الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                البحث السابع : النية على قسمين : فعلية موجودة ، وحكمية معدومة ، وكذلك الإخلاص ، والإيمان .

                                                                                                                [ ص: 249 ] فيجب على المكلف أن يعزم على طاعة الله ما دام حيا مستطيعا قبل حضورها ، وحضور أسبابها ، فإذا حضرت وجب عليه النية ، والإخلاص الفعليان في أولها ، ويكفي الحكميان في بقيتها للمشقة في استمرارها بالفعل ، وكذلك قال صاحب الطراز : لو وزن زكاته ، وعزلها للمساكين ، ثم دفعها بعد ذلك بغير نية اكتفى بالحكمية ، وأجزأت ، ولم يشترط الإيمان الفعلي في ابتدائها لصعوبة الجمع ، وأفردت النية دونه ، لأنها مستلزمة له من غير عكس .

                                                                                                                فروع ثلاثة :

                                                                                                                الأول : تكفي الحكمية بشرط عدم المنافي ، قال ابن القاسم في المدونة : إذا توضأ ، وبقيت رجلاه ، فخاض بها نهرا ، ومسح بيديه رجليه في الماء ، ولم ينو بذلك غسل رجليه لا يجزئه غسل رجليه . قال صاحب الطراز : يريد إذا قصد بذلك غير الوضوء بل إزالة القشب ، وقال صاحب النكت : معناه أنه ظن كمال وضوئه فرفض نيته ، أما لو بقي على نيته ، والنهر قريب أجزأه .

                                                                                                                قال صاحب الطراز : النية الحكمية تتناول الفعل ما لم تتناوله النية الفعلية بخصوصه ، فإن النية الخاصة به أقوى كما لو قام لركعة ، وقصد أنها خامسة ، وهي رابعة في نفس الأمر فسدت الصلاة ، أو صام يوما في الصوم المتتابع ينوي به النذر بطل التتابع .

                                                                                                                ويتخرج على هذه المسألة الخلاف الذي في صلاة من قام إلى اثنين وصلى بقية صلاته بنية النافلة ، ثم ذكر ، فعند ابن القاسم لا يجزئه ، وعند ابن المواز يجزئه سلم أو لم يسلم ; لأن النية الحكمية متحققة ، فلا تبطل إلا برفض .

                                                                                                                الثاني : إذا رفض النية الحكمية بعد كمال الطهارة : روي عن مالك - رحمه الله - أنها لا تفسد لحصول المقصود منها ، وهو التمييز حالة الفعل ، وروي عنه فسادها لأنها جزء من الطهارة ، وذهاب جزء الطهارة يفسدها قال صاحب [ ص: 250 ] النكت : إذا رفض النية في الطهارة ، أو الحج لا يضر بخلاف الصلاة ، والصوم ، والفرق أن المراد بالنية التمييز ، وهما متميزان بمكانهما ، وهو الأعضاء في الوضوء ، والأماكن المخصوصة في الحج ، فكان استغناؤها عن النية أكثر ، ولم يؤثر الرفض فيهما بخلاف الصوم ، والصلاة .

                                                                                                                الثالث : قال المازري - رحمه الله - : تكفي النية الحكمية في العمل المتصل ، فلو نسي عضوا ، وطال ذلك افتقر إلى تجديد النية ، فإن الاكتفاء بالحكمية على خلاف الأصل فيقتصر فيها العمل المتصل ، وكذلك من خلع خفيه ، وشرع في غسل رجليه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية