[ ص: 5 ] ذكر علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه وما ورد في ذلك وفي فضله من الأحاديث النبوية ، وما في ذلك من دلائل النبوة وآيات المعجزة مقتل أمير المؤمنين
كان أمير المؤمنين ، رضي الله عنه ، قد انتقضت عليه الأمور ، واضطربت عليه الأحوال ، وخالفه جيشه من أهل العراق وغيرهم ، ونكلوا عن القيام معه ، واستفحل أمر أهل الشام وصالوا وجالوا يمينا وشمالا زاعمين أن الأمر لمعاوية ; بمقتضى حكم الحكمين في خلعهما عليا وتولية عمرو بن العاص معاوية عند خلو الإمرة عن أحد ، وقد كان أهل الشام بعد التحكيم يسمون معاوية الأمير ، وكلما ازداد أهل الشام قوة ضعف جأش أهل العراق ووهنوا ، هذا وأميرهم علي بن أبي طالب خير أهل الأرض في ذلك الزمان ، فهو أعبدهم وأزهدهم ، وأعلمهم وأخشاهم لله ، عز وجل ، ومع هذا كله خذلوه وتخلوا [ ص: 6 ] عنه ، وقد كان يعطيهم العطاء الكثير والمال الجزيل ، فلا زال هذا دأبهم معه حتى كره الحياة وتمنى الموت ; وذلك لكثرة الفتن وظهور المحن ، فكان يكثر أن يقول : ماذا يحبس أشقاها - أي ما ينتظر - ما له لا يقتل ؟ ثم يقول : والله لتخضبن هذه - ويشير إلى لحيته - من هذه . ويشير إلى هامته . كما قال : ، عن البيهقي ، عن الحاكم الأصم ، عن ، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني أبو الجواب الأحوص بن جواب ، ثنا عمار بن رزيق ، عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ثعلبة بن يزيد قال : قال علي : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه - للحيته من رأسه - فما يحبس أشقاها ؟ فقال عبد الله بن سبع : والله يا أمير المؤمنين لو أن رجلا فعل ذلك لأبرنا عترته . فقال : أنشدكم بالله أن يقتل بي غير قاتلي . فقالوا : يا أمير المؤمنين ، ألا تستخلف ؟ فقال : لا ولكني أترككم كما ترككم رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالوا : فما تقول لربك إذا لقيته وقد تركتنا هملا ؟ قال : أقول : اللهم استخلفتني فيهم ما بدا لك ، ثم قبضتني وتركتك فيهم ، فإن شئت أصلحتهم ، وإن شئت أفسدتهم . فيه ضعف في بعض ألفاظه . [ ص: 7 ]
طريق أخرى قال في " مسنده " : ثنا أبو داود الطيالسي شريك ، عن عثمان بن المغيرة ، عن قال : جاء رأس زيد بن وهب الخوارج إلى علي فقال له : اتق الله فإنك ميت . فقال : لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، ولكن مقتول من ضربة على هذه تخضب هذه - وأشار بيده إلى لحيته - عهد معهود ، وقضاء مقضي وقد خاب من افترى .
طريق أخرى عنه قال : ثنا الحافظ أبو يعلى ، ثنا سويد بن سعيد ، عن رشدين بن سعد ، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة عثمان بن صهيب ، عن أبيه قال : قال علي قال : فكان يقول : وددت أنه قد انبعث أشقاكم فيخضب هذه من هذه . يعني لحيته من دم رأسه . قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أشقى الأولين " ؟ قلت : عاقر الناقة . قال : " صدقت ، فمن أشقى الآخرين ؟ " قلت : لا علم لي يا رسول الله . قال : " الذي يضربك على هذه " . وأشار بيده على يافوخه .
طريق أخرى عن علي ، رضي الله عنه : قال : حدثنا الإمام أحمد ، ثنا وكيع الأعمش عن ، عن سالم بن أبي الجعد عبد الله بن سبع قال : [ ص: 8 ] سمعت عليا يقول : لتخضبن هذه من هذه فما ينتظر بي الأشقى ؟ فقالوا : يا أمير المؤمنين ، أخبرنا به نبير عترته . قال : إذا تالله تقتلون بي غير قاتلي ! قالوا : فاستخلف علينا . قال : لا ، ولكن أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالوا : فما تقول لربك إذا أتيته ؟ قال : أقول : اللهم تركتني فيهم ما بدا لك ، ثم قبضتني إليك وأنت فيهم ، فإن شئت أصلحتهم ، وإن شئت أفسدتهم .
وقال : حدثنا الإمام أحمد أسود بن عامر ، ثنا أبو بكر ، عن الأعمش عن سلمة بن كهيل ، عن عبد الله بن سبع قال : خطبنا علي فقال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه . قال : فقال الناس : فأعلمنا من هو ، والله لنبيدنه أو لنبيدن عترته . قال : أنشدكم بالله أن يقتل غير قاتلي . قالوا : إن كنت قد علمت ذلك فاستخلف إذا . قال : لا ، ولكن أكلكم إلى ما وكلكم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم . تفرد به أحمد .
طريق أخرى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : قال : حدثنا الإمام أحمد ، ثنا هاشم بن القاسم - عن محمد - يعني ابن راشد عبد الله [ ص: 9 ] بن محمد بن عقيل ، عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري - وكان أبو فضالة من أهل بدر - قال : خرجت مع أبي عائدا لعلي بن أبي طالب من مرض أصابه ثقل منه . قال : فقال له أبي : ما يقيمك بمنزلك هذا ؟ لو أصابك أجلك لم يلك إلا أعراب جهينة ، تحمل إلى المدينة ، فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا عليك . فقال علي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي ألا أموت حتى أؤمر ثم تخضب هذه - يعني لحيته - من دم هذه . يعني هامته ، قال : فقتل وقتل أبو فضالة مع علي يوم صفين . تفرد به أحمد أيضا . وقد رواه في " الدلائل " عن البيهقي ، عن الحاكم الأصم ، عن الحسن بن مكرم ، عن به . أبي النضر هاشم بن القاسم
طريق أخرى عنه : قال : في " مسنده " : حدثنا الحافظ أبو بكر البزار أحمد بن أبان القرشي ، ثنا سفيان بن عيينة ، ثنا كوفي يقال له : عبد الملك بن أعين . عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : قال لي وقد وضعت رجلي في غرز الركاب : لا تأت عبد الله بن سلام العراق ; فإنك إن أتيتها أصابك بها ذباب السيف . قال : وايم الله لقد قالها ، ولقد قالها النبي صلى الله عليه وسلم لي قبله . قال أبو الأسود : فقلت : تالله ما رأيت رجلا محاربا يحدث بهذا غيرك . ثم قال البزار : لا نعلم رواه إلا علي بن أبي طالب بهذا [ ص: 10 ] الإسناد ، ولا نعلم رواه إلا عبد الملك بن أعين ، عن أبي حرب ، ولا رواه عنه إلا ابن عيينة . هكذا قال ، وقد رأيت من الطرق المتعددة خلاف ذلك . وقال بعد ذكره طرفا من هذه الطرق : وقد روينا في كتاب " السنن " بإسناد صحيح عن البيهقي ، عن زيد بن أسلم أبي سنان الدؤلي ، عن علي في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بقتله .
حديث آخر في ذلك قال أخبرني الخطيب البغدادي علي بن القاسم البصري ، ثنا علي بن إسحاق المادرائي ، أنا ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ، ثنا إسماعيل بن أبان الوراق ناصح ، أبو عبد الله المحلمي ، عن سماك ، عن قال جابر بن سمرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : " من أشقى الأولين ؟ " قال : عاقر الناقة . قال : " فمن أشقى الآخرين ؟ " قال : الله ورسوله أعلم . قال : " قاتلك " .
حديث آخر في معنى ذلك : روى من طريق البيهقي فطر بن خليفة وعبد العزيز بن سياه ، كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ثعلبة الحماني قال : سمعت عليا على المنبر وهو يقول : والله إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي قال البخاري : " إن الأمة ستغدر بك بعدي " . ثعلبة بن يزيد الحماني في [ ص: 11 ] حديثه نظر .
قال : وقد رويناه بإسناد آخر عن البيهقي علي إن كان محفوظا ; أخبرنا أبو علي الروذباري ، أنا أبو محمد بن شوذب الواسطي بها ، ثنا شعيب بن أيوب ، ثنا ، عن عمرو بن عون هشيم ، عن إسماعيل بن سالم عن أبي إدريس الأزدي ، عن علي قال : إن مما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الأمة ستغدر بك بعدي " . : فإن صح فيحتمل أن يكون المراد به ، والله أعلم ، في خروج من خرج عليه في إمارته ثم في قتله . البيهقي
وقال الأعمش عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن الحارث ، عن زهير بن الأقمر قال : خطبنا علي يوم جمعة فقال : نبئت أن بسرا قد طلع اليمن ، وإني والله لأحسب أن هؤلاء القوم سيظهرون عليكم ، وما يظهرون عليكم إلا بعصيانكم إمامكم وطاعتهم إمامهم ، وخيانتكم وأمانتهم ، وإفسادكم [ ص: 12 ] في أرضكم وإصلاحهم في أرضهم ، قد بعثت فلانا فخان وغدر ، وبعثت فلانا فخان وغدر وبعث المال إلى معاوية ، لو ائتمنت أحدكم على قدح لأخذ علاقته ، اللهم سئمتهم وسئموني وكرهتهم وكرهوني ، اللهم فأرحهم مني وأرحني منهم . قال : فما صلى الجمعة الأخرى حتى قتل ، رضي الله عنه وأرضاه .