الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( وكذلك لو باع عبدا على أن يستخدمه البائع شهرا أو دارا على [ ص: 471 ] أن يسكنها أو على أن يقرضه المشتري درهما أو على أن يهدي له هدية ) لأنه [ ص: 472 ] شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين ، ولأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع وسلف ولأنه لو كان للخدمة والسكنى يقابلهما شيء من ثمن يكون إجارة في بيع ، ولو كان لا يقابلهما يكون إعارة في بيع . وقد { نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن صفقتين في صفقة }.

                                                                                                        قال : ( ومن باع عينا على أن لا يسلمه إلى رأس الشهر فالبيع فاسد ) لأن [ ص: 473 ] الأجل في المبيع العين باطل فيكون شرطا فاسدا ، وهذا لأن الأجل شرع ترفيها فيليق بالديون دون الأعيان .

                                                                                                        قال : ( ومن اشترى جارية إلا حملها فالبيع فاسد ) والأصل أن ما لا يصح إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه من العقد والحمل من هذا القبيل ، وهذا لأنه بمنزلة أطراف الحيوان لاتصاله به خلقة وبيع الأصل يتناولهما ، فالاستثناء يكون على خلاف الموجب فلا يصح فيصير شرطا فاسدا والبيع يبطل به . والكتابة والإجارة والرهن بمنزلة البيع لأنها تبطل بالشروط الفاسدة غير أن المفسد في الكتابة ما يتمكن في صلب العقد منها والهبة والصدقة والنكاح والخلع والصلح عن دم العمد لا تبطل باستثناء الحمل بل يبطل الاستثناء ، لأن هذه العقود لا تبطل بالشروط الفاسدة ، وكذا الوصية لا تبطل به لكن يصح الاستثناء حتى يكون الحمل ميراثا والجارية وصية ، لأن الوصية أخت الميراث والميراث يجري فيما في البطن بخلاف ما إذا استثنى خدمتها لأن الميراث لا يجري فيها . [ ص: 474 ]

                                                                                                        قال : ( ومن اشترى ثوبا على أن يقطعه البائع ويخيطه قميصا أو قباء فالبيع فاسد ) لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين ولأنه يصير صفقة في صفقة على ما مر .

                                                                                                        قال : ( ومن اشترى نعلا على أن يحذوه البائع أو يشركه فالبيع فاسد ) . قال العبد الضعيف ما ذكره جواب القياس ووجهه ما بينا . وفي الاستحسان يجوز للتعامل فيه فصار كصبغ الثوب وللتعامل جوزنا الاستصناع .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثاني عشر : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وسلف }; قلت : روي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ; ومن حديث حكيم بن حزام . فحديث عبد الله بن عمرو :

                                                                                                        أخرجه أصحاب " السنن " إلا ابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { لا يحل سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع ، ولا ربح ما لم يضمن ، ولا بيع ما ليس عندك }" . انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، واختصره ابن ماجه ، فذكر منه ربح ما لم يضمن ، وبيع ما ليس عندك فقط . ولم ينصف المنذري في " مختصره " إذ عزا الحديث [ ص: 471 ] بتمامه لابن ماجه ، مع أن أصحاب الأطراف بينوه ، قال المنذري : ويشبه أن يكون الترمذي إنما صححه لتصريحه فيه بذكر عبد الله بن عمرو ، ويكون مذهبه في الامتناع من الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب إنما هو الشك في إسناده لجواز أن يكون الضمير عائدا على محمد بن عبد الله ، فإذا صرح بذكر عبد الله بن عمرو انتفى ذلك انتهى .

                                                                                                        وقال السهيلي في " الروض الأنف " : هذه رواية مستغربة جدا عند أهل الحديث ، فإن عندهم أن شعيبا إنما يروي عن جده عبد الله بن عمرو لا عن أبيه محمد ، فإن أباه محمدا مات قبل جده عبد الله انتهى .

                                                                                                        وقال ابن القطان في " كتابه " : إنما ردت أحاديث عمرو بن شعيب ، لأن الهاء من جده يحتمل أن تعود على عمرو ، فيكون الجد محمدا ، فيكون الخبر مرسلا ، أو تعود على شعيب ، فيكون الجد عبد الله ، فيكون الحديث مسندا متصلا ، لأن شعيبا سمع من جده عبد الله بن عمرو ، فإذا كان الأمر كذلك فليس لأحد أن يفسر الجد بأنه عبد الله بن عمرو إلا بحجة ، وقد يوجد ذلك في بعض الأحاديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو فيرتفع النزاع ، وقد يوجد بتكرار عن أبيه ، فيرتفع النزاع أيضا ; ومن الأحاديث ما يكون من رواية عمرو بن شعيب عن غير أبيه ، وهي أيضا صحيحة ، كحديث البلاط انتهى .

                                                                                                        ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وقال : حديث صحيح على شرط جماعة من أئمة المسلمين ، وهكذا رواه حماد بن زيد ، وعبد الوارث بن سعيد ، وداود بن أبي هند ، وعبد الملك بن أبي سليمان ، وغيرهم عن عمرو بن شعيب ، وقد رواه عطاء بن مسلم الخراساني عن عمرو بن شعيب بزيادات ألفاظ ، ثم أخرجه كذلك . طريق آخر :

                                                                                                        أخرجه النسائي في " سننه في كتاب العتق " عن عطاء الخراساني { عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : يا رسول الله إنا نسمع منك أحاديث ، أفتأذن لنا أن نكتبها ؟ قال : نعم ، فكان أول ما كتب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة : لا يجوز شرطان [ ص: 472 ] في بيع واحد ، ولا بيع وسلف جميعا ، ولا بيع ما لم يضمن ، ومن كان مكاتبا على مائة درهم فقضاها إلا عشرة دراهم ، فهو عبد ، أو على مائة أوقية فقضاها إلا أوقية ، فهو عبد }انتهى .

                                                                                                        قال النسائي : هذا خطأ ، وعطاء هذا هو الخراساني ، ولم يسمع من عبد الله بن عمرو ، ولا أعلم أحدا ذكر له سماعا منه انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع السادس والستين ، من القسم الثالث ; والحاكم في " المستدرك " ، وسكت عنه ، ورواه محمد بن الحسن في " كتاب الآثار " ، وفسره ، فقال : أما السلف والبيع ، فالرجل يقول للرجل : أبيعك عبدي هذا بكذا وكذا على أن تقرضني كذا وكذا ، وأما الشرطان في البيع ، فالرجل يبيع الشيء حالا بألف ، ومؤجلا بألفين ; وأما الربح ما لم يضمن ، فالرجل يشتري الشيء فيبيعه قبل أن يقبضه بربح ، انتهى . وأما حديث حكيم بن حزام :

                                                                                                        فرواه الطبراني في " معجمه " حدثنا أسلم بن سهل الواسطي ثنا أحمد بن إسماعيل بن سلام الواسطي ثنا موسى بن إسماعيل ثنا العلاء بن خالد الواسطي عن منصور بن زاذان عن محمد بن سيرين عن { حكيم بن حزام ، قال : نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع خصال في البيع : عن سلف وبيع ، وشرطين في بيع ، وبيع ما ليس عندك ، وربح ما لم يضمن }انتهى .

                                                                                                        والحديث في " الموطإ " بلاغ ، قال أبو مصعب : أخبرنا مالك أنه بلغه { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وسلف }انتهى .

                                                                                                        الحديث الثالث عشر : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صفقتين في صفقة }; قلت : رواه [ ص: 473 ] أحمد في " مسنده " حدثنا حسن ، وأبو النضر ، وأسود بن عامر ، قالوا : ثنا شريك عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ، قال : { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة }.

                                                                                                        قال أسود : قال شريك : قال سماك : هو أن يبيع الرجل بيعا فيقول : هو نقدا بكذا ، ونسيئة بكذا انتهى .

                                                                                                        ورواه البزار في " مسنده " عن أسود بن عامر به ; ورواه الطبراني في " معجمه الأوسط " حدثنا أحمد بن القاسم ثنا عبد الملك بن عبد ربه الطائي ثنا ابن السماك بن حرب عن أبيه مرفوعا : { لا تحل صفقتان في صفقة }انتهى .

                                                                                                        ورواه العقيلي في " ضعفائه " من حديث عمرو بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي ثنا سفيان عن سماك به مرفوعا : { الصفقة في الصفقتين ربا }انتهى .

                                                                                                        وأعله بعمرو بن عثمان هذا ، وقال : لا يتابع على رفعه ، والموقوف أولى ، ثم أخرجه من طريق أبي نعيم ثنا سفيان به موقوفا ، وهكذا رواه الطبراني في " معجمه الكبير " من طريق أبي نعيم به موقوفا ، وكذلك رواه أبو عبيد القاسم بن سلام حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان به موقوفا ، [ ص: 474 ] قال أبو عبيد : ومعنى صفقتان في صفقة أن يقول الرجل للرجل : أبيعك هذا نقدا بكذا ، ونسيئة بكذا ، ويفترقان عليه انتهى . وكذلك رواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثامن والعشرين ، من القسم الأول من حديث شعبة عن سماك به موقوفا : { الصفقة في الصفقتين ربا } ، وأعاده في النوع التاسع والمائة . من القسم الثاني كذلك ، بلفظ : { لا تحل صفقتان في صفقة } ، انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        أخرجه الترمذي ، والنسائي عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص [ ص: 475 ] عن أبي سلمة عن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، قال : وفسره بعض أهل العلم : أن يقول الرجل : أبيعك هذا الثوب نقدا بعشرة ، ونسيئة بعشرين ، ولا يفارقه على أحد البيعين ، فإذا فارقه على أحدهما فلا بأس إذا كانت العقدة على أحدهما ; وقال الشافعي : معناه أن يقول : [ ص: 476 ] أبيعك داري هذه بكذا ، على أن تبيعني غلامك بكذا ، فإذا وجب لي غلامك وجبت لك داري انتهى .

                                                                                                        والمصنف فسره بأن يقول : أبيعك عبدي هذا على أن تخدمني شهرا ، أو داري هذه على أن أسكنها شهرا ، قال : فإن الخدمة والسكنى إن كان يقابلهما شيء من الثمن يكون إجارة في بيع ، وإلا فهو إعارة في بيع ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين ، الحديث . والحديث في " الموطإ " بلاغ ، قال أبو مصعب : أخبرنا مالك أنه بلغه { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة }انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية