وهذه جد خلفاء مروان بن الحكم بني أمية الذين كانوا بعده ترجمة
هو . وهو صحابي عند طائفة كثيرة ; لأنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى عنه في حديث صلح مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي ، أبو عبد الملك ، ويقال : أبو الحكم . ويقال : أبو القاسم الحديبية ، وفي رواية في " صحيح " ، عن البخاري مروان ، الحديث بطوله . وروى عن والمسور بن مخرمة عمر ، وعثمان ، وكان كاتبه ، وعلي ، وزيد بن ثابت ، وبسرة بنت صفوان الأسدية ، وكانت حماته . وقال : كانت خالته . ولا منافاة بين كونها حماته وخالته . وروى عنه ابنه الحاكم أبو أحمد عبد الملك ، ، وسهل بن سعد ، وسعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وعلي بن الحسين زين العابدين ومجاهد وغيرهم .
قال الواقدي ومحمد بن سعد : أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يحفظ عنه شيئا ، وكان عمره ثماني سنين حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم . وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين . وقد كان مروان من سادات قريش وفضلائها .
[ ص: 707 ] روى وغيره أن ابن عساكر عمر بن الخطاب خطب امرأة إلى أمها ، فقال : إن يخطب إليكم جريرا البجلي أسلم ، وهو سيد شباب المشرق ، ، وهو سيد شباب ومروان بن الحكم قريش ، ، وهو من قد علمتم ، وعبد الله بن عمر وعمر . فقالت المرأة : أجاد يا أمير المؤمنين ؟ قال : نعم . قالت : قد زوجناك يا أمير المؤمنين .
وقد كان عثمان بن عفان يكرمه ويعظمه ، وكان كاتب الحكم بين يديه ، ومن تحت رأسه جرت قضية الدار ، وبسببه حصر عثمان فيها ، وألح عليه أولئك أن يسلمه إليهم ، فامتنع عثمان أشد الامتناع ، وقد قاتل مروان يوم الدار قتالا شديدا ، وقتل بعض أولئك الخوارج ، وكان على الميسرة يوم الجمل ، ويقال : إنه رمى طلحة بسهم في ركبته ، فقتله . فالله أعلم .
وقال ابن عبد الحكم : سمعت يقول : كان الشافعي علي يوم الجمل حين انهزم الناس يكثر السؤال عن مروان ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنه تعطفني عليه رحم ماسة ، وهو سيد من شباب قريش .
وقال ابن المبارك ، عن جرير بن حازم ، عن ، عن عبد الملك بن عمير قبيصة بن جابر ، أنه قال لمعاوية : من ترى لهذا الأمر من بعدك ؟ فقال : وأما القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، الشديد في حدود الله ، [ ص: 708 ] فمروان بن الحكم . وقد استنابه على المدينة غير مرة ، يعزله ثم يعيده إليها ، وأقام للناس الحج في سنين متعددة .
وقال حنبل عن قال : يقال : إنه كان عند الإمام أحمد مروان قضاء ، وكان يتبع قضاء عمر بن الخطاب .
وقال ابن وهب : سمعت يقول وذكر مالكا مروان يوما ، فقال : قال مروان : قرأت كتاب الله منذ أربعين سنة ، ثم أصبحت فيما أنا فيه من هراقة الدماء وهذا الشأن .
وقال إسماعيل بن عياش ، عن ، عن صفوان بن عمرو شريح بن عبيد وغيره قال : كان مروان إذا ذكر الإسلام قال :
بنعمة ربي لا بما قدمت يدي ولا ببراتي إنني كنت خاطئا
وقال الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن ، أنه قال : شهد سالم أبي النضر مروان جنازة ، فلما صلى عليها انصرف ، فقال : أصاب قيراطا وحرم قيراطا . فأخبر بذلك أبو هريرة مروان ، فأقبل يجري قد بدت ركبتاه ، فقعد [ ص: 709 ] حتى أذن له .وروى المدائني عن إبراهيم بن محمد ، عن ، أن جعفر بن محمد مروان كان أسلف علي بن الحسين حين رجع إلى المدينة بعد مقتل أبيه ستة آلاف دينار ، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه عبد الملك أن لا يسترجع من علي بن الحسين شيئا ، فبعث إليه عبد الملك بذلك ، فامتنع من قبولها ، فألح عليه فقبلها .
وقال : أنبأنا الشافعي حاتم بن إسماعيل ، عن ، عن أبيه ، أن جعفر بن محمد الحسن والحسين كانا يصليان خلف مروان ولا يعيدانها ، ويعتدان بها .
وقد روى عبد الرزاق عن الثوري ، عن ، عن قيس بن مسلم قال : أول من قدم الخطبة على الصلاة يوم العيد طارق بن شهاب مروان ، فقال له رجل : خالفت السنة . فقال له مروان : إنه قد ترك ما هنالك . فقال أبو سعيد : أما هذا فقد قضى ما عليه ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " .
قالوا : ولما كان نائبا بالمدينة كان إذا وقعت معضلة جمع من عنده من الصحابة ، فاستشارهم فيها . قالوا : وهو الذي جمع الصيعان ، فأخذ بأعدلها ، فنسب إليه الصاع ، فقيل : صاع مروان .
[ ص: 710 ] وقال الزبير بن بكار : حدثنا إبراهيم بن حمزة ، حدثني علي بن أبي علي اللهبي ، عن إسماعيل بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه قال : خرج من عند أبو هريرة مروان ، فلقيه قوم قد خرجوا من عنده فقالوا : إنه أشهدنا الآن على مائة رقبة أعتقها الساعة . قال : فغمز يدي ، وقال : يا أبو هريرة أبا سعيد ، يك من كسب طيب خير من مائة رقبة . قال الزبير : اليك : الواحد .
وقال : حدثنا الإمام أحمد ، ثنا جرير ، عن عثمان بن أبي شيبة الأعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا بلغ بنو أبي فلان ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا ، ودين الله دخلا ، وعباد الله خولا " .
ورواه أبو يعلى ، عن زكريا بن يحيى زحمويه ، عن صالح بن عمر ، عن مطرف ، عن عطية ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين اتخذوا دين الله دخلا ، وعباد الله خولا ، ومال الله دولا " . وقد رواه ، عن الطبراني أحمد بن عبد الوهاب ، عن أبي المغيرة ، عن أبي بكر بن أبي مريم ، عن ، عن راشد بن سعد أبي ذر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا بلغ بنو أمية أربعين رجلا " . وذكره ، وهذا منقطع . ورواه العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن من قوله : أبي هريرة " إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا " فذكره .
[ ص: 711 ] ورواه وغيره من حديث البيهقي ابن لهيعة ، عن أبي قبيل ، عن ابن موهب ، عن معاوية ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " وعبد الله بن عباس بنو الحكم ثلاثين اتخذوا مال الله بينهم دولا ، وعباد الله خولا ، وكتاب الله دغلا ، فإذا بلغوا ستة وتسعين وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة " . إذا بلغ فقال : " أبو الجبابرة الأربعة عبد الملك بن مروان " . وهذه الطرق كلها ضعيفة . وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر
وروى أبو يعلى وغيره ، من غير وجه عن العلاء ، عن أبيه ، عن ، أبي هريرة بني الحكم ينزون على منبره ويرقون ، فأصبح كالمتغيظ ، وقال : " رأيت بني الحكم ينزون على منبري نزو القردة " . فما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا بعد ذلك حتى مات . ورواه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أن الثوري ، عن علي بن زيد ، عن مرسلا ، وفيه : فأوحي إليه : إنما هي دنيا أعطوها . فقرت عينه . وهي قوله : سعيد بن المسيب وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس [ الإسراء : 60 ] . يعني بلاء للناس وهذا مرسل ، وسنده إلى سعيد ضعيف . وقد ورد في هذا المعنى أحاديث كثيرة موضوعة ، فلهذا أضربنا صفحا عن إيرادها لعدم صحتها .
وقد كان أبوه الحكم من أكبر أعداء النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما أسلم يوم الفتح ، [ ص: 712 ] وقدم الحكم المدينة ثم طرده النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ، ومات بها ، ومروان كان أكبر الأسباب في حصار عثمان ، لأنه زور على لسانه كتابا إلى مصر بقتل أولئك الوفد ، ولما كان متوليا على المدينة لمعاوية كان يسب عليا كل جمعة على المنبر ، وقال له الحسن بن علي : لقد لعن الله أباك الحكم وأنت في صلبه على لسان نبيه ، فقال : " " والله أعلم . لعن الله الحكم وما ولد
وقد تقدم أن لما قدم عليه حسان بن مالك بن بحدل مروان أرض الجابية ، أعجبه إتيانه إليه ، فبايعه ، وبايع له أهل الأردن على أنه إذا انتظم له الأمر نزل عن الإمرة لخالد بن يزيد ، ويكون لمروان إمرة حمص ، نيابة ولعمرو بن سعيد دمشق .
وكانت البيعة لمروان يوم الاثنين للنصف من ذي القعدة سنة أربع وستين . قاله الليث بن سعد وغيره .
وقال الليث : وكانت وقعة مرج راهط في ذي الحجة ، من هذه السنة بعد عيد النحر بيومين .
قالوا : فغلب الضحاك بن قيس ، واستوسق له ملك الشام ومصر ، فلما [ ص: 713 ] استقر ملكه في هذه البلاد بايع من بعده لولده عبد الملك ، ثم من بعده لولده عبد العزيز - والد عمر بن عبد العزيز - وترك البيعة ; لأنه كان لا يراه أهلا للخلافة ، ووافقه على ذلك لخالد بن يزيد بن معاوية حسان بن مالك ، وإن كان خالا لخالد بن يزيد ، وهو الذي قام بأعباء بيعة عبد الملك ، ثم إن أم خالد دبرت أمر مروان فسمته ، ويقال : بل وضعت على وجهه وهو نائم وسادة ، فمات مخنوقا ، ثم إنها أعلنت الصراخ هي وجواريها وصحن : مات أمير المؤمنين فجأة . فقام من بعده ولده في الخلافة ، كما سنذكره . عبد الملك بن مروان
وقال عبد الله بن أبي مذعور : حدثني بعض أهل العلم قال : كان آخر ما تكلم به مروان : وجبت الجنة لمن خاف النار . وكان نقش خاتمه : العزة لله .
وقال الأصمعي : حدثنا عدي بن أبي عمارة ، عن أبيه ، عن حرب بن زياد قال : كان نقش خاتم آمنت بالعزيز الرحيم . مروان بن الحكم
وكانت وفاته بدمشق عن إحدى - وقيل : ثلاث - وستين سنة .
وقال أبو معشر وغير واحد : كان عمره يوم توفي إحدى وثمانين سنة .
وقال خليفة : حدثني الوليد بن هشام ، عن أبيه ، عن جده قال : مات [ ص: 714 ] مروان بدمشق لثلاث خلون من شهر رمضان سنة خمس وستين ، وهو ابن ثلاث وستين وصلى عليه ابنه عبد الملك ، وكانت ولايته تسعة أشهر وثمانية عشر يوما . وقال غيره : عشرة أشهر .
وقال ابن أبي الدنيا وغيره : كان قصيرا ، أحمر الوجه ، أوقص ، دقيق العنق ، كبير الرأس واللحية ، وكان يلقب : خيط باطل .
قال : وذكر الحافظ ابن عساكر ، أن سعيد بن كثير بن عفير مروان مات حين انصرف من مصر بالصنبرة ، ويقال : بلد . وقد قيل : إنه مات بدمشق ، ودفن بين باب الجابية وباب الصغير .