[ ص: 224 ] فصل .  
من هذا النوع  مناسبة فواتح السور وخواتمها ،   وقد أفردت فيه جزءا لطيفا سميته مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع .  
وانظر إلى  سورة القصص   كيف بدئت بأمر  موسى   ونصرته ، وقوله  فلن أكون ظهيرا للمجرمين      [ القصص : 17 ] . وخروجه من وطنه ، وختمت بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يكون ظهيرا للكافرين ، وتسليته عن إخراجه من  مكة ،   ووعده بالعود إليها لقوله في أول السورة  إنا رادوه      [ القصص : 7 ] .  
قال   الزمخشري     :  وقد جعل الله فاتحة سورة  قد أفلح المؤمنون   وأورد في خاتمتها  إنه لا يفلح الكافرون       [ المؤمنون : 117 ] . فشتان ما بين الفاتحة والخاتمة .  
وذكر  الكرماني  في العجائب مثله . وقال : في سورة ( ص ) بدأها بالذكر وختمها به في قوله :  إن هو إلا ذكر للعالمين      [ ص : 87 ] .  
وفي  سورة ( ن ) بدأها بقوله  ما أنت بنعمة ربك بمجنون   وختمها بقوله :  إنه لمجنون       [ القلم : 2 ، 51 ] . ومنه مناسبة فاتحة السورة لخاتمة ما قبلها ، حتى إن منها ما يظهر تعلقها به لفظا ، كما في  فجعلهم كعصف مأكول      [ الفيل : 5 ] .  لإيلاف قريش      [ قريش : 1 ] . فقد قال  الأخفش     : اتصالها بها من باب  فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا      [ القصص : 8 ] .  
وقال  الكواشي  في تفسير المائدة : لما  ختم سورة النساء أمر بالتوحيد والعدل بين العباد أكد ذلك بقوله  ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود       [ المائدة : 1 ] .  
 [ ص: 225 ] وقال غيره : إذا اعتبرت افتتاح كل سورة وجدته في غاية المناسبة لما ختم به السورة قبلها ، ثم هو يخفى تارة ويظهر أخرى ،  كافتتاح سورة الأنعام بالحمد ، فإنه مناسب لختام المائدة من فصل القضاء   ، كما قال تعالى :  وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين      [ الزمر : 75 ] .  
وكافتتاح سورة فاطر بالحمد لله ، فإنه مناسب لختام ما قبلها من قوله :  وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل       [ سبأ : 54 ] . كما قال تعالى  فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين      [ الأنعام : 45 ] .  
وكافتتاح سورة الحديد بالتسبيح فإنه مناسب لختام سورة الواقعة بالأمر به      .  وكافتتاح سورة البقرة بقوله  الم ذلك الكتاب   فإنه إشارة إلى الصراط في قوله  اهدنا الصراط المستقيم    كأنهم لما سألوا الهداية إلى الصراط ، قيل لهم : ذلك الصراط الذي سألتم الهداية إليه هو الكتاب ، وهذا معنى حسن يظهر فيه  ارتباط سورة البقرة بالفاتحة      .  
ومن لطائف سورة الكوثر   أنها كالمقابلة للتي قبلها ، لأن السابقة وصف الله فيها المنافق بأربعة أمور : البخل ، وترك الصلاة ، والرياء فيها ، ومنع الزكاة ، فذكر فيها في مقابلة البخل  إنا أعطيناك الكوثر   أي : الخير الكثير ، وفي مقابلة ترك الصلاة : فصل أي : دم عليها ، وفي مقابلة الرياء : لربك أي : لرضاه لا للناس وفي مقابلة منع الماعون : وانحر وأراد به التصدق بلحم الأضاحي .  
وقال بعضهم : لترتيب وضع السور في المصحف أسباب تطلع على أنه توقيفي صادر عن حكيم .  
أحدها : بحسب الحروف كما في الحواميم .  
الثاني : الموافقة أول السورة لآخر ما قبلها كآخر الحمد في المعنى وأول البقرة .  
الثالث : للتوازن في اللفظ ، كآخر تبت وأول الإخلاص .  
الرابع : لمشابهة جملة السورة لجملة الأخرى كالضحى و  ألم نشرح      .  
 [ ص: 226 ] قال بعض الأئمة :  وسورة الفاتحة تضمنت الإقرار بالربوبية والالتجاء إليه في دين الإسلام ،   والصيانة عن دين اليهودية والنصرانية .  
وسورة البقرة : تضمنت قواعد الدين      .  
وآل عمران : مكملة لمقصودها ، فالبقرة بمنزلة إقامة الدليل على الحكم وآل عمران بمنزلة الجواب عن شبهات الخصوم ، ولهذا ورد فيها ذكر المتشابه لما تمسك به  النصارى ،   وأوجب الحج في آل عمران ، وأما في البقرة فذكر أنه مشروع وأمر بإتمامه بعد الشروع فيه .  
وكان خطاب  النصارى   في آل عمران أكثر ، كما أن خطاب  اليهود   في البقرة أكثر لأن التوراة أصل ، والإنجيل فرع لها ، والنبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى  المدينة   دعا  اليهود   وجاهدهم . وكان جهاده  للنصارى   في آخر الأمر كما كان دعاؤه لأهل الشرك قبل أهل الكتاب .  
ولهذا كانت السور المكية فيها الدين الذي اتفق عليه الأنبياء ، فخوطب به جميع الناس ، والسور المدنية فيها خطاب من أقر بالأنبياء من أهل الكتاب والمؤمنين ، فخوطبوا بيا أهل الكتاب ، يا بني إسرائيل ، يا أيها الذين آمنوا .  
وأما  سورة النساء : فتضمنت أحكام الأسباب التي بين الناس ،   وهي نوعان : مخلوقة لله ، ومقدورة لهم كالنسب والصهر ، ولهذا افتتحت بقوله :  اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها   ثم قال  واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام      . فانظر هذه المناسبة العجيبة في الافتتاح وبراعة الاستهلال حيث تضمنت الآية المفتتح بها ما أكثر السورة في أحكامه : من نكاح النساء ومحرماته ، والمواريث المتعلقة بالأرحام ، وأن ابتداء هذا الأمر كان بخلق آدم ، ثم خلق زوجه منه ، ثم بث منهما رجالا كثيرا ونساء في غاية الكثرة .  
وأما  المائدة فسورة العقود تضمنت بيان تمام الشرائع ،   ومكملات الدين والوفاء بعهود الرسل ، وما أخذ على الأمة ، وبها تم الدين ، فهي سورة التكميل; لأن فيها تحريم الصيد على المحرم الذي هو من تمام الإحرام ، وتحريم الخمر الذي هو من تمام حفظ العقل والدين ، وعقوبة المعتدين من السراق والمحاربين الذي هو من تمام حفظ الدماء والأموال ، وإحلال الطيبات الذي هو من تمام عبادة الله تعالى ، ولهذا ذكر فيها ما يختص بشريعة  محمد   صلى الله عليه وسلم كالوضوء والتيمم والحكم بالقرآن على كل دين ، ولهذا أكثر فيها من لفظ الإكمال والإتمام ، وذكر فيها أن من ارتد عوض الله بخير منه ، ولا يزال هذا الدين كاملا ، ولهذا ورد أنها آخر ما نزل لما فيها من إشارات الختم والتمام . وهذا الترتيب بين هذه السور الأربع المدنيات من أحسن الترتيب .  
 [ ص: 227 ] وقال  أبو جعفر بن الزبير     : حكى  الخطابي  أن الصحابة لما اجتمعوا على القرآن ، وضعوا سورة القدر عقب العلق ، استدلوا بذلك على أن المراد بها الكناية في قوله :  إنا أنزلناه في ليلة القدر   الإشارة إلى قوله :  فإذا قرأت      .  
قال   القاضي أبو بكر بن العربي     : وهذا بديع جدا .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					