[ ص: 426 ] النوع السابع والسبعون في معرفة تفسيره وتأويله وبيان شرفه والحاجة إليه .
التفسير : تفعيل من الفسر وهو البيان والكشف . ويقال هو مقلوب السفر . تقول : أسفر الصبح : إذا أضاء .
وقيل : مأخوذ من التفسرة وهي اسم لما يعرف به الطبيب المرض .
والتأويل : أصله من الأول وهو الرجوع ، فكأنه صرف الآية إلى ما تحتمله من المعاني . وقيل : من الإيالة ، وهي السياسة كأن المؤول للكلام ساس الكلام ، ووضع المعنى فيه موضعه .
واختلف في التفسير والتأويل .
فقال
أبو عبيد وطائفة : هما بمعنى .
وقد أنكر ذلك قوم حتى بالغ
nindex.php?page=showalam&ids=13056ابن حبيب النيسابوري فقال : قد نبغ في زماننا مفسرون لو سئلوا عن
nindex.php?page=treesubj&link=28956الفرق بين التفسير والتأويل ما اهتدوا إليه .
وقال
الراغب : التفسير أعم من التأويل ، وأكثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها ، وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل ، وأكثر ما يستعمل في الكتب الإلهية ، والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها .
[ ص: 427 ] وقال غيره : التفسير بيان لفظ لا يحتمل إلا وجها واحدا ، والتأويل توجيه لفظ متوجه إلى معان مختلفة إلى واحد منها ، بما ظهر من الأدلة .
وقال
الماتريدي : التفسير القطع على أن المراد من اللفظ هذا ، والشهادة على الله أنه عنى باللفظ هذا ، فإن قام دليل مقطوع به فصحيح ، وإلا فتفسير بالرأي ، وهو المنهي عنه . والتأويل : ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة على الله .
وقال
أبو طالب التغلبي : التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازا ، كتفسير الصراط بالطريق ، والصيب بالمطر . والتأويل : تفسير باطن اللفظ ، مأخوذ من الأول وهو الرجوع لعاقبة الأمر ، فالتأويل إخبار عن حقيقة المراد ، والتفسير إخبار عن دليل المراد; لأن اللفظ يكشف عن المراد ، والكاشف دليل ، مثاله قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إن ربك لبالمرصاد [ الفجر : 4 ] تفسيره : أنه من الرصد ، يقال : رصدته رقبته ، والمرصاد مفعال منه .
وتأويله : التحذير من التهاون بأمر الله ، والغفلة عن الأهبة ، والاستعداد للعرض عليه .
وقواطع الأدلة تقتضي بيان المراد منه على خلاف وضع اللفظ في اللغة .
وقال
الأصبهاني في تفسيره : اعلم أن التفسير في عرف العلماء كشف معاني القرآن وبيان المراد أعم من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره ، وبحسب المعنى الظاهر وغيره . والتأويل أكثره في الجمل .
والتفسير : إما أن يستعمل في غريب الألفاظ ، نحو البحيرة والسائبة والوصيلة ، أو في وجيز يتبين بشرح نحو : أقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وإما في كلام متضمن لقصة لا يمكن تصويره إلا بمعرفتها كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=37إنما النسيء زيادة في الكفر [ التوبة : 37 ] . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى [ البقرة : 189 ] .
وأما التأويل : فإنه يستعمل مرة عاما ، ومرة خاصا نحو : الكفر المستعمل تارة في الجحود المطلق ، وتارة في جحود البارئ عز وجل خاصة . والإيمان المستعمل في التصديق المطلق تارة ، وفي تصديق الحق أخرى . وإما في لفظ مشترك بين معان مختلفة ، نحو لفظ ( وجد ) المستعمل في الجدة والوجد والوجود .
وقال غيره : التفسير يتعلق بالرواية والتأويل يتعلق بالدراية .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12851أبو نصر القشيري : التفسير مقصور على الاتباع والسماع ، والاستنباط مما يتعلق بالتأويل .
[ ص: 428 ] وقال قوم : ما وقع مبينا في كتاب الله ومعينا في صحيح السنة سمي تفسيرا ، لأن معناه قد ظهر ووضح ، وليس لأحد أن يتعرض إليه باجتهاد ولا غيره ، بل يحمله على المعنى الذي ورد لا يتعداه .
والتأويل : ما استنبطه العلماء العالمون لمعاني الخطاب ، الماهرون في آلات العلوم .
وقال قوم منهم
البغوي والكواشي : التأويل : صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وما بعدها ، تحتمله الآية ، غير مخالف للكتاب والسنة من طريق الاستنباط .
وقال بعضهم : التفسير في الاصطلاح علم نزول الآيات وشؤونها وأقاصيصها ، والأسباب النازلة فيها ، ثم ترتيب مكيها ومدنيها ، ومحكمها ومتشابهها ، وناسخها ومنسوخها ، وخاصها وعامها ، ومطلقها ومقيدها ، ومجملها ومفسرها ، وحلالها وحرامها ، ووعدها ووعيدها ، وأمرها ونهيها ، وعبرها وأمثالها .
وقال
أبو حيان : التفسير : علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبية ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك .
قال : فقولنا ( علم ) : جنس .
وقولنا : ( يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ) هو علم القراءة .
وقولنا : ( ومدلولاتها ) أي : مدلولات تلك الألفاظ ، وهذا متن علم اللغة الذي يحتاج إليه في هذا العلم .
وقولنا : ( وأحكامها الإفرادية والتركيبية ) هذا يشمل علم التصريف والبيان والبديع .
وقولنا : ( ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب ) يشمل ما دلالته بالحقيقة ، وما دلالته بالمجاز ، فإن التركيب قد يقتضي بظاهره شيئا ، ويصد عن الحمل عليه صاد ، فيحمل على غيره ، وهو المجاز .
وقولنا : ( وتتمات لذلك ) هو مثل معرفة النسخ ، وسبب النزول ، وقصة توضح بعض ما أبهم في القرآن ، ونحو ذلك .
وقال
الزركشي : التفسير : علم يفهم به كتاب الله المنزل على نبيه
محمد صلى الله عليه وسلم وبيان
[ ص: 429 ] معانيه واستخراج أحكامه وحكمه ، واستمداد ذلك من علم اللغة والنحو والتصريف ، وعلم البيان ، وأصول الفقه ، والقراءات ، ويحتاج لمعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ .
[ ص: 426 ] النَّوْعُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ فِي مَعْرِفَةِ تَفْسِيرِهِ وَتَأْوِيلِهِ وَبَيَانِ شَرَفِهِ وَالْحَاجَةِ إِلَيْهِ .
التَّفْسِيرُ : تَفْعِيلٌ مِنَ الْفَسْرِ وَهُوَ الْبَيَانُ وَالْكَشْفُ . وَيُقَالَ هُوَ مَقْلُوبٌ السَّفَرِ . تَقُولُ : أَسْفَرَ الصُّبْحُ : إِذَا أَضَاءَ .
وَقِيلَ : مَأْخُوذٌ مِنَ التَّفْسِرَةِ وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يَعْرِفُ بِهِ الطَّبِيبُ الْمَرَضِ .
وَالتَّأْوِيلُ : أَصْلُهُ مِنَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الرُّجُوعُ ، فَكَأَنَّهُ صَرَفَ الْآيَةَ إِلَى مَا تَحْتَمِلُهُ مِنَ الْمَعَانِي . وَقِيلَ : مِنَ الْإِيَالَةِ ، وَهِيَ السِّيَاسَةُ كَأَنَّ الْمُؤَوِّلَ لِلْكَلَامِ سَاسَ الْكَلَامَ ، وَوَضَعَ الْمَعْنَى فِيهِ مَوْضِعَهُ .
وَاخْتُلِفَ فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ .
فَقَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ وَطَائِفَةٍ : هُمَا بِمَعْنًى .
وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ قَوْمٌ حَتَّى بَالَغَ
nindex.php?page=showalam&ids=13056ابْنُ حَبِيبٍ النَّيْسَابُورِيُّ فَقَالَ : قَدْ نَبَغَ فِي زَمَانِنَا مُفَسِّرُونَ لَوْ سُئِلُوا عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28956الْفَرْقِ بَيْنَ التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ مَا اهْتَدَوْا إِلَيْهِ .
وَقَالَ
الرَّاغِبُ : التَّفْسِيرُ أَعَمُّ مِنَ التَّأْوِيلِ ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْأَلْفَاظِ وَمُفْرَدَاتِهَا ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعَانِي وَالْجُمَلِ ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ ، وَالتَّفْسِيرُ يُسْتَعْمَلُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا .
[ ص: 427 ] وَقَالَ غَيْرُهُ : التَّفْسِيرُ بَيَانُ لَفْظٍ لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا وَجْهًا وَاحِدًا ، وَالتَّأْوِيلُ تَوْجِيهُ لَفْظٍ مُتَوَجِّهٍ إِلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهَا ، بِمَا ظَهَرَ مِنَ الْأَدِلَّةِ .
وَقَالَ
الْمَاتُرِيدِيُّ : التَّفْسِيرُ الْقَطْعُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ اللَّفْظِ هَذَا ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ عَنَى بِاللَّفْظِ هَذَا ، فَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ فَصَحِيحٌ ، وَإِلَّا فَتَفْسِيرٌ بِالرَّأْيِ ، وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ . وَالتَّأْوِيلُ : تَرْجِيحُ أَحَدِ الْمُحْتَمِلَاتِ بِدُونِ الْقَطْعِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى اللَّهِ .
وَقَالَ
أَبُو طَالِبٍ التَّغْلِبِيُّ : التَّفْسِيرُ بَيَانُ وَضْعِ اللَّفْظِ إِمَّا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا ، كَتَفْسِيرِ الصِّرَاطِ بِالطَّرِيقِ ، وَالصَّيِّبِ بِالْمَطَرِ . وَالتَّأْوِيلُ : تَفْسِيرُ بَاطِنِ اللَّفْظِ ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الرُّجُوعُ لِعَاقِبَةِ الْأَمْرِ ، فَالتَّأْوِيلُ إِخْبَارٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْمُرَادِ ، وَالتَّفْسِيرُ إِخْبَارٌ عَنْ دَلِيلِ الْمُرَادِ; لِأَنَّ اللَّفْظَ يَكْشِفُ عَنِ الْمُرَادِ ، وَالْكَاشِفُ دَلِيلٌ ، مِثَالُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [ الْفَجْرَ : 4 ] تَفْسِيرُهُ : أَنَّهُ مِنَ الرَّصْدِ ، يُقَالَ : رَصَدْتُهُ رَقَبْتُهُ ، وَالْمِرْصَادُ مِفْعَالٌ مِنْهُ .
وَتَأْوِيلُهُ : التَّحْذِيرُ مِنَ التَّهَاوُنِ بِأَمْرِ اللَّهِ ، وَالْغَفْلَةِ عَنِ الْأُهْبَةِ ، وَالِاسْتِعْدَادِ لِلْعَرْضِ عَلَيْهِ .
وَقَوَاطِعُ الْأَدِلَّةِ تَقْتَضِي بَيَانَ الْمُرَادِ مِنْهُ عَلَى خِلَافِ وَضْعِ اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ .
وَقَالَ
الْأَصْبِهَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ : اعْلَمْ أَنَّ التَّفْسِيرَ فِي عُرْفِ الْعُلَمَاءِ كَشْفُ مَعَانِي الْقُرْآنِ وَبَيَانُ الْمُرَادِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِحَسَبِ اللَّفْظِ الْمُشْكَلِ وَغَيْرِهِ ، وَبِحَسَبِ الْمَعْنَى الظَّاهِرِ وَغَيْرِهِ . وَالتَّأْوِيلُ أَكْثَرُهُ فِي الْجُمَلِ .
وَالتَّفْسِيرُ : إِمَّا أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي غَرِيبِ الْأَلْفَاظِ ، نَحْوَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ ، أَوْ فِي وَجِيزٍ يَتَبَيَّنُ بِشَرْحٍ نَحْوَ : أَقِيمُوا الصَّلَاةَ ، وَآتَوُا الزَّكَاةَ ، وَإِمَّا فِي كَلَامٍ مُتَضَمِّنٍ لِقِصَّةٍ لَا يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ إِلَّا بِمَعْرِفَتِهَا كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=37إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ [ التَّوْبَةِ : 37 ] . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى [ الْبَقَرَةِ : 189 ] .
وَأَمَّا التَّأْوِيلُ : فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ مَرَّةً عَامًا ، وَمَرَّةً خَاصًّا نَحْوَ : الْكُفْرُ الْمُسْتَعْمَلُ تَارَةً فِي الْجُحُودِ الْمُطْلَقِ ، وَتَارَةً فِي جُحُودِ الْبَارِئِ عَزَّ وَجَلَّ خَاصَّةً . وَالْإِيمَانُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي التَّصْدِيقِ الْمُطْلَقِ تَارَةً ، وَفِي تَصْدِيقِ الْحَقِّ أُخْرَى . وَإِمَّا فِي لَفْظٍ مُشْتَرِكٍ بَيْنَ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ ، نَحْوَ لَفْظِ ( وَجَدَ ) الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْجِدَّةِ وَالْوَجْدِ وَالْوُجُودِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ : التَّفْسِيرُ يَتَعَلَّقُ بِالرِّوَايَةِ وَالتَّأْوِيلِ يَتَعَلَّقُ بِالدِّرَايَةِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12851أَبُو نَصْرٍ الْقُشَيْرِيُّ : التَّفْسِيرُ مَقْصُورٌ عَلَى الِاتِّبَاعِ وَالسَّمَاعِ ، وَالِاسْتِنْبَاطُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالتَّأْوِيلِ .
[ ص: 428 ] وَقَالَ قَوْمٌ : مَا وَقَعَ مُبِينًا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَمُعَيَّنًا فِي صَحِيحِ السُّنَّةِ سُمِّيَ تَفْسِيرًا ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ قَدْ ظَهَرَ وَوَضَحَ ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَرَّضَ إِلَيْهِ بِاجْتِهَادٍ وَلَا غَيْرِهِ ، بَلْ يَحْمِلُهُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَرَدَ لَا يَتَعَدَّاهُ .
وَالتَّأْوِيلُ : مَا اسْتَنْبَطَهُ الْعُلَمَاءُ الْعَالِمُونَ لِمَعَانِي الْخِطَابِ ، الْمَاهِرُونَ فِي آلَاتِ الْعُلُومِ .
وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمُ
الْبَغْوَيُّ وَالْكَوَاشِيُّ : التَّأْوِيلُ : صَرْفُ الْآيَةِ إِلَى مَعْنَى مُوَافِقٍ لِمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا ، تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ ، غَيْرَ مُخَالِفٍ لِلْكِتَابِ وَالسَّنَةِ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : التَّفْسِيرُ فِي الِاصْطِلَاحِ عِلْمُ نُزُولِ الْآيَاتِ وَشُؤُونِهَا وَأَقَاصِيصِهَا ، وَالْأَسْبَابِ النَّازِلَةِ فِيهَا ، ثُمَّ تَرْتِيبِ مَكِّيِّهَا وَمَدَنِيِّهَا ، وَمُحَكِّمِهَا وَمُتَشَابِهِهَا ، وَنَاسِخِهَا وَمَنْسُوخِهَا ، وَخَاصِّهَا وَعَامِّهَا ، وَمُطْلِقِهَا وَمُقَيَّدِهَا ، وَمُجَمِّلِهَا وَمُفَسَّرِهَا ، وَحَلَالِهَا وَحَرَامِهَا ، وَوَعْدِهَا وَوَعِيدِهَا ، وَأَمْرِهَا وَنَهْيِهَا ، وَعِبَرِهَا وَأَمْثَالِهَا .
وَقَالَ
أَبُو حَيَّانَ : التَّفْسِيرُ : عِلْمٌ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَمَدْلُولَاتِهَا وَأَحْكَامِهَا الْإِفْرَادِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِيَّةِ وَمَعَانِيهَا الَّتِي تُحْمَلُ عَلَيْهَا حَالَةُ التَّرْكِيبِ وَتَتِمَّاتٍ لِذَلِكَ .
قَالَ : فَقَوْلُنَا ( عِلْمٌ ) : جِنْسٌ .
وَقَوْلُنَا : ( يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ ) هُوَ عِلْمُ الْقِرَاءَةِ .
وَقَوْلُنَا : ( وَمَدْلُولَاتِهَا ) أَيْ : مَدْلُولَاتِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ ، وَهَذَا مَتْنُ عِلْمِ اللُّغَةِ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْعِلْمِ .
وَقَوْلُنَا : ( وَأَحْكَامِهَا الْإِفْرَادِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِيَّةِ ) هَذَا يَشْمَلُ عِلْمَ التَّصْرِيفِ وَالْبَيَانِ وَالْبَدِيعِ .
وَقَوْلُنَا : ( وَمَعَانِيهَا الَّتِي تُحْمَلُ عَلَيْهَا حَالَةُ التَّرْكِيبِ ) يَشْمَلُ مَا دَلَالَتُهُ بِالْحَقِيقَةِ ، وَمَا دَلَالَتُهُ بِالْمَجَازِ ، فَإِنَّ التَّرْكِيبَ قَدْ يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ شَيْئًا ، وَيَصُدُّ عَنِ الْحَمْلِ عَلَيْهِ صَادٌّ ، فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهِ ، وَهُوَ الْمَجَازُ .
وَقَوْلُنَا : ( وَتَتِمَّاتٍ لِذَلِكَ ) هُوَ مِثْلَ مَعْرِفَةِ النَّسْخِ ، وَسَبَبِ النُّزُولِ ، وَقِصَّةٍ تُوَضِّحُ بَعْضَ مَا أُبْهِمَ فِي الْقُرْآنِ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ .
وَقَالَ
الزَّرْكَشِيُّ : التَّفْسِيرُ : عِلْمٌ يُفْهَمُ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَانَ
[ ص: 429 ] مَعَانِيهِ وَاسْتِخْرَاجِ أَحْكَامِهِ وَحِكَمِهِ ، وَاسْتِمْدَادِ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ ، وَعِلْمِ الْبَيَانِ ، وَأُصُولِ الْفِقْهِ ، وَالْقِرَاءَاتِ ، وَيَحْتَاجُ لِمَعْرِفَةِ أَسْبَابِ النُّزُولِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ .