الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                السنة الثالثة : الاستنشاق : وهو غسل داخل الأنف ، فأما ما يبدو منه ، فهو من الوجه فيجذب الماء بريح الأنف ، وأنكر مالك - رحمه الله - في المجموعة الاستنشاق من غير وضع إبهامه وسبابته على أنفه ، وقال : هكذا يفعل الحمار .

                                                                                                                والأصل في ذلك ما في الموطأ أنه عليه السلام قال : ( إذا توضأ أحدكم ، فليجعل في أنفه ماء ، ثم لينثر ، ومن استجمر ، فليوتر ) ، ولا تجب هي ، ولا المضمضة في الطهارتين لأنهما من باطن الجسد كداخل الأذنين ، وموضع الثيوبة من المرأة ، وداخل العينين ، وهذه المواضع لا يجب غسلها ، ولا مسحها ، فكذلك هاتان لا يتناولهما من يغتسل للجنابة ، ولا للوضوء ، وتحمل السنة الواردة فيهما على الندب قياسا على نظائرهما في عدم الوجوب ، ولقوله عليه السلام للأعرابي المسيء لصلاته : ( إذا قمت إلى الصلاة ، فتوضأ كما أمرك الله ) خرجه النسائي ، وليس في الآية ذكرهما .

                                                                                                                وفي أبي داود : ( لا تتم صلاة أحدكم حتى يتوضأ كما أمره الله تعالى ) .

                                                                                                                قال صاحب الطراز : وأما استدلال الحنفية بأن الفم في حكم الظاهر بدليل وجوب تطهيره من النجاسة ، وإذا وصل القيء إليه أفطر - فمدفوع بعدم وجوب تطهير داخل الأذنين ، وداخل العينين إذا اكتحل بمراة خنزير ، ونحوه ، وبالقيء إذا استدعاه ، ووصل إلى خياشيمه ، ولم ينزل إلى أنفه حتى غربت الشمس ، أو وصل إلى فمه ، فلم يمتلئ ، فإنه لا ينقض الوضوء عندهم إلا بالامتلاء حتى يسيل بنفسه ، ولو كان غير طاهر لنقض يسيره وكثيره .

                                                                                                                أصله الدم في غير الفم عندهم ، وببلع الريق أيضا ، فإنه لا يفطر ، وهو لو بلعه [ ص: 276 ] من الظاهر أفطر ، وعندهم لو جرح في خده ، فنفذت إلى فمه كانت جائفة ، والجائفة لا تكون في ظاهر الجسد .

                                                                                                                وأما قوله عليه السلام : ( فإن تحت كل شعرة جنابة ) فالمراد به الشعور الكثيرة ، والمبالغة في الغسل بدليل شعر داخل الأذنين ، والعينين .

                                                                                                                فروع أربعة :

                                                                                                                الأول : قال : يستحب المبالغة فيهما ما لم يكن صائما .

                                                                                                                الثاني : قال : حكى ابن سابق في كيفية المضمضة ، والاستنشاق قولين : أحدهما يتمضمض ثلاثا بثلاث غرفات ، ويستنشق ثلاثا كذلك ، وهو قول مالك - رحمه الله تعالى - ، والثاني : لأصحابه غرفة واحدة لهما .

                                                                                                                وجه الأول : ما في أبي داود أنه عليه السلام كان يفصل بينهما ، والقياس على سائر الأعضاء .

                                                                                                                ووجه الثاني : أنه عليه السلام تمضمض ، واستنشق من غرفة واحدة ، وقال المازري : يجمع بينهما بثلاث غرفات ، فجعلهما كعضو واحد .

                                                                                                                الثالث : قال صاحب الطراز : لو تركهما عامدا حتى صلى ، فالمشهور أنه لا يعيد ، وقال ابن القاسم في العتبية : يعيد في الوقت ، ولغير ابن القاسم في العتبية : يعيد بعد الوقت إما لكونهما عنده واجبتين ، وإما لأن ترك السنن لعب وعبث .

                                                                                                                وقال صاحب الجواهر : إن تركها ناسيا حتى صلى لم يعد الصلاة ويؤمر بإعادة ما ترك مطلقا على المذهب ، وقال القاضي : لا يعيدهما بعد الصلاة ; لأن السنن لا تعاد بعد الوقت . قال صاحب الطراز : إن أراد بعدم الإعادة إذا لم يرد صلاة ، فهو المذهب كما قال مالك في الموطأ يفعلهما لما يستقبل إن أراد الصلاة [ ص: 277 ] وإن كان مراده عدم فعلهما مطلقا ، فلا يستقيم ; لأن تركهما نقص في الطهارة كترك الاستنجاء ، فتكمل الطهارة للصلاة المستقبلة .

                                                                                                                الرابع : قال صاحب الطراز : يفعلهما باليمين ، وهو متفق عليه ، ويستنثر باليسار ، وهو مروي عنه عليه السلام ، وفي النسائي أن عليا رضي الله عنه تمضمض ، فاستنشق ، وفعل بيده اليسرى ذلك ثلاثا ، ثم قال : هذا طهور النبي عليه السلام .

                                                                                                                تنبيه : قدمت المضمضة ، والاستنشاق على الواجبات ، وهما من المسنونات لوجهين :

                                                                                                                أحدهما : ليطلع بهما على حال الماء في ريحه ، وطعمه ، فإن كان ليس بطهور استعمل غيره ، وتركه لمنافعه لئلا يفسده فيضيع الماء ، ويكثر التعب لغير مصلحة . الثاني : أنهما أكثر أقذارا ، وأوضارا من غيرهما ، فكانت العناية بتقديمهما أولى .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية