[ ص: 240 ] ( الباب الثاني )
( في الوضوء ) .
الفصل الأول
في فرائضه ، وهي سبعة :
: بفتح الواو الماء ، وبضمها الفعل ، وحكي عن والوضوء الخليل الفتح فيهما ، والأول الأشهر ، وكذلك الغسل ، والغسل ، والطهور ، والطهور . واشتقاقه من الوضاءة ، وهي النظافة ، والحسن ، ويقال : وجه وضيء ؛ أي : سالم مما يشينه ، ولما كان الوضوء يزيل الحدث الذي هو مانع للصلاة سمي وضوءا ، وفيه ثلاثة فصول :
الأول : الماء المطلق ، وقد تقدم تحريره .
الثاني : ، وفيها تسعة أبحاث . النية
البحث الأول : في حقيقتها ، وهي قصد الإنسان بقلبه ما يريده بفعله ، فهي من باب العزوم والإرادات ، لا من باب العلوم والاعتقادات ، والفرق بينها ، وبين الإرادة المطلقة أن الإرادة قد تتعلق بفعل الغير بخلافها كما نريد مغفرة الله جل جلاله ، وتسمى شهوة ، ولا تسمى نية ، والفرق بينها وبين العزم أن العزم تصميم على إيقاع الفعل ، والنية تمييز له ، فهي أخفض منه رتبة ، وسابقة عليه . البحث الثاني : في ، وهو القلب لأنه محل العقل ، والعلم ، والإرادة ، والميل ، والنفرة ، والاعتقاد . محلها
وروي عن عبد الملك في كتاب الجنايات أن العقل في الدماغ لا في القلب فيلزم على مذهبه أن النية في الدماغ لا في القلب ; لأن هذه الأعراض كلها أعراض النفس ، والعقل ، فحيث وجدت النفس وجد الجميع قائما بها ، فالعقل سجيتها ، والعلوم ، والإرادات صفاتها .
[ ص: 241 ] ويدل على قول مالك رحمة الله عليه قوله تعالى : ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ) ( ما كذب الفؤاد ما رأى ) ( أولئك كتب في قلوبهم الإيمان ) ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ) ( ختم الله على قلوبهم ) ولم يصف الله شيئا من هذه الأمور بالدماغ ، فدل على أن محلها القلب ، ولذلك . قال المازري : أكثر المتشرعين ، وأقل أهل الفلسفة على أن النية في القلب ، وأقل المتشرعين ، وأكثر الفلاسفة على أنها في الدماغ . البحث الثالث : في : وهو قوله تعالى : ( دليل وجوبها وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) أي : يخلصونه له دون غيره ، وهذا يدل على أن ما ليس كذلك ليس مأمورا به ، فوجب ألا يبرئ الذمة من المأمور به .
وقوله عليه السلام في مسلم : ( ) ومعنى هذا الحديث أن الأعمال معتبرة بالنيات ، فإن خبر المبتدأ محذوف ، وهذا أحسن ما قرر به ، فوجب الحمل عليه فيكون ما لا نية فيه ليس بمعتبر ، وهو المطلوب . إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ، ورسوله ، فهجرته إلى الله ، ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو امرأة يتزوجها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه
وهذا الحديث يتناول سائر الأعمال لعموم الألف واللام .
وأما آخر الحديث فمشكل لأجل أن الشرط يجب أن يكون غير المشروط ، وهنا اتحد الشرط والمشروط لأنه إعادة اللفظ بعينه .
[ ص: 242 ] وتحقيقه أن يقول : من كانت هجرته مضافة إلى الله ، ورسوله في القصد ، فهجرته موكولة إلى الله ، ورسوله في الثواب ، ومن كانت هجرته مضافة إلى دنيا يصيبها ، أو امرأة يتزوجها ، فهجرته موكولة إليها ، ومن وكل عمله إلى ما لا يصلح للجزاء عليه ، فقد خاب سعيه نسأل الله العافية من كل موبقة .
وإنما قدر موكولة ; لأن خبر المبتدأ إذا كان مجرورا لا بد من تقدير عامل فيه ، وهذا أحسن ما قدر ، فباين الشرط المشروط .
إذا تقرر ذلك فهي واجبة في الوضوء ، ونقل المازري عدم وجوبها عن مالك - رحمه الله - ، وخرج على ذلك الغسل .