ، كما تقدم ذلك ، ثم إن
عليا عزل عنها
قيس بن سعد ، وولى عليها
محمد بن أبي بكر ، وكان
قيس كفئا
لمعاوية وعمرو ، فلما ولي
محمد بن أبي بكر لم يكن فيه قوة تعادل
معاوية وعمرا ، وحين عزل
قيس بن سعد عنها رجع إلى
المدينة ، ثم سار إلى
علي بالعراق فكان معه . وكان
معاوية يقول : والله
nindex.php?page=showalam&ids=7246لقيس بن سعد عند
علي أبغض إلي من مائة ألف مقاتل تكون معه بدله . فلما فرغ
علي من
صفين ، وبلغه أن
أهل مصر قد استخفوا
بمحمد بن أبي بكر ; لكونه شابا ابن ست وعشرين سنة ، أو نحو ذلك عزم
علي على رد
قيس بن سعد [ ص: 655 ] إليها ، وكان
علي قد جعله على شرطته . وقيل : إنه استمر
بقيس عنده ، وولى
nindex.php?page=showalam&ids=13707الأشتر النخعي مصر ، وقد كان نائبه على
الموصل ونصيبين ، فكتب إليه فاستقدمه عليه ، وولاه
مصر . فلما بلغ
معاوية تولية
nindex.php?page=showalam&ids=13707الأشتر النخعي مصر بدل
محمد بن أبي بكر ، وعلم أن
الأشتر سيمنعها منه ; لجرأته وشجاعته ، فسار
الأشتر إليها ، فلما بلغ
القلزم استقبله الجايسار ، وهو مقدم علي
على الخراج ، فقدم إليه طعاما ، وسقاه شرابا من عسل فمات منه ، فلما بلغ ذلك
معاوية وعمرا وأهل الشام قالوا : إن لله لجنودا من عسل .
وقد ذكر
ابن جرير في تاريخه أن
معاوية كان قد تقدم إلى هذا الرجل في أن يحتال على
الأشتر ; فيقتله ، ووعده على ذلك بأمور ففعل ذلك . وفي هذا نظر ، وبتقدير صحته فإن
معاوية يستجيز قتل
الأشتر ; لأنه من قتلة
عثمان ، رضي الله عنه . والمقصود أن
معاوية وأهل الشام فرحوا فرحا شديدا بموت
nindex.php?page=showalam&ids=13707الأشتر النخعي
ولما بلغ ذلك
عليا تأسف على شجاعته وغنائه ، وكتب إلى
محمد بن أبي بكر باستقراره واستمراره بديار
مصر ، ولكنه ضعف جأشه مع ما كان فيه من
[ ص: 656 ] الخلاف عليه من العثمانية الذين ببلد
خربتا ، وقد كانوا استفحل أمرهم حين انصرف علي من
صفين وكان من أمر التحكيم ما كان ، وحين نكل
أهل العراق عن قتال
أهل الشام معه . وقد كان
أهل الشام لما انقضت الحكومة
بدومة الجندل سلموا على
معاوية بالخلافة ، وقوي أمرهم جدا .
فعند ذلك جمع
معاوية أمراءه ;
عمرو بن العاص ، وشرحبيل بن السمط ، nindex.php?page=showalam&ids=200وحبيب بن مسلمة ، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، nindex.php?page=showalam&ids=190والضحاك بن قيس ، nindex.php?page=showalam&ids=1042وبسر بن أبي أرطاة ، وأبا الأعور السلمي ، وحمزة بن سنان الهمداني ، وغيرهم ، فاستشارهم في المسير إلى
مصر فاستجابوا له ، وقالوا : سر حيث شئت فنحن معك .
وعين
معاوية نيابتها
nindex.php?page=showalam&ids=59لعمرو بن العاص إذا فتحها ، ففرح بذلك
عمرو ، ثم قال
لمعاوية : أرى أن تبعث إليهم رجلا معه جند مأمون عارف بالحرب ، فإن بها جماعة ممن يوالي
عثمان فيساعدونه على حرب من خالفهم ،
[ ص: 657 ] فقال
معاوية : لكن أرى أن أبعث إلى شيعتنا ممن هنالك كتابا نعلمهم بقدومنا عليهم ، ونبعث إلى مخالفينا كتابا ندعوهم فيه إلى الصلح . وقال
معاوية nindex.php?page=showalam&ids=59لعمرو بن العاص : إنك يا
عمرو رجل بورك لك في العجلة ، وإني امرؤ بورك لي في التؤدة . فقال
عمرو : اعمل ما أراك الله ، وما أرى أمرك وأمرهم إلا سيصير إلى الحرب العوان .
فكتب عند ذلك
معاوية إلى
nindex.php?page=showalam&ids=209مسلمة بن مخلد الأنصاري ، وإلى
nindex.php?page=showalam&ids=8044معاوية بن حديج السكوني - وهما رئيسا العثمانية ببلاد
مصر وكانا ممن لم يبايع
عليا ، ولم يأتمر بأمر نوابه
بمصر في نحو من عشرة آلاف - يخبرهم بقدوم الجيش إليهم سريعا ، وبعث به مع مولى له يقال له :
سبيع . فلما وصل الكتاب إلى
مسلمة nindex.php?page=showalam&ids=8044ومعاوية بن حديج فرحا به وردا جوابه بالاستبشار والمعاونة والمناصرة له ، ولمن يبعثه من الجيش .
فعند ذلك جهز
معاوية عمرو بن العاص في ستة آلاف ، وخرج معه مودعا وأوصاه بتقوى الله والرفق والمهل والتؤدة ، وأن يقتل من قاتل ويعفو عمن أدبر ، وأن يدعو الناس إلى الصلح والجماعة ، فإذا أنت ظهرت فليكن أنصارك آثر
[ ص: 658 ] الناس عندك .
فسار
عمرو فلما دخل
مصر ، اجتمعت عليه العثمانية فقادهم ، وكتب إلى
محمد بن أبي بكر : أما بعد ، فتنح عني بدمك ، فإني لا أحب أن يصيبك مني ظفر ; فإن الناس قد اجتمعوا بهذه البلاد على خلافك ورفض أمرك ، وندموا على اتباعك ، فهم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطان ، فاخرج منها فإني لك لمن الناصحين والسلام . وبعث إليه
عمرو أيضا بكتاب
معاوية إليه : أما بعد ، فإن غب البغي والظلم عظيم الوبال ، وإن سفك الدم الحرام لا يسلم فاعله من النقمة في الدنيا ، والتبعة الموبقة في الآخرة ، وإنا لا نعلم أحدا كان أشد خلافا على
عثمان منك حين تطعن بمشاقصك بين حشاشته وأوداجه ، ثم أنت تظن أني عنك نائم أو لفعلك ناس ، حتى تأتي فتتأمر على بلاد أنت بها جاري ، وجل أهلها أنصاري ، وقد بعثت إليك بجيوش يتقربون إلى الله بجهادك ، ولن يسلمك الله من القصاص أينما كنت ، والسلام .
قال : فطوى
محمد بن أبي بكر الكتابين ، وبعث بهما إلى
علي وأعلمه بقدوم
عمرو إلى
مصر في جيش من قبل
معاوية ; فإن كانت لك بأرض
مصر حاجة فابعث إلي بأموال ورجال ، والسلام . فكتب إليه
علي يأمره
[ ص: 659 ] بالصبر وبمجاهدة العدو ، وأنه سيبعث إليه الرجال والأموال ، ويمده بالجيوش . وكتب
محمد بن أبي بكر إلى
معاوية كتابا في جواب ما قال وفيه غلظة . وكذلك كتب إلى
عمرو بن العاص كتابا فيه كلام غليظ . وقام
محمد بن أبي بكر في الناس فخطبهم وحثهم على الجهاد ومناجزة من قصدهم من
أهل الشام .
وتقدم
عمرو بن العاص إلى
مصر في جيوشه ، ومن لحق به من العثمانية ، والجميع في قريب من ستة عشر ألفا . وركب
محمد بن أبي بكر في قريب من ألفي فارس وهم الذين انتدبوا معه من
أهل مصر ، وقدم بين يدي جيشه
كنانة بن بشر ، فجعل لا يلقى أحدا من الشاميين إلا قاتلهم حتى يلحقهم مغلوبين إلى
عمرو بن العاص ، فبعث
عمرو بن العاص إليه
معاوية بن حديج ، فجاءه من ورائه ، وأقبل إليه الشاميون حتى أحاطوا به من كل جانب ; فترجل عند ذلك
كنانة وهو يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=145وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا الآية [ آل عمران : 145 ] . ثم قاتل حتى قتل ، وتفرق أصحاب
محمد بن أبي بكر عنه ، ورجع يمشي فرأى خربة فأوى إليها ، ودخل
عمرو بن العاص فسطاط مصر ، وذهب
معاوية بن حديج في طلب
محمد بن أبي بكر ، فمر بعلوج في الطريق فقال لهم : هل مر بكم أحد تستنكرونه ؟ قالوا : لا . فقال رجل منهم : إني رأيت رجلا جالسا في هذه الخربة . فقال : هو هو ورب الكعبة .
[ ص: 660 ] فدخلوا عليه فاستخرجوه منها - وقد كاد يموت عطشا - فانطلق أخوه
عبد الرحمن بن أبي بكر إلى
عمرو بن العاص ، وكان قد قدم معه إلى
مصر ، فقال : أيقتل أخي صبرا ؟ فبعث
عمرو بن العاص إلى
معاوية بن حديج أن يأتيه
بمحمد بن أبي بكر ولا يقتله . فقال
معاوية : كلا والله ، أيقتلون
كنانة بن بشر وأترك
محمد بن أبي بكر ، وقد كان في من قتل
عثمان ، وقد سألهم
عثمان الماء فلم يسقوه ؟ وقد سألهم
محمد بن أبي بكر أن يسقوه شربة من الماء . فقال
معاوية : لا سقاني الله إن سقيتك قطرة من الماء أبدا ; إنكم منعتم
عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه صائما محرما ، فتلقاه الله بالرحيق المختوم .
وقد ذكر
ابن جرير ، أن
محمد بن أبي بكر نال من
معاوية بن حديج هذا وشتمه ، ومن
عمرو بن العاص ، ومن
معاوية ومن
عثمان بن عفان أيضا ; فعند ذلك غضب
معاوية بن حديج ، فقدمه فقتله ، ثم جعله في جيفة حمار فأحرقه بالنار ، فلما بلغ ذلك
عائشة جزعت عليه جزعا شديدا ، وضمت عياله إليها ، وكان فيهم ابنه
القاسم ، وجعلت تدعو على
معاوية nindex.php?page=showalam&ids=59وعمرو بن العاص دبر الصلوات .
وذكر
الواقدي أن
عمرو بن العاص قدم
مصر في أربعة آلاف ، فيهم
أبو الأعور السلمي ، فالتقوا مع المصريين بالمسناة فاقتتلوا قتالا شديدا حتى
[ ص: 661 ] قتل
كنانة بن بشر بن غياث التجيبي ، فهرب عند ذلك
محمد بن أبي بكر فاختبأ عند رجل يقال له :
جبلة بن مسروق . فدل عليه فجاء
معاوية بن حديج وأصحابه فأحاطوا به فخرج إليهم
محمد بن أبي بكر فقاتل حتى قتل .
قال
الواقدي : وكان ذلك في صفر من هذه السنة . قال
الواقدي : ولما قتل
محمد بن أبي بكر بعث
علي nindex.php?page=showalam&ids=13707الأشتر النخعي إلى
مصر فمات في الطريق . فالله أعلم . قال : وكانت أذرح في شعبان في هذه السنة أيضا ، فلما قتل
محمد بن أبي بكر ، كتب
عمرو بن العاص إلى
معاوية يخبره بما كان من الأمر ، وأن الله قد فتح عليه بلاد
مصر ورجعوا إلى السمع والطاعة . وقد زعم
nindex.php?page=showalam&ids=12861هشام بن محمد الكلبي أن
محمد بن أبي حذيفة بن عتبة مسك في هذه السنة بعد مقتل
محمد بن أبي بكر - وكان من جملة المحرضين على قتل
عثمان - فبعثه
عمرو بن العاص إلى
معاوية ولم يبادر إلى قتله ; لأنه ابن خال
معاوية ، فحبسه
معاوية بفلسطين فهرب من السجن - وكان
معاوية يحب نجاته فيما يرون - فلحقه رجل من
خثعم يقال له :
عبد الله بن عمرو بن ظلام - وكان عثمانيا شجاعا - بأرض
البلقاء من بلاد
حوران ، فاختفى
nindex.php?page=showalam&ids=16891محمد بن أبي حذيفة في غار ، فجاءت حمر وحش لتأوي إلى ذلك الغار ، فلما رأته فيه نفرت فتعجب
[ ص: 662 ] من نفرتها جماعة الحصادين الذين هنالك ، فذهبوا إلى الغار ، فوجدوا
nindex.php?page=showalam&ids=16891محمد بن أبي حذيفة ، فخشي
عبد الله بن ظلام أن يرده إلى
معاوية فيعفو عنه ، فضرب عنقه هنالك . ذكر ذلك
ابن الكلبي . وقد ذكر
الواقدي وغيره أن
nindex.php?page=showalam&ids=16891محمد بن أبي حذيفة قتل في سنة ست وثلاثين ، كما قدمنا . فالله أعلم .
وقال
إبراهيم بن الحسين بن ديزيل في كتابه : ثنا
عبد الله بن صالح ، حدثني
ابن لهيعة ، عن
يزيد بن أبي حبيب أن
عمرو بن العاص استحل مال قبطي من قبط
مصر ; لأنه استقر عنده أنه كان يظهر
الروم على عورات المسلمين - يكتب إليهم بذلك - فاستخرج من ماله بضعا وخمسين إردبا دنانير . قال
أبو صالح : والإردب ست ويبات ، والويبة مثل القفيز ، واعتبرنا الويبة فوجدناها تسعا وثلاثين ألف دينار . قلت : فعلى هذا يكون مبلغ ما أخذ منه ثلاثة عشر ألف ألف دينار .
قال
أبو مخنف بإسناده : ولما بلغ
علي بن أبي طالب مقتل
محمد بن أبي بكر ، وما كان من الأمر ، وتملك
عمرو مصر ، واجتماع الناس عليه وعلى
معاوية ، قام في الناس خطيبا ، فحثهم على الجهاد والصبر والمسير إلى أعدائهم
[ ص: 663 ] من الشاميين والمصريين ، وواعدهم
الجرعة بين
الكوفة والحيرة ، فلما كان الغد خرج يمشي إليها حتى نزلها فلم يخرج إليه منهم أحد ، فلما كان العشي بعث إلى أشرافهم ، فدخلوا عليه وهو حزين كئيب ، فقام فيهم خطيبا فقال : الحمد لله على ما قضى من أمر ، وقدر من فعل ، وابتلاني بكم ، وبمن لا يطيع إذا أمرت ، ولا يجيب إذا دعوت ، أوليس عجبا أن
معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه بغير عطاء ولا معونة ويجيبونه في السنة المرتين والثلاث إلى أي وجه شاء ، وأنا أدعوكم - وأنتم أولو النهى وبقية الناس - على المعونة والعطاء فتتفرقون وتنفرون عني وتعصوني وتختلفون علي ؟ فقام إليه مالك
بن كعب الهمداني ، ثم الأرحبي ، فندب الناس إلى امتثال أمر
علي ، والسمع والطاعة له ، فانتدب ألفان ، فأمر عليهم
مالك بن كعب هذا ، فسار بهم خمسا ثم قدم على
علي جماعة ممن كان مع
محمد بن أبي بكر ، بمصر فأخبروه كيف وقع الأمر ، وكيف قتل
محمد بن أبي بكر ، وكيف استقر أمر
عمرو بها . فبعث إلى
مالك بن كعب فرده من الطريق ; وذلك أنه خشي عليهم من
أهل الشام قبل وصولهم إلى
مصر .
[ ص: 664 ] واستقر أمر العراقيين على مخالفة
علي فيما يأمرهم به وينهاهم عنه ، والخروج عليه ، وانتقاد أحكامه ، ورد أقواله ، وحل إبرامه ; لجهلهم وقلة عقلهم وجفائهم وغلظتهم وفجور كثير منهم . ولما جاء
عليا الخبر عن
مصر وما حل بها ، وقتل
محمد بن أبي بكر ، حزن على
محمد حزنا كثيرا ، وترحم ورئي الحزن والكآبة عليه ، مع ما اجتمع عليه من مخالفة
أهل العراق له ، ثم قال للناس : إني والله بمواضع الحرب لجدير خبير ، وإني لأعرف وجه الحزم ، وأقوم فيكم بالرأي المصيب فأستصرخكم معلنا ، وأناديكم نداء المستغيث ، ولا أرى فيكم مغيثا ، ولا تسمعون لي قولا ، ولا تطيعون لي أمرا حتى تصير بي الأمور إلى عواقب المساءة ، فأنتم والله القوم لا يدرك بكم ثأر ، دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ خمسين ليلة فتجرجرتم جرجرة الجمل الأشدق ، وتثاقلتم إلى الأرض تثاقل من ليست له نية في جهاد العدو ولا اكتساب الأجر ، ثم خرج إلي منكم مرايب كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون فأف لكم .
ثم كتب
علي عند ذلك إلى
ابن عباس - وهو نائبه على
البصرة - يشكو إليه ما يلقاه من الناس من المخالفة ويقول : إني دعوتهم إلى غوث إخوانهم ; فمنهم من أتى كارها ، ومنهم المعتذر كاذبا ، أسأل الله أن يجعل لي منهم فرجا
[ ص: 665 ] ومخرجا وأن يريحني منهم عاجلا ، ولولا ما أحاول من الشهادة لأحببت أن لا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا ، عزم الله لنا ولكم على تقواه وهداه ، إنه على كل شيء قدير . والسلام . فرد عليه
ابن عباس يسليه عن الناس ، ويعزيه في
محمد بن أبي بكر ، ويحثه على ملاطفة الناس والصبر على مسيئهم ، فإن ثواب الله خير وأبقى . وقال له : إن الناس ربما تثاقلوا ثم نشطوا ، فارفق بهم يا أمير المؤمنين . ثم ركب
ابن عباس من
البصرة إلى
علي ، وهو
بالكوفة ، واستخلف
ابن عباس على
البصرة زيادا . وفي هذا العام بعث
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان كتابا مع
عبد الله بن عمرو الحضرمي إلى
أهل البصرة يدعوهم إلى الإقرار بما حكم له به
عمرو بن العاص ، فلما قدمها نزل على
بني تميم فأجاروه ، فنهض إليه
زياد وبعث إليه
علي بن أبي طالب أعين بن ضبيعة في جماعة من الناس ، فثاروا إليهم فاقتتلوا فقتل
أعين بن ضبيعة أمير السرية التي بعثها
علي ، فكتب نائب
ابن عباس زياد إلى
علي يعلمه بما وقع
بالبصرة من المخالفة بعد خروج
ابن عباس منها ، فبعث عند ذلك
علي جارية بن قدامة التميمي في خمسين رجلا إلى قومه
بني [ ص: 666 ] تميم ، وكتب معه كتابا إليهم ، فرجع أكثرهم عن
ابن الحضرمي فقصده
جارية فحصره في دار هو وجماعة معه - قيل : كان عددهم أربعين رجلا . وقيل : سبعين - فحرقهم بالنار ، بعد أن أعذر إليهم وأنذرهم ; فلم يقبلوا ولم يرجعوا عما جاءوا له من جهة
معاوية .
[ ص: 654 ] ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ
فِيهَا
nindex.php?page=treesubj&link=33715بَعَثَ مُعَاوِيَةُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إِلَى دِيَارِ مِصْرَ لِيَأْخُذَهَا مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ . وَاسْتَنَابَ
مُعَاوِيَةُ عَمْرًا عَلَيْهَا ، وَذَلِكَ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ . وَقَدْ كَانَ
عَلِيٌّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، اسْتَنَابَ عَلَيْهَا
nindex.php?page=showalam&ids=7246قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، وَانْتَزَعَهَا مِنْ يَدِ
nindex.php?page=showalam&ids=16891مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُذَيْفَةَ ، وَقَدْ كَانَ أَخَذَهَا مِنَ
ابْنِ أَبِي سَرْحٍ نَائِبِ
عُثْمَانَ عَلَيْهَا ، وَكَانَ
عُثْمَانُ قَدْ عَزَلَ عَنْهَا
عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ، وَكَانَ
عَمْرٌو هُوَ الَّذِي افْتَتَحَهَا ، كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ ، ثُمَّ إِنَّ
عَلِيًّا عَزَلَ عَنْهَا
قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ ، وَوَلَّى عَلَيْهَا
مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ ، وَكَانَ
قَيْسٌ كُفْئًا
لِمُعَاوِيَةَ وَعَمْرٍو ، فَلَمَّا وُلِّيَ
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قُوَّةٌ تُعَادِلُ
مُعَاوِيَةَ وَعَمْرًا ، وَحِينَ عُزِلَ
قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ عَنْهَا رَجَعَ إِلَى
الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ سَارَ إِلَى
عَلِيٍّ بِالْعِرَاقِ فَكَانَ مَعَهُ . وَكَانَ
مُعَاوِيَةُ يَقُولُ : وَاللَّهِ
nindex.php?page=showalam&ids=7246لَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ عِنْدَ
عَلِيٍّ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ تَكُونُ مَعَهُ بَدَلَهُ . فَلَمَّا فَرَغَ
عَلِيٌّ مِنْ
صِفِّينَ ، وَبَلَغَهُ أَنَّ
أَهْلَ مِصْرَ قَدِ اسْتَخَفُّوا
بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ; لِكَوْنِهِ شَابًّا ابْنَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ سَنَةً ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ عَزَمَ
عَلِيٌّ عَلَى رَدِّ
قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ [ ص: 655 ] إِلَيْهَا ، وَكَانَ
عَلِيٌّ قَدْ جَعَلَهُ عَلَى شُرَطَتِهِ . وَقِيلَ : إِنَّهُ اسْتَمَرَّ
بِقَيْسٍ عِنْدَهُ ، وَوَلَّى
nindex.php?page=showalam&ids=13707الْأَشْتَرَ النَّخَعِيَّ مِصْرَ ، وَقَدْ كَانَ نَائِبَهُ عَلَى
الْمَوْصِلِ وَنَصِيبِينَ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ فَاسْتَقْدَمَهُ عَلَيْهِ ، وَوَلَّاهُ
مِصْرَ . فَلَمَّا بَلَغَ
مُعَاوِيَةَ تَوْلِيَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=13707الْأَشْتَرِ النَّخَعِيِّ مِصْرَ بَدَلَ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، وَعَلِمَ أَنَّ
الْأَشْتَرَ سَيَمْنَعُهَا مِنْهُ ; لِجُرْأَتِهِ وَشَجَاعَتِهِ ، فَسَارَ
الْأَشْتَرُ إِلَيْهَا ، فَلَمَّا بَلَغَ
الْقُلْزُمَ اسْتَقْبَلَهُ الْجَايْسَارُ ، وَهُوَ مُقَدَّمُ عَلِيٍّ
عَلَى الْخَرَاجِ ، فَقَدَّمَ إِلَيْهِ طَعَامًا ، وَسَقَاهُ شَرَابًا مِنْ عَسَلٍ فَمَاتَ مِنْهُ ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ
مُعَاوِيَةَ وَعَمْرًا وَأَهْلَ الشَّامِ قَالُوا : إِنَّ لِلَّهِ لَجُنُودًا مِنْ عَسَلٍ .
وَقَدْ ذَكَرَ
ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَارِيخِهِ أَنَّ
مُعَاوِيَةَ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي أَنْ يَحْتَالَ عَلَى
الْأَشْتَرِ ; فَيَقْتُلَهُ ، وَوَعَدَهُ عَلَى ذَلِكَ بِأُمُورٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ . وَفِي هَذَا نَظَرٌ ، وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَإِنَّ
مُعَاوِيَةَ يَسْتَجِيزُ قَتْلَ
الْأَشْتَرِ ; لِأَنَّهُ مِنْ قَتَلَةِ
عُثْمَانَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَالْمَقْصُودُ أَنَّ
مُعَاوِيَةَ وَأَهْلَ الشَّامِ فَرِحُوا فَرَحًا شَدِيدًا بِمَوْتِ
nindex.php?page=showalam&ids=13707الْأَشْتَرِ النَّخَعِيِّ
وَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ
عَلِيًّا تَأَسَّفَ عَلَى شَجَاعَتِهِ وَغَنَائِهِ ، وَكَتَبَ إِلَى
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِاسْتِقْرَارِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ بِدِيَارِ
مِصْرَ ، وَلَكِنَّهُ ضَعُفَ جَأْشُهُ مَعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ
[ ص: 656 ] الْخِلَافِ عَلَيْهِ مِنَ الْعُثْمَانِيَّةِ الَّذِينَ بِبَلَدِ
خِرِبْتَا ، وَقَدْ كَانُوا اسْتَفْحَلَ أَمْرُهُمْ حِينَ انْصَرَفَ عَلِيٌّ مِنْ
صِفِّينَ وَكَانَ مِنْ أَمْرِ التَّحْكِيمِ مَا كَانَ ، وَحِينَ نَكَلَ
أَهْلُ الْعِرَاقِ عَنْ قِتَالِ
أَهْلِ الشَّامِ مَعَهُ . وَقَدْ كَانَ
أَهْلُ الشَّامِ لَمَّا انْقَضَتِ الْحُكُومَةُ
بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ سَلَّمُوا عَلَى
مُعَاوِيَةَ بِالْخِلَافَةِ ، وَقَوِيَ أَمْرُهُمْ جِدًّا .
فَعِنْدَ ذَلِكَ جَمَعَ
مُعَاوِيَةُ أُمَرَاءَهُ ;
عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ، وَشُرَحْبِيلَ بْنَ السِّمْطِ ، nindex.php?page=showalam&ids=200وَحَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، nindex.php?page=showalam&ids=190وَالضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=1042وَبُسْرَ بْنَ أَبِي أَرْطَاةَ ، وَأَبَا الْأَعْوَرِ السُّلَمِيَّ ، وَحَمْزَةَ بْنَ سِنَانٍ الْهَمْدَانِيَّ ، وَغَيْرَهُمْ ، فَاسْتَشَارَهُمْ فِي الْمَسِيرِ إِلَى
مِصْرَ فَاسْتَجَابُوا لَهُ ، وَقَالُوا : سِرْ حَيْثُ شِئْتَ فَنَحْنُ مَعَكَ .
وَعَيَّنَ
مُعَاوِيَةُ نِيَابَتَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=59لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إِذَا فَتَحَهَا ، فَفَرِحَ بِذَلِكَ
عَمْرٌو ، ثُمَّ قَالَ
لِمُعَاوِيَةَ : أَرَى أَنْ تَبْعَثَ إِلَيْهِمْ رَجُلًا مَعَهُ جُنْدٌ مَأْمُونٌ عَارِفٌ بِالْحَرْبِ ، فَإِنَّ بِهَا جَمَاعَةً مِمَّنْ يُوَالِي
عُثْمَانَ فَيُسَاعِدُونَهُ عَلَى حَرْبِ مَنْ خَالَفَهُمْ ،
[ ص: 657 ] فَقَالَ
مُعَاوِيَةُ : لَكِنْ أَرَى أَنْ أَبْعَثَ إِلَى شِيعَتِنَا مِمَّنْ هُنَالِكَ كِتَابًا نُعْلِمُهُمْ بِقُدُومِنَا عَلَيْهِمْ ، وَنَبْعَثُ إِلَى مُخَالِفِينَا كِتَابًا نَدْعُوهُمْ فِيهِ إِلَى الصُّلْحِ . وَقَالَ
مُعَاوِيَةُ nindex.php?page=showalam&ids=59لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : إِنَّكَ يَا
عَمْرُو رَجُلٌ بُورِكَ لَكَ فِي الْعَجَلَةِ ، وَإِنِّي امْرُؤٌ بُورِكَ لِي فِي التُّؤَدَةِ . فَقَالَ
عَمْرٌو : اعْمَلْ مَا أَرَاكَ اللَّهُ ، وَمَا أَرَى أَمْرَكَ وَأَمْرَهُمْ إِلَّا سَيَصِيرُ إِلَى الْحَرْبِ الْعَوَانِ .
فَكَتَبَ عِنْدَ ذَلِكَ
مُعَاوِيَةُ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=209مَسْلَمَةَ بْنِ مَخْلَدٍ الْأَنْصَارِيِّ ، وَإِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=8044مُعَاوِيَةَ بْنَ حُدَيْجٍ السَّكُونِيِّ - وَهُمَا رَئِيسَا الْعُثْمَانِيَّةِ بِبِلَادِ
مِصْرَ وَكَانَا مِمَّنْ لَمْ يُبَايِعُ
عَلِيًّا ، وَلَمْ يَأْتَمِرْ بِأَمْرِ نُوَّابِهِ
بِمِصْرَ فِي نَحْوٍ مَنْ عَشَرَةَ آلَافٍ - يُخْبِرُهُمْ بِقُدُومِ الْجَيْشِ إِلَيْهِمْ سَرِيعًا ، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ :
سُبَيْعٌ . فَلَمَّا وَصَلَ الْكِتَابُ إِلَى
مَسْلَمَةَ nindex.php?page=showalam&ids=8044وَمُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ فَرِحَا بِهِ وَرَدَّا جَوَابَهُ بِالِاسْتِبْشَارِ وَالْمُعَاوَنَةِ وَالْمُنَاصَرَةِ لَهُ ، وَلِمَنْ يَبْعَثُهُ مِنَ الْجَيْشِ .
فَعِنْدَ ذَلِكَ جَهَّزَ
مُعَاوِيَةُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي سِتَّةِ آلَافٍ ، وَخَرَجَ مَعَهُ مُوَدِّعًا وَأَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالرِّفْقِ وَالْمَهْلِ وَالتُّؤَدَةِ ، وَأَنْ يَقْتُلَ مَنْ قَاتَلَ وَيَعْفُوَ عَمَّنْ أَدْبَرَ ، وَأَنْ يَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى الصُّلْحِ وَالْجَمَاعَةِ ، فَإِذَا أَنْتَ ظَهَرْتَ فَلْيَكُنْ أَنْصَارُكَ آثَرَ
[ ص: 658 ] النَّاسِ عِنْدَكَ .
فَسَارَ
عَمْرٌو فَلَمَّا دَخَلَ
مِصْرَ ، اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْعُثْمَانِيَّةُ فَقَادَهُمْ ، وَكَتَبَ إِلَى
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ : أَمَّا بَعْدُ ، فَتَنَحَّ عَنِّي بِدَمِكَ ، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ يُصِيبَكَ مِنِّي ظُفُرٌ ; فَإِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا بِهَذِهِ الْبِلَادِ عَلَى خِلَافِكَ وَرَفْضِ أَمْرِكَ ، وَنَدِمُوا عَلَى اتِّبَاعِكَ ، فَهُمْ مُسْلِمُوكَ لَوْ قَدِ الْتَقَتْ حَلْقَتَا الْبِطَانِ ، فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنِّي لَكَ لَمِنَ النَّاصِحِينَ وَالسَّلَامُ . وَبَعَثَ إِلَيْهِ
عَمْرٌو أَيْضًا بِكِتَابِ
مُعَاوِيَةَ إِلَيْهِ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ غِبَّ الْبَغْيِ وَالظُّلْمِ عَظِيمُ الْوَبَالِ ، وَإِنَّ سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ لَا يَسْلَمُ فَاعِلُهُ مِنَ النِّقْمَةِ فِي الدُّنْيَا ، وَالتَّبِعَةِ الْمُوبِقَةِ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِنَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ أَشَدَّ خِلَافًا عَلَى
عُثْمَانَ مِنْكَ حِينَ تَطْعَنُ بِمَشَاقِصِكَ بَيْنَ حُشَاشَتِهِ وَأَوْدَاجِهِ ، ثُمَّ أَنْتَ تَظُنُّ أَنِّي عَنْكَ نَائِمٌ أَوْ لِفِعْلِكَ نَاسٍ ، حَتَّى تَأْتِيَ فَتَتَأَمَّرَ عَلَى بِلَادٍ أَنْتِ بِهَا جَارِي ، وَجُلُّ أَهْلِهَا أَنْصَارِي ، وَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ بِجُيُوشٍ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ بِجِهَادِكَ ، وَلَنْ يُسَلِّمَكَ اللَّهُ مِنَ الْقَصَّاصِ أَيْنَمَا كُنْتَ ، وَالسَّلَامُ .
قَالَ : فَطَوَى
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْكِتَابَيْنِ ، وَبَعَثَ بِهِمَا إِلَى
عَلِيٍّ وَأَعْلَمَهُ بِقُدُومِ
عَمْرٍو إِلَى
مِصْرَ فِي جَيْشٍ مِنْ قِبَلِ
مُعَاوِيَةَ ; فَإِنْ كَانَتْ لَكَ بِأَرْضِ
مِصْرَ حَاجَةٌ فَابْعَثْ إِلَيَّ بِأَمْوَالٍ وَرِجَالٍ ، وَالسَّلَامُ . فَكَتَبَ إِلَيْهِ
عَلِيٌّ يَأْمُرُهُ
[ ص: 659 ] بِالصَّبْرِ وَبِمُجَاهَدَةِ الْعَدُوِّ ، وَأَنَّهُ سَيَبْعَثُ إِلَيْهِ الرِّجَالَ وَالْأَمْوَالَ ، وَيَمُدُّهُ بِالْجُيُوشِ . وَكَتَبَ
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ إِلَى
مُعَاوِيَةَ كِتَابًا فِي جَوَابِ مَا قَالَ وَفِيهِ غِلْظَةٌ . وَكَذَلِكَ كَتَبَ إِلَى
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كِتَابًا فِيهِ كَلَامٌ غَلِيظٌ . وَقَامَ
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فِي النَّاسِ فَخَطَبَهُمْ وَحَثَّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ وَمُنَاجَزَةِ مَنْ قَصَدَهُمْ مِنْ
أَهْلِ الشَّامِ .
وَتَقَدَّمَ
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى
مِصْرَ فِي جُيُوشِهِ ، وَمَنْ لَحِقَ بِهِ مِنَ الْعُثْمَانِيَّةِ ، وَالْجَمِيعُ فِي قَرِيبٍ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفًا . وَرَكِبَ
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فِي قَرِيبٍ مِنْ أَلْفَيْ فَارِسٍ وَهُمُ الَّذِينَ انْتَدَبُوا مَعَهُ مِنْ
أَهْلِ مِصْرَ ، وَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ جَيْشِهِ
كِنَانَةَ بْنَ بِشْرٍ ، فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا مِنَ الشَّامِيِّينَ إِلَّا قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُلْحِقَهُمْ مَغْلُوبِينَ إِلَى
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، فَبَعَثَ
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَيْهِ
مُعَاوِيَةَ بْنَ حُدَيْجٍ ، فَجَاءَهُ مِنْ وَرَائِهِ ، وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ الشَّامِيُّونَ حَتَّى أَحَاطُوا بِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ; فَتَرَجَّلَ عِنْدَ ذَلِكَ
كِنَانَةُ وَهُوَ يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=145وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا الْآيَةَ [ آلِ عِمْرَانَ : 145 ] . ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ، وَتَفَرَّقَ أَصْحَابُ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْهُ ، وَرَجَعَ يَمْشِي فَرَأَى خَرِبَةً فَأَوَى إِلَيْهَا ، وَدَخَلَ
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فُسْطَاطَ مِصْرَ ، وَذَهَبَ
مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ فِي طَلَبِ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، فَمَرَّ بِعُلُوجٍ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ لَهُمْ : هَلْ مَرَّ بِكُمْ أَحَدٌ تَسْتَنْكِرُونَهُ ؟ قَالُوا : لَا . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : إِنِّي رَأَيْتُ رَجُلًا جَالِسًا فِي هَذِهِ الْخَرِبَةِ . فَقَالَ : هُوَ هُوَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ .
[ ص: 660 ] فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَاسْتَخْرَجُوهُ مِنْهَا - وَقَدْ كَادَ يَمُوتُ عَطَشًا - فَانْطَلَقَ أَخُوهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ إِلَى
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ مَعَهُ إِلَى
مِصْرَ ، فَقَالَ : أَيُقْتَلُ أَخِي صَبْرًا ؟ فَبَعَثَ
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى
مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ أَنْ يَأْتِيَهُ
بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا يَقْتُلَهُ . فَقَالَ
مُعَاوِيَةُ : كَلَّا وَاللَّهِ ، أَيَقْتُلُونَ
كِنَانَةَ بْنَ بِشْرٍ وَأَتْرُكُ
مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ ، وَقَدْ كَانَ فِي مَنْ قَتَلَ
عُثْمَانَ ، وَقَدْ سَأَلَهُمْ
عُثْمَانُ الْمَاءَ فَلَمْ يَسْقُوهُ ؟ وَقَدْ سَأَلَهُمْ
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَسْقُوهُ شَرْبَةً مِنَ الْمَاءِ . فَقَالَ
مُعَاوِيَةُ : لَا سَقَانِي اللَّهُ إِنْ سَقَيْتُكَ قَطْرَةً مِنَ الْمَاءِ أَبَدًا ; إِنَّكُمْ مَنَعْتُمْ
عُثْمَانَ أَنْ يَشْرَبَ الْمَاءَ حَتَّى قَتَلْتُمُوهُ صَائِمًا مُحْرِمًا ، فَتَلَقَّاهُ اللَّهُ بِالرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ .
وَقَدْ ذَكَرَ
ابْنُ جَرِيرٍ ، أَنَّ
مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ نَالَ مِنْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ هَذَا وَشَتَمَهُ ، وَمِنْ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَمِنْ
مُعَاوِيَةَ وَمِنْ
عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَيْضًا ; فَعِنْدَ ذَلِكَ غَضِبَ
مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ ، فَقَدَّمَهُ فَقَتَلَهُ ، ثُمَّ جَعَلَهُ فِي جِيفَةِ حِمَارٍ فَأَحْرَقَهُ بِالنَّارِ ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ
عَائِشَةَ جَزِعَتْ عَلَيْهِ جَزَعًا شَدِيدًا ، وَضَمَّتْ عِيَالَهُ إِلَيْهَا ، وَكَانَ فِيهِمُ ابْنُهُ
الْقَاسِمُ ، وَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى
مُعَاوِيَةَ nindex.php?page=showalam&ids=59وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ .
وَذَكَرَ
الْوَاقِدِيُّ أَنَّ
عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَدِمَ
مِصْرَ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ ، فِيهِمْ
أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ ، فَالْتَقَوْا مَعَ الْمِصْرِيِّينَ بِالْمُسَنَّاةِ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى
[ ص: 661 ] قُتِلَ
كِنَانَةُ بْنُ بِشْرِ بْنِ غَيَّاثِ التُّجِيبِيُّ ، فَهَرَبَ عِنْدَ ذَلِكَ
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَاخْتَبَأَ عِنْدَ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ :
جَبَلَةُ بْنُ مَسْرُوقٍ . فَدَلَّ عَلَيْهِ فَجَاءَ
مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ وَأَصْحَابُهُ فَأَحَاطُوا بِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ .
قَالَ
الْوَاقِدِيُّ : وَكَانَ ذَلِكَ فِي صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ . قَالَ
الْوَاقِدِيُّ : وَلَمَّا قُتِلَ
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بَعَثَ
عَلِيٌّ nindex.php?page=showalam&ids=13707الْأَشْتَرَ النَّخَعِيَّ إِلَى
مِصْرَ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ . فَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ : وَكَانَتْ أَذْرُحُ فِي شَعْبَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَيْضًا ، فَلَمَّا قُتِلَ
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، كَتَبَ
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى
مُعَاوِيَةَ يُخْبِرُهُ بِمَا كَانَ مِنَ الْأَمْرِ ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ فَتَحَ عَلَيْهِ بِلَادَ
مِصْرَ وَرَجَعُوا إِلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ . وَقَدْ زَعَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=12861هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيُّ أَنَّ
مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ مُسِكَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ بَعْدَ مَقْتَلِ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ - وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحَرِّضِينَ عَلَى قَتْلِ
عُثْمَانَ - فَبَعَثَهُ
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى
مُعَاوِيَةَ وَلَمْ يُبَادِرْ إِلَى قَتْلِهِ ; لِأَنَّهُ ابْنُ خَالِ
مُعَاوِيَةَ ، فَحَبَسَهُ
مُعَاوِيَةُ بِفِلَسْطِينَ فَهَرَبَ مِنَ السِّجْنِ - وَكَانَ
مُعَاوِيَةُ يُحِبُّ نَجَاتَهُ فِيمَا يَرَوْنَ - فَلَحِقَهُ رَجُلٌ مِنْ
خَثْعَمَ يُقَالُ لَهُ :
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ ظَلَامٍ - وَكَانَ عُثْمَانِيًّا شُجَاعًا - بِأَرْضِ
الْبَلْقَاءِ مِنْ بِلَادِ
حَوْرَانَ ، فَاخْتَفَى
nindex.php?page=showalam&ids=16891مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ فِي غَارٍ ، فَجَاءَتْ حُمُرُ وَحْشٍ لِتَأْوِيَ إِلَى ذَلِكَ الْغَارِ ، فَلَمَّا رَأَتْهُ فِيهِ نَفَرَتْ فَتَعَجَّبَ
[ ص: 662 ] مِنْ نَفْرَتِهَا جَمَاعَةُ الْحَصَّادِينَ الَّذِينَ هُنَالِكَ ، فَذَهَبُوا إِلَى الْغَارِ ، فَوَجَدُوا
nindex.php?page=showalam&ids=16891مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ ، فَخَشِيَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ظَلَامٍ أَنْ يَرُدَّهُ إِلَى
مُعَاوِيَةَ فَيَعْفُوَ عَنْهُ ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ هُنَالِكَ . ذَكَرَ ذَلِكَ
ابْنُ الْكَلْبِيِّ . وَقَدْ ذَكَرَ
الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16891مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ قُتِلَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ، كَمَا قَدَّمْنَا . فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دِيزِيلَ فِي كِتَابِهِ : ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنِي
ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ
عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ اسْتَحَلَّ مَالَ قِبْطِيٍّ مِنْ قِبْطِ
مِصْرَ ; لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ كَانَ يُظْهِرُ
الرُّومَ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ - يَكْتُبُ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ - فَاسْتَخْرَجَ مِنْ مَالِهِ بِضْعًا وَخَمْسِينَ إِرْدَبًّا دَنَانِيرَ . قَالَ
أَبُو صَالِحٍ : وَالْإِرْدَبُّ سِتُّ وَيْبَاتٍ ، وَالْوَيْبَةُ مِثْلُ الْقَفِيزِ ، وَاعْتَبَرْنَا الْوَيْبَةَ فَوَجَدْنَاهَا تِسْعًا وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ . قُلْتُ : فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَبْلَغُ مَا أَخَذَ مِنْهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ .
قَالَ
أَبُو مِخْنَفٍ بِإِسْنَادِهِ : وَلَمَّا بَلَغَ
عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مَقْتَلُ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، وَمَا كَانَ مِنَ الْأَمْرِ ، وَتَمَلُّكُ
عَمْرٍو مِصْرَ ، وَاجْتِمَاعُ النَّاسِ عَلَيْهِ وَعَلَى
مُعَاوِيَةَ ، قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا ، فَحَثَّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ وَالصَّبْرِ وَالْمَسِيرِ إِلَى أَعْدَائِهِمْ
[ ص: 663 ] مِنَ الشَّامِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ ، وَوَاعَدَهُمُ
الْجَرَعَةَ بَيْنَ
الْكُوفَةِ وَالْحِيرَةِ ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ خَرَجَ يَمْشِي إِلَيْهَا حَتَّى نَزَلَهَا فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ بَعَثَ إِلَى أَشْرَافِهِمْ ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ حَزِينٌ كَئِيبٌ ، فَقَامَ فِيهِمْ خَطِيبًا فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا قَضَى مِنْ أَمْرٍ ، وَقَدَّرَ مِنْ فِعْلٍ ، وَابْتَلَانِي بِكُمْ ، وَبِمَنْ لَا يُطِيعُ إِذَا أَمَرْتُ ، وَلَا يُجِيبُ إِذَا دَعَوْتُ ، أَوَلَيْسَ عَجَبًا أَنَّ
مُعَاوِيَةَ يَدْعُو الْجُفَاةَ الطَّغَامَ فَيَتَّبِعُونَهُ بِغَيْرِ عَطَاءٍ وَلَا مَعُونَةٍ وَيُجِيبُونَهُ فِي السَّنَةِ الْمَرَّتَيْنِ وَالثَّلَاثَ إِلَى أَيِّ وَجْهٍ شَاءَ ، وَأَنَا أَدْعُوكُمْ - وَأَنْتُمْ أُولُو النُّهَى وَبَقِيَّةُ النَّاسِ - عَلَى الْمَعُونَةِ وَالْعَطَاءِ فَتَتَفَرَّقُونَ وَتَنْفِرُونَ عَنِّي وَتَعْصُونِي وَتَخْتَلِفُونَ عَلَيَّ ؟ فَقَامَ إِلَيْهِ مَالِكُ
بْنُ كَعْبٍ الْهَمْدَانِيُّ ، ثُمَّ الْأَرْحَبِيُّ ، فَنَدَبَ النَّاسَ إِلَى امْتِثَالِ أَمْرِ
عَلِيٍّ ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُ ، فَانْتَدَبَ أَلْفَانِ ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ
مَالِكَ بْنَ كَعْبٍ هَذَا ، فَسَارَ بِهِمْ خَمْسًا ثُمَّ قَدِمَ عَلَى
عَلِيٍّ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، بِمِصْرَ فَأَخْبَرُوهُ كَيْفَ وَقَعَ الْأَمْرُ ، وَكَيْفَ قُتِلَ
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، وَكَيْفَ اسْتَقَرَّ أَمْرُ
عَمْرٍو بِهَا . فَبَعَثَ إِلَى
مَالِكِ بْنِ كَعْبٍ فَرَدَّهُ مِنَ الطَّرِيقِ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ خَشِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ
أَهْلِ الشَّامِ قَبْلَ وُصُولِهِمْ إِلَى
مِصْرَ .
[ ص: 664 ] وَاسْتَقَرَّ أَمْرُ الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى مُخَالَفَةِ
عَلِيٍّ فِيمَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْهُ ، وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِ ، وَانْتِقَادِ أَحْكَامِهِ ، وَرَدِّ أَقْوَالِهِ ، وَحَلِّ إِبْرَامِهِ ; لِجَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ عَقْلِهِمْ وَجَفَائِهِمْ وَغِلْظَتِهِمْ وَفُجُورِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ . وَلَمَّا جَاءَ
عَلِيًّا الْخَبَرُ عَنْ
مِصْرَ وَمَا حَلَّ بِهَا ، وَقَتْلُ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، حَزِنَ عَلَى
مُحَمَّدٍ حُزْنًا كَثِيرًا ، وَتَرَحَّمَ وَرُئِيَ الْحُزْنُ وَالْكَآبَةُ عَلَيْهِ ، مَعَ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ مُخَالَفَةِ
أَهْلِ الْعِرَاقِ لَهُ ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ : إِنِّي وَاللَّهِ بِمَوَاضِعِ الْحَرْبِ لَجَدِيرٌ خَبِيرٌ ، وَإِنِّي لَأَعْرِفُ وَجْهَ الْحَزْمِ ، وَأَقُومُ فِيكُمْ بِالرَّأْيِ الْمُصِيبِ فَأَسْتَصْرِخُكُمْ مُعْلِنًا ، وَأُنَادِيكُمْ نِدَاءَ الْمُسْتَغِيثِ ، وَلَا أَرَى فِيكُمْ مُغِيثًا ، وَلَا تَسْمَعُونَ لِي قَوْلًا ، وَلَا تُطِيعُونَ لِي أَمْرًا حَتَّى تَصِيرَ بِيَ الْأُمُورُ إِلَى عَوَاقِبِ الْمَسَاءَةِ ، فَأَنْتُمْ وَاللَّهِ الْقَوْمُ لَا يُدْرَكُ بِكُمْ ثَأْرٌ ، دَعَوْتُكُمْ إِلَى غِيَاثِ إِخْوَانِكُمْ مُنْذُ خَمْسِينَ لَيْلَةً فَتَجَرْجَرْتُمْ جَرْجَرَةَ الْجَمَلِ الْأَشْدَقِ ، وَتَثَاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ تَثَاقُلَ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ وَلَا اكْتِسَابِ الْأَجْرِ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ مِنْكُمْ مَرَايِبُ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ فَأُفٍّ لَكُمْ .
ثُمَّ كَتَبَ
عَلِيٌّ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى
ابْنِ عَبَّاسٍ - وَهُوَ نَائِبُهُ عَلَى
الْبَصْرَةِ - يَشْكُو إِلَيْهِ مَا يَلْقَاهُ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْمُخَالَفَةِ وَيَقُولُ : إِنِّي دَعَوْتُهُمْ إِلَى غَوْثِ إِخْوَانِهِمْ ; فَمِنْهُمْ مَنْ أَتَى كَارِهًا ، وَمِنْهُمُ الْمُعْتَذِرُ كَاذِبًا ، أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لِي مِنْهُمْ فَرَجًا
[ ص: 665 ] وَمَخْرَجًا وَأَنْ يُرِيحَنِي مِنْهُمْ عَاجِلًا ، وَلَوْلَا مَا أُحَاوِلُ مِنَ الشَّهَادَةِ لَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَبْقَى مَعَ هَؤُلَاءِ يَوْمًا وَاحِدًا ، عَزْمُ اللَّهِ لَنَا وَلَكُمْ عَلَى تَقْوَاهُ وَهُدَاهُ ، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . وَالسَّلَامُ . فَرَدَّ عَلَيْهِ
ابْنُ عَبَّاسٍ يُسَلِّيهِ عَنِ النَّاسِ ، وَيُعَزِّيهِ فِي
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، وَيَحُثُّهُ عَلَى مُلَاطَفَةِ النَّاسِ وَالصَّبْرِ عَلَى مُسِيئِهِمْ ، فَإِنَّ ثَوَابَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى . وَقَالَ لَهُ : إِنَّ النَّاسَ رُبَّمَا تَثَاقَلُوا ثُمَّ نَشَطُوا ، فَارْفُقْ بِهِمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . ثُمَّ رَكِبَ
ابْنُ عَبَّاسٍ مِنَ
الْبَصْرَةِ إِلَى
عَلِيٍّ ، وَهُوَ
بِالْكُوفَةِ ، وَاسْتَخْلَفَ
ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى
الْبَصْرَةِ زِيَادًا . وَفِي هَذَا الْعَامِ بَعَثَ
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ كِتَابًا مَعَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْحَضْرَمِيِّ إِلَى
أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِقْرَارِ بِمَا حَكَمَ لَهُ بِهِ
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، فَلَمَّا قَدِمَهَا نَزَلَ عَلَى
بَنِي تَمِيمٍ فَأَجَارُوهُ ، فَنَهَضَ إِلَيْهِ
زِيَادٌ وَبَعَثَ إِلَيْهِ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَعْيَنَ بْنَ ضُبَيْعَةَ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ ، فَثَارُوا إِلَيْهِمْ فَاقْتَتَلُوا فَقُتِلَ
أَعْيَنُ بْنُ ضُبَيْعَةَ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ الَّتِي بَعَثَهَا
عَلِيٌّ ، فَكَتَبَ نَائِبُ
ابْنِ عَبَّاسٍ زِيَادٌ إِلَى
عَلِيٍّ يُعْلِمُهُ بِمَا وَقَعَ
بِالْبَصْرَةِ مِنَ الْمُخَالَفَةِ بَعْدَ خُرُوجِ
ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْهَا ، فَبَعَثَ عِنْدَ ذَلِكَ
عَلِيٌّ جَارِيَةَ بْنَ قُدَامَةَ التَّمِيمِيَّ فِي خَمْسِينَ رَجُلًا إِلَى قَوْمِهِ
بَنِي [ ص: 666 ] تَمِيمٍ ، وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا إِلَيْهِمْ ، فَرَجَعَ أَكْثَرُهُمْ عَنِ
ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَقَصَدَهُ
جَارِيَةُ فَحَصَرَهَ فِي دَارٍ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مَعَهُ - قِيلَ : كَانَ عَدَدُهُمْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا . وَقِيلَ : سَبْعِينَ - فَحَرَّقَهُمْ بِالنَّارِ ، بَعْدَ أَنْ أَعْذَرَ إِلَيْهِمْ وَأَنْذَرَهُمْ ; فَلَمْ يَقْبَلُوا وَلَمْ يَرْجِعُوا عَمَّا جَاءُوا لَهُ مِنْ جِهَةِ
مُعَاوِيَةَ .