[ ص: 296 ] ثم دخلت سنة ثمانين من الهجرة النبوية 
فيها كان السيل الجحاف بمكة ;  لأنه حجف على كل شيء مر به ، وحمل الحجاج  من بطن مكة  والجمال بما عليها ، والرجال والنساء لا يستطيع أحد أن ينقذهم منه ، وبلغ الماء إلى الحجون وغرق خلق كثير ، وقيل : إنه ارتفع حتى كاد أن يغطي البيت ، والله أعلم . 
وحكى ابن جرير  عن الواقدي  أنه قال : كان بالبصرة  في هذه السنة الطاعون الجارف . فالله أعلم . والمشهور أنه كان في سنة تسع وستين ، كما تقدم . 
وفيها قطع  المهلب بن أبي صفرة  نهر بلخ  ، وأقام بكش  سنتين صابرا مصابرا للأعداء من الأتراك ،  وجرت له معهم هناك فصول يطول ذكرها ، وقدم عليه في غبون هذه المدة كتاب ابن الأشعث  بخلعه الحجاج  ، فبعثه المهلب  برمته إلى الحجاج  حتى قرأه ، ثم كان ما سيأتي بيانه وتفصيله فيما بعد من حروب ابن الأشعث    . 
وفي هذه السنة جهز الحجاج  الجيوش من البصرة  والكوفة  وغيرهما ; لقتال   [ ص: 297 ] رتبيل  ملك الترك ;  ليقتصوا منه ما كان من قتل جيش عبيد الله بن أبي بكرة  في السنة الماضية ، فجهز أربعين ألفا من كل من المصرين عشرين ألفا ، وأمر على الجميع  عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث  مع أنه كان الحجاج  يبغضه جدا ، حتى إنه كان يقول : ما رأيته قط إلا هممت بقتله . 
ودخل ابن الأشعث  يوما على الحجاج  وعنده عامر الشعبي  ، فقال : انظر إلى مشيته ، والله لقد هممت أن أضرب عنقه . فأسرها الشعبي  إلى ابن الأشعث  ، فقال ابن الأشعث    : وأنا والله لأجهدن أن أزيله عن سلطانه إن طال بي وبه البقاء . 
والمقصود أن الحجاج  أخذ في استعراض هذه الجيوش ، وبذل فيهم العطاء ، ثم اختلف رأيه فيمن يؤمر عليهم ، ثم وقع اختياره على  عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث  ، فقدمه عليهم ، فأتى عمه إسماعيل بن الأشعث  ، فقال  للحجاج    : إني أخاف أن تؤمره فلا يرى لك طاعة إذا جاوز جسر الفرات    . فقال : ليس هو هنالك ، هو لي أهيب ، ومني أرهب أن يخالف أمري ، أو يخرج عن طاعتي ، فأمضاه عليهم ، فسار ابن الأشعث  بالجيوش نحو أرض رتبيل  ، فلما بلغ رتبيل  مجيء ابن الأشعث  بالجنود إليه كتب إليه رتبيل  يعتذر مما أصاب المسلمين في بلاده في السنة الماضية ، وأنه كان لذلك كارها ،   [ ص: 298 ] وأنهم ألجئوه إلى قتالهم ، وسأل من ابن الأشعث  أن يصالحه ، وأن يبذل للمسلمين الخراج ، فلم يجبه ابن الأشعث  إلى ذلك ، وصمم على دخول بلاده ، وجمع رتبيل  جنوده ، وتهيأ له ولحربه ، وجعل ابن الأشعث  كلما دخل بلدا أو مدينة ، أو أخذ قلعة من بلاد رتبيل  استعمل عليها نائبا من جهته ، وجعل معه من يحفظها ، وجعل المسالح على كل أرض ومكان مخوف ، فاستحوذ على بلاد ومدن كثيرة من بلاد رتبيل  ، وغنم أموالا كثيرة جزيلة ، وسبى خلقا كثيرة ، ثم حبس الناس عن التوغل في بلاد رتبيل  حتى يصلحوا ما بأيديهم من البلاد ، ويتقووا بما فيها من المغلات والحواصل ، ثم يتقدموا في العام المقبل إلى أعدائهم ، فلا يزالون يجوزون الأراضي والأقاليم حتى يحاصروهم في مدينتهم - مدينة العظماء - على الكنوز والأموال والذراري حتى يغنموها ، ثم يقتلون مقاتلتهم ، وعزموا على ذلك ، وكان هذا هو الرأي . 
وكتب ابن الأشعث  إلى الحجاج  يخبره بما وقع من الفتح ، وما صنع الله لهم ، وبهذا الرأي الذي رآه لهم ، وقال بعضهم : كان الحجاج  قد وجه هميان بن عدي السدوسي  إلى كرمان  مسلحة لأهلها ; ليمد عامل سجستان  والسند إن احتاجا إلى ذلك ، فعصى هميان  ومن معه ، فوجه الحجاج  إليه ابن الأشعث  ، فهزمه وأقام بمن معه . 
 [ ص: 299 ] ومات عبيد الله بن أبي بكرة  ، فكتب الحجاج  إلى ابن الأشعث  بإمرة سجستان  مكان ابن أبي بكرة   ، وجهز إلى ابن الأشعث  جيشا أنفق عليه ألفي ألف سوى أعطياتهم ، وكان يدعى هذا الجيش جيش الطواويس ، وأمره بالإقدام على رتبيل  ، فكان من أمره معه ما تقدم . 
قال الواقدي  ، و أبو معشر    : وحج بالناس في هذه السنة  أبان بن عثمان    . وقال غيرهما : بل حج بهم سليمان بن عبد الملك    . وكان على الصائفة في هذه السنة  الوليد بن عبد الملك  ، وعلى المدينة  أبان بن  عثمان ، وعلى المشرق بكماله الحجاج  ، وعلى قضاء الكوفة  أبو بردة بن أبي موسى  ، وعلى قضاء البصرة  موسى بن أنس بن مالك  
				
						
						
