وقد سئل : ما يوسف وسوقها مساقا واحدا في موضع واحد دون غيرها من القصص ؟ وأجيب بوجوه . الحكمة في عدم تكرير قصة
أحدها : أن فيها تشبيب النسوة به ، وحال امرأة ونسوة افتتنوا بأبدع الناس جمالا ، فناسب عدم تكرارها لما فيه من الإغضاء والستر ، وقد صحح الحاكم في مستدركه حديث النهي عن تعليم النساء سورة يوسف .
ثانيها : أنها اختصت بحصول الفرج بعد الشدة بخلاف غيرها من القصص ، فإن مآلها إلى الوبال ، كقصة إبليس ، وقوم نوح وهود وصالح وغيرهم ، فلما اختصت بذلك اتفقت الدواعي على نقلها لخروجها عن سمت القصص .
ثالثها : قال الأستاذ : إنما كرر الله قصص الأنبياء ، وساق قصة أبو إسحاق الإسفراييني يوسف مساقا واحدا إشارة إلى عجز العرب ، كأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم : إن كان من تلقاء نفسي فافعلوا في قصة يوسف ما فعلت في سائر القصص .
قلت : وظهر لي جواب رابع ؛ وهو أن سورة يوسف نزلت بسبب طلب الصحابة أن [ ص: 113 ] يقص عليهم ، كما رواه الحاكم في مستدركه فنزلت مبسوطة تامة ليحصل لهم مقصود القصص من استيعاب القصة ، وترويح النفس بها ، والإحاطة بطرفيها .
وجواب خامس : وهو أقوى ما يجاب به : إن قصص الأنبياء إنما كررت لأن المقصود بها إفادة إهلاك من كذبوا رسلهم ، والحاجة داعية إلى ذلك لتكرير تكذيب الكفار للرسول صلى الله عليه وسلم ، فكلما كذبوا نزلت قصة منذرة بحلول العذاب كما حل على المكذبين ؛ ولهذا قال تعالى في آيات : فقد مضت سنة الأولين [ الأنفال : 38 ] ، ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن [ الأنعام : 6 ] ، وقصة يوسف لم يقصد منها ذلك ، وبهذا أيضا يحصل الجواب عن حكمة عدم تكرير قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين وقصة موسى مع الخضر وقصة الذبيح .
فإن قلت : قد تكررت قصة ولادة يحيى وولادة عيسى مرتين ، وليس من قبيل ما ذكرت .
قلت : الأولى في سورة ( كهيعص ) ، وهي مكية ، أنزلت خطابا لأهل مكة ، والثانية في سورة آل عمران ، وهي مدنية ، أنزلت خطابا لليهود ولنصارى نجران حين قدموا ؛ ولهذا اتصل بها ذكر المحاجة والمباهلة .