فصل .
قال في البرهان : ومن ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=28900افتتاح السور بالحروف المقطعة ، واختصاص كل واحدة بما بدئت به حتى لم يكن لترد الم في موضع الر ولا حم في موضع طس .
قال : وذلك أن كل سورة بدئت بحرف منها ، فإن أكثر كلماتها وحروفها مماثل له ، فحق لكل سورة منها أن لا يناسبها غير الواردة فيها ، فلو وضع ( ق ) موضع ( ن ) لعدم التناسب الواجب مراعاته في كلام الله ، وسورة ( ق ) بدئت به لما تكرر فيها من الكلمات بلفظ القاف ، من ذكر القرآن والخلق وتكرير القول ومراجعته مرارا ، والقرب من ابن آدم ، وتلقي الملكين ، وقول العتيد ، والرقيب ، والسائق ، والإلقاء في جهنم ، والتقدم بالوعد ، وذكر المتقين ، والقلب ، والقرون ، والتنقيب في البلاد وتشقق الأرض ، وحقوق الوعيد ، وغير ذلك .
وقد
nindex.php?page=treesubj&link=28900_28981تكرر في سورة يونس من الكلم الواقع فيها الراء مائتا كلمة أو أكثر ، فلهذا افتتحت ب الر nindex.php?page=treesubj&link=28900واشتملت سورة ( ص ) على خصومات متعددة ، فأولها خصومة النبي صلى الله عليه وسلم مع الكفار ، وقولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أجعل الآلهة إلها واحدا [ ص : 5 ] . ثم اختصام الخصمين عند
داود ، ثم تخاصم أهل النار ، ثم اختصام الملأ الأعلى ثم تخاصم إبليس في شأن
آدم ، ثم في شأن بنيه وإغوائهم .
و ( الم ) جمعت المخارج الثلاثة : الحلق واللسان والشفتين على ترتيبها وذلك إشارة إلى البداية التي هي بدء الخلق ، والنهاية التي هي بدء الميعاد ، والوسط الذي هو المعاش من التشريع بالأوامر والنواهي ،
nindex.php?page=treesubj&link=29568_28900وكل سورة افتتحت بها فهي مشتملة على الأمور الثلاثة .
وسورة الأعراف زيد فيها الصاد على ( الم ) لما فيها من شرح القصص ، قصة
آدم فمن بعده من الأنبياء ، ولما فيها من ذكر :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=2فلا يكن في صدرك حرج ولهذا قال
[ ص: 228 ] بعضهم : معنى المص :
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1ألم نشرح لك صدرك وزيد في الرعد راء لأجل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=2رفع السماوات [ 2 ] . ولأجل ذكر الرعد والبرق وغيرهما .
واعلم أن عادة القرآن العظيم في ذكر هذه الحروف أن يذكر بعدها ما يتعلق بالقرآن كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم ذلك الكتاب [ البقرة ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=1الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق [ آل عمران ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=1المص كتاب أنزل إليك [ الأعراف ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=1الر تلك آيات الكتاب [ الحجر ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=1طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى [ طه ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=1طس تلك آيات القرآن [ النمل ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=1يس والقرآن .
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1ص والقرآن .
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=1حم تنزيل الكتاب [ الجاثية ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=1ق والقرآن إلا ثلاث سور : العنكبوت ، والروم ، و [ ن ] ، ليس فيها ما يتعلق به وقد ذكرت حكمة ذلك في أسرار التنزيل .
وقال
الحراني في معنى حديث :
أنزل القرآن على سبعة أحرف : زاجر ، وآمر ، وحلال ، وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ، وأمثال .
اعلم أن القرآن منزل عند انتهاء الخلق ، وكمال كل الأمر ، بدأ فكان المتحلي به جامعا لانتهاء كل خلق ، وكمال كل أمر ، فلذلك هو صلى الله عليه وسلم قسيم الكون وهو الجامع الكامل ولذلك كان خاتما ، وكتابه كذلك ، وبدأ المعاد من حين ظهوره ، فاستوفي في صلاح هذه الجوامع الثلاث التي قد خلت في الأولين بداياتها ، وتمت عنده غاياتها :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979753بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وهي صلاح الدنيا والدين والمعاد التي جمعها عليه الصلاة والسلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979754اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي .
[ ص: 229 ] وفي كل صلاح إقدام وإحجام ، فتصير الثلاثة الجوامع ستة هي حروف القرآن الستة ، ثم وهب حرفا جامعا سابعا فردا لا زوج له فتمت سبعة .
فأدنى تلك الحروف هو حرفا صلاح الدنيا فلها حرفان : حرف الحرام الذي لا تصلح النفس والبدن إلا بالتطهر منه لبعده عن تقويمها ، والثاني حرف الحلال الذي تصلح النفس والبدن عليه لموافقته تقويمها ، وأصل هذين الحرفين في التوراة وتمامهما في القرآن .
ويلي ذلك حرفا صلاح المعاد ، أحدهما : حرف الزجر والنهي الذي لا تصلح الآخرة إلا بالتطهر منه لبعده عن حسناتها ، والثاني : حرف الأمر الذي تصلح الآخرة عليه لتقاضيه لحسناتها . وأصل هذين الحرفين في الإنجيل ، وتمامهما في القرآن .
ويلي ذلك حرفا صلاح الدين : أحدهما حرف المحكم الذي بان للعبد فيه خطاب ربه .
والثاني حرف المتشابه الذي لا يتبين للعبد فيه خطاب ربه من جهة قصور عقله عن إدراكه . فالحروف الخمسة للاستعمال ، وهذا الحرف السادس للوقوف والاعتراف بالعجز ، وأصل هذين الحرفين في الكتب المتقدمة كلها وتمامهما في القرآن ،
nindex.php?page=treesubj&link=29568_28900ويختص القرآن بالحرف السابع الجامع ، وهو حرف المثل المبين للمثل الأعلى ، ولما كان هذا الحرف هو الحمد افتتح الله به أم القرآن ، وجمع فيها جوامع الحروف السبعة التي بثها في القرآن ، فالآية الأولى تشتمل على حرف الحمد السابع .
والثانية تشتمل على حرفي الحلال والحرام اللذين أقامت الرحمانية بهما الدنيا والرحيمية الآخرة .
والثالثة : تشتمل على أمر الملك القيم على حرفي الأمر والنهي اللذين يبدأ أمرهما في الدين .
والرابعة تشتمل على حرفي المحكم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد والمتشابه في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5وإياك نستعين ولما افتتح أم القرآن بالسابع الجامع الموهوب ابتدئت البقرة بالسادس المعجوز عنه ، وهو المتشابه .
انتهى كلام
الحراني والمقصود منه هو الأخير ، وبقيته ينبو عنه السمع وينفر منه
[ ص: 230 ] القلب ، ولا تميل إليه النفس ، وأنا أستغفر الله من حكايته على أني أقول في مناسبة ابتداء البقرة ب الم أحسن مما قال ، وهو أنه لما ابتدئت الفاتحة بالحرف المحكم الظاهر لكل أحد ، حيث لا يعذر أحد في فهمه ، ابتدئت البقرة بمقابله ، وهو الحرف المتشابه البعيد التأويل أو المستحيله .
فَصْلٌ .
قَالَ فِي الْبُرْهَانِ : وَمِنْ ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=28900افْتِتَاحُ السُّوَرِ بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ ، وَاخْتِصَاصُ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِمَا بُدِئَتْ بِهِ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِتَرِدَ الم فِي مَوْضِعِ الر وَلَا حم فِي مَوْضِعِ طس .
قَالَ : وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ سُورَةٍ بُدِئَتْ بِحَرْفٍ مِنْهَا ، فَإِنَّ أَكْثَرَ كَلِمَاتِهَا وَحُرُوفِهَا مُمَاثِلٌ لَهُ ، فَحَقَّ لِكُلِّ سُورَةٍ مِنْهَا أَنْ لَا يُنَاسِبَهَا غَيْرُ الْوَارِدَةِ فِيهَا ، فَلَوْ وُضِعَ ( ق ) مَوْضِعَ ( ن ) لِعُدِمَ التَّنَاسُبُ الْوَاجِبُ مُرَاعَاتُهُ فِي كَلَامِ اللَّهِ ، وَسُورَةُ ( ق ) بُدِئَتْ بِهِ لَمَّا تَكَرَّرَ فِيهَا مِنَ الْكَلِمَاتِ بِلَفْظِ الْقَافِ ، مِنْ ذِكْرِ الْقُرْآنِ وَالْخَلْقِ وَتَكْرِيرِ الْقَوْلِ وَمُرَاجَعَتِهِ مِرَارًا ، وَالْقُرْبِ مِنَ ابْنِ آدَمَ ، وَتَلَقِّي الْمَلَكَيْنِ ، وَقَوْلِ الْعَتِيدِ ، وَالرَّقِيبِ ، وَالسَّائِقِ ، وَالْإِلْقَاءِ فِي جَهَنَّمَ ، وَالتَّقَدُّمِ بِالْوَعْدِ ، وَذِكْرِ الْمُتَّقِينَ ، وَالْقَلْبِ ، وَالْقُرُونِ ، وَالتَّنْقِيبِ فِي الْبِلَادِ وَتَشَقِّقِ الْأَرْضِ ، وَحُقُوقِ الْوَعِيدِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=28900_28981تَكَرَّرَ فِي سُورَةِ يُونُسَ مِنَ الْكَلِمِ الْوَاقِعِ فِيهَا الرَّاءُ مِائَتَا كَلِمَةٍ أَوْ أَكْثَرُ ، فَلِهَذَا افْتُتِحَتْ بِ الر nindex.php?page=treesubj&link=28900وَاشْتَمَلَتْ سُورَةُ ( ص ) عَلَى خُصُومَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ ، فَأَوَّلُهَا خُصُومَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْكُفَّارِ ، وَقَوْلُهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا [ ص : 5 ] . ثُمَّ اخْتِصَامُ الْخَصْمَيْنِ عِنْدَ
دَاوُدَ ، ثُمَّ تُخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ، ثُمَّ اخْتِصَامُ الْمَلَأِ الْأَعْلَى ثُمَّ تُخَاصُمُ إِبْلِيسَ فِي شَأْنِ
آدَمَ ، ثُمَّ فِي شَأْنِ بَنِيهِ وَإِغْوَائِهِمْ .
وَ ( الم ) جَمَعَتِ الْمَخَارِجَ الثَّلَاثَةَ : الْحَلْقَ وَاللِّسَانَ وَالشَّفَتَيْنِ عَلَى تَرْتِيبِهَا وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْبِدَايَةِ الَّتِي هِيَ بَدْءُ الْخَلْقِ ، وَالنِّهَايَةِ الَّتِي هِيَ بَدْءُ الْمِيعَادِ ، وَالْوَسَطِ الَّذِي هُوَ الْمَعَاشُ مِنَ التَّشْرِيعِ بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي ،
nindex.php?page=treesubj&link=29568_28900وَكُلُّ سُورَةٍ افْتُتِحَتْ بِهَا فَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ .
وَسُورَةُ الْأَعْرَافِ زِيدَ فِيهَا الصَّادُ عَلَى ( الم ) لِمَا فِيهَا مِنْ شَرْحِ الْقَصَصِ ، قِصَّةِ
آدَمَ فَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَلِمَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=2فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ وَلِهَذَا قَالَ
[ ص: 228 ] بَعْضُهُمْ : مَعْنَى المص :
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَزِيدَ فِي الرَّعْدِ رَاءً لِأَجْلِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=2رَفَعَ السَّمَاوَاتِ [ 2 ] . وَلِأَجْلِ ذِكْرِ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَغَيْرِهِمَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ عَادَةَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْحُرُوفِ أَنْ يَذْكُرَ بَعْدَهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم ذَلِكَ الْكِتَابُ [ الْبَقَرَةِ ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=1الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [ آلِ عِمْرَانَ ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=1المص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ [ الْأَعْرَافِ ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=1الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ [ الْحِجْرِ ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=1طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [ طه ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=1طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ [ النَّمْلِ ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=1يس وَالْقُرْآنِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1ص وَالْقُرْآنِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=1حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ [ الْجَاثِيَةِ ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=1ق وَالْقُرْآنِ إِلَّا ثَلَاثَ سُوَرٍ : الْعَنْكَبُوتِ ، وَالرُّومِ ، وَ [ ن ] ، لَيْسَ فِيهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَقَدْ ذَكَرْتُ حِكْمَةَ ذَلِكَ فِي أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ .
وَقَالَ
الْحَرَّانِيُّ فِي مَعْنَى حَدِيثِ :
أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ : زَاجِرٍ ، وَآمِرٍ ، وَحَلَّالٍ ، وَحَرَامٍ ، وَمُحْكَمٍ ، وَمُتَشَابِهٍ ، وَأَمْثَالٍ .
اعْلَمْ أَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْخَلْقِ ، وَكَمَالِ كُلِّ الْأَمْرِ ، بَدَأَ فَكَانَ الْمُتَحَلِّي بِهِ جَامِعًا لِانْتِهَاءِ كُلِّ خَلْقٍ ، وَكَمَالِ كُلِّ أَمْرٍ ، فَلِذَلِكَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسِيمُ الْكَوْنِ وَهُوَ الْجَامِعُ الْكَامِلُ وَلِذَلِكَ كَانَ خَاتِمًا ، وَكِتَابُهُ كَذَلِكَ ، وَبَدَأَ الْمَعَادُ مِنْ حِينِ ظُهُورِهِ ، فَاسْتُوفِيَ فِي صَلَاحِ هَذِهِ الْجَوَامِعِ الثَّلَاثِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي الْأَوَّلِينَ بِدَايَاتُهَا ، وَتَمَّتْ عِنْدَهُ غَايَاتُهَا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979753بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَهِيَ صَلَاحُ الدُّنْيَا وَالدِّينِ وَالْمَعَادِ الَّتِي جَمَعَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979754اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادِي .
[ ص: 229 ] وَفِي كُلِّ صَلَاحٍ إِقْدَامٌ وَإِحْجَامٌ ، فَتَصِيرُ الثَّلَاثَةُ الْجَوَامِعُ سِتَّةً هِيَ حُرُوفُ الْقُرْآنِ السِّتَّةُ ، ثُمَّ وَهَبَ حَرْفًا جَامِعًا سَابِعًا فَرْدًا لَا زَوْجَ لَهُ فَتَمَّتْ سَبْعَةً .
فَأَدْنَى تِلْكَ الْحُرُوفِ هُوَ حَرْفَا صَلَاحِ الدُّنْيَا فَلَهَا حَرْفَانِ : حَرْفُ الْحَرَامِ الَّذِي لَا تَصْلُحُ النَّفْسُ وَالْبَدَنُ إِلَّا بِالتَّطَهُّرِ مِنْهُ لِبُعْدِهِ عَنْ تَقْوِيمِهَا ، وَالثَّانِي حَرْفُ الْحَلَالِ الَّذِي تَصْلُحُ النَّفْسُ وَالْبَدَنُ عَلَيْهِ لِمُوَافَقَتِهِ تَقْوِيمَهَا ، وَأَصْلُ هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ فِي التَّوْرَاةِ وَتَمَامُهُمَا فِي الْقُرْآنِ .
وَيْلِي ذَلِكَ حَرْفَا صَلَاحِ الْمَعَادِ ، أَحَدُهُمَا : حَرْفُ الزَّجْرِ وَالنَّهْيِ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْآخِرَةُ إِلَّا بِالتَّطَهُّرِ مِنْهُ لِبُعْدِهِ عَنْ حَسَنَاتِهَا ، وَالثَّانِي : حَرْفُ الْأَمْرِ الَّذِي تَصْلُحُ الْآخِرَةُ عَلَيْهِ لِتَقَاضِيهِ لِحَسَنَاتِهَا . وَأَصْلُ هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ فِي الْإِنْجِيلِ ، وَتَمَامُهُمَا فِي الْقُرْآنِ .
وَيْلِي ذَلِكَ حَرْفَا صَلَاحِ الدِّينِ : أَحَدُهُمَا حَرْفُ الْمُحْكَمِ الَّذِي بَانَ لِلْعَبْدِ فِيهِ خِطَابُ رَبِّهِ .
وَالثَّانِي حَرْفُ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يَتَبَيَّنُ لِلْعَبْدِ فِيهِ خِطَابُ رَبِّهِ مِنْ جِهَةِ قُصُورِ عَقْلِهِ عَنْ إِدْرَاكِهِ . فَالْحُرُوفُ الْخَمْسَةُ لِلِاسْتِعْمَالِ ، وَهَذَا الْحَرْفُ السَّادِسُ لِلْوُقُوفِ وَالِاعْتِرَافِ بِالْعَجْزِ ، وَأَصْلُ هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ كُلِّهَا وَتَمَامُهُمَا فِي الْقُرْآنِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29568_28900وَيَخْتَصُّ الْقُرْآنُ بِالْحَرْفِ السَّابِعِ الْجَامِعِ ، وَهُوَ حَرْفُ الْمَثَلِ الْمُبَيِّنِ لِلْمَثَلِ الْأَعْلَى ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْحَرْفُ هُوَ الْحَمْدُ افْتَتَحَ اللَّهُ بِهِ أُمَّ الْقُرْآنِ ، وَجَمَعَ فِيهَا جَوَامِعَ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ الَّتِي بَثَّهَا فِي الْقُرْآنِ ، فَالْآيَةُ الْأُولَى تَشْتَمِلُ عَلَى حَرْفِ الْحَمْدِ السَّابِعِ .
وَالثَّانِيَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى حَرْفَيِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ اللَّذَيْنِ أَقَامَتِ الرَّحْمَانِيَّةُ بِهِمَا الدُّنْيَا وَالرَّحِيمِيَّةُ الْآخِرَةَ .
وَالثَّالِثَةُ : تَشْتَمِلُ عَلَى أَمْرِ الْمَلِكِ الْقَيِّمِ عَلَى حَرْفَيِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ اللَّذَيْنِ يَبْدَأُ أَمْرُهُمَا فِي الدِّينِ .
وَالرَّابِعَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى حَرْفَيِ الْمُحْكَمِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَالْمُتَشَابِهِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وَلَمَّا افْتَتَحَ أُمَّ الْقُرْآنِ بِالسَّابِعِ الْجَامِعِ الْمَوْهُوبِ ابْتُدِئَتِ الْبَقَرَةُ بِالسَّادِسِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ ، وَهُوَ الْمُتَشَابِهُ .
انْتَهَى كَلَامُ
الْحَرَّانِيِّ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ هُوَ الْأَخِيرُ ، وَبَقِيَّتُهُ يَنْبُو عَنْهُ السَّمْعُ وَيَنْفِرُ مِنْهُ
[ ص: 230 ] الْقَلْبُ ، وَلَا تَمِيلُ إِلَيْهِ النَّفْسُ ، وَأَنَا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ حِكَايَتِهِ عَلَى أَنِّي أَقُولُ فِي مُنَاسَبَةِ ابْتِدَاءِ الْبَقَرَةِ بِ الم أَحْسَنَ مِمَّا قَالَ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ابْتُدِئَتِ الْفَاتِحَةُ بِالْحَرْفِ الْمُحْكَمِ الظَّاهِرِ لِكُلِّ أَحَدٍ ، حَيْثُ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي فَهْمِهِ ، ابْتُدِئَتِ الْبَقَرَةُ بِمُقَابِلِهِ ، وَهُوَ الْحَرْفُ الْمُتَشَابِهُ الْبَعِيدُ التَّأْوِيلِ أَوِ الْمُسْتَحِيلُهُ .