فصل .
قال العلماء : يجب وأن يتحرز في ذلك من نقص عما يحتاج إليه في إيضاح المعنى ، أو زيادة لا تليق بالغرض ، ومن كون المفسر فيه زيغ عن المعنى ، وعدول عن طريقه . وعليه بمراعاة المعنى الحقيقي والمجازي ومراعاة التأليف ، والغرض الذي سيق له الكلام ، وأن يؤاخي بين المفردات . على المفسر أن يتحرى في التفسير مطابقة المفسر ،
ويجب عليه البداءة بالعلوم اللفظية ، وأول ما يجب البداءة به منها تحقيق الألفاظ المفردة فيتكلم عليها من جهة اللغة ، ثم التصريف ، ثم الاشتقاق ، ثم يتكلم عليها بحسب التركيب ، فيبدأ بالإعراب ، ثم بما يتعلق بالمعاني ، ثم البيان ، ثم البديع ، ثم يبين المعنى المراد ، ثم الاستنباط ، ثم الإشارة .
وقال الزركشي في أوائل البرهان : قد جرت عادة المفسرين أن يبدءوا بذكر سبب النزول ، ووقع البحث في أنه أيما أولى بالبداءة به : بتقدم السبب على المسبب ، أو بالمناسبة ، لأنها المصححة لنظم الكلام ، وهي سابقة على النزول .
قال : والتحقيق التفصيل بين أن يكون وجه المناسبة متوقفا على سبب النزول ، كآية : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها [ النساء : 58 ] . فهذا ينبغي فيه تقديم ذكر [ ص: 462 ] السبب لأنه حينئذ من باب تقديم الوسائل على المقاصد ، وإن لم يتوقف على ذلك فالأولى تقديم المناسبة .
وقال في موضع آخر : جرت عادة المفسرين ممن ذكر فضائل القرآن أن يذكرها في أول كل سورة ، لما فيها من الترغيب والحث على حفظها ، إلا فإنه يذكرها في أواخرها . الزمخشري
قال مجد الأئمة عبد الرحيم بن عمر الكرماني : سألت عن العلة في ذلك فقال : لأنها صفات لها ، والصفة تستدعي تقديم الموصوف ، وكثيرا ما يقع في كتب التفسير : حكى الله كذا فينبغي تجنبه . الزمخشري
قال الإمام في المرشد : قال معظم أئمتنا : لا يقال كلام الله يحكى ، ولا يقال : ( حكى الله ) لأن الحكاية الإتيان بمثل الشيء ، وليس لكلامه مثل . وتساهل قوم فأطلقوا لفظ الحكاية بمعنى الإخبار ، وكثيرا ما يقع في كلامهم إطلاق الزائد على بعض الحروف ، وقد مر في نوع الإعراب . أبو النصر القشيري
وعلى المفسر أن يتجنب ادعاء التكرار ما أمكنه . قال بعضهم : مما يدفع توهم التكرار في عطف المترادفين نحو : لا تبقي ولا تذر [ المدثر : 28 ] . صلوات من ربهم ورحمة [ البقرة : 157 ] . وأشباه ذلك : أن يعتقد أن مجموع المترادفين يحصل معنى لا يوجد عند انفراد أحدهما ، فإن التركيب يحدث معنى زائدا ، وإذا كانت كثرة الحروف تفيد زيادة المعنى ، فكذلك كثرة الألفاظ . انتهى .
وقال الزركشي في البرهان : ليكن محط نظر المفسر مراعاة نظم الكلام الذي سيق له وإن خالف أصل الوضع اللغوي لثبوت التجوز .
وقال في موضع آخر : على المفسر مراعاة مجازي الاستعمالات في الألفاظ التي يظن بها الترادف ، والقطع بعدم الترادف ما أمكن ، فإن للتركيب معنى غير معنى الإفراد ، ولهذا منع كثير من الأصوليين ، وقوع أحد المترادفين موقع الآخر في التركيب ، وإن اتفقوا على جوازه في الإفراد . انتهى .
[ ص: 463 ] وقال أبو حيان : كثيرا ما يشحن المفسرون تفاسيرهم عند ذكر الإعراب بعلل النحو ودلائل مسائل أصول الفقه ، ودلائل مسائل الفقه ، ودلائل أصول الدين ، وكل ذلك مقرر في تآليف هذه العلوم ، وإنما يؤخذ ذلك مسلما في علم التفسير دون استدلال عليه ، وكذلك أيضا : ذكروا أنه لا يصح من أسباب النزول وأحاديث في الفضائل ، وحكايات لا تناسب ، وتواريخ إسرائيلية ، ولا ينبغي ذكر هذا في علم التفسير .