الفرض السابع : الموالاة    . 
وهي حقيقة في المجاورة في الأعيان ، وهنا المجاورة في الأفعال ، ومنه الأولياء ، والولاء ، والتوالي . 
وفي الجواهر : في حكمها خمسة أقوال : الوجوب مع الذكر ، والوجوب مطلقا ، وعدمه مطلقا ، والفرق بين الممسوح فلا يجب ، وبين المغسول فيجب ، والفرق بين الممسوح البدلي كالجبيرة والخفين فيجب ، والممسوح الأصلي ، فلا يجب ، وهذه الأقوال تدور على مدارك ، أحدها : آية الوضوء ، والاستدلال بها للوجوب من ثلاثة أوجه : أحدها : قوله تعالى : ( إذا قمتم ) ، فإنه شرط لغوي ، والشروط   [ ص: 271 ] اللغوية أسباب ، والأصل ترتيب جملة المسبب على السبب من غير تأخير . الثاني : قوله تعالى : ( فاغسلوا ) الفاء للتعقيب فيجب تعقيب المجموع للشرط ، وهو المطلوب . الثالث : قوله تعالى : ( فاغسلوا ) صيغة أمر ، والأمر للفور على الخلاف فيه بين الأصوليين فيتخرج الخلاف في الفرع على الخلاف في الأصل . 
المستند الثاني : أنه عليه السلام توضأ مرة في فور واحد ، وقال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به ، فنفى القبول عند انتفائه ، فدل ذلك على وجوبه ، ثم ها هنا نظر ، وهو أنه عليه السلام هل أشار إليه من حيث هو مرة مرة ، وهو الصحيح ، أو أشار إليه بما وقع فيه من القيود ، فتجب الموالاة ، ويرد هذا الاحتمال أنه لو كانت الإشارة لقيوده لاندرج في ذلك الماء المخصوص ، والفاعل ، والمكان ، والزمان ، وغيره ، وهو خلاف الإجماع ، ولك أن تقول : الإشارة إلى المجموع ، فإن خرج شيء بالإجماع بقي الحديث متناولا لصورة النزاع ، وأما إسقاط الوجوب مع النسيان ، فلضعف مدرك الوجوب المتأكد بالنسيان ، وأما الفرق بين الممسوح وغيره ، فلخفة الممسوح في نظر الشرع ، وأما الممسوح البدل ، فنظرا لأصله . 
فروع ستة : 
الأول : التفريق اليسير  لا يضر ، قال القاضي : لا يختلف المذهب في ذلك لقوة الخلاف في المسألة ، ولأنه عليه السلام في حديث   المغيرة بن شعبة  شرع في وضوء وعليه جبة شامية ضيقة الكم ، فترك عليه السلام وضوءه ، وأخرج يده من كمه من تحت ذيله حتى غسلها ، وهذا تفريق يسير ، ولما في  مسلم     : قال   ابن عمر     : رجعنا معه عليه السلام من مكة  إلى المدينة  حتى إذا كنا بماء في الطريق ، فعمد قوم عند العصر ، فتوضئوا وهم عجال ، فانتهى إليهم ، وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء ، فقال عليه السلام : ( ويل للأعقاب من النار ، أسبغوا الوضوء    ) فإن هذا التفريق يسير لقوله تلوح أعقابهم ، وما يرى ذلك إلا إذا كان البلل موجودا . 
الثاني : قال في الكتاب : إذا عجز الماء في الوضوء ، فقام لأخذه إن كان قريبا بنى ، وإن تباعد ، وجف وضوؤه ابتدأ ; لأن القريب في حكم المتصل ، ولأنه عليه   [ ص: 272 ] السلام في الحديث أمر تاركي الأعقاب بالإسباغ لا بالإعادة ، وأما إذا كان عالما بأنه لا يكفيه ، فإنه يخرج على الخلاف فيمن فرق بغير سبب . 
والتقييد بالجفوف لأكثر الفقهاء  مالك  ،   والشافعي  ،   وابن حنبل  ، وجماعة ، فكان قيام البلل عندهم بقاء أثر الوضوء فيتصل الأخير بأثر الغسل السابق ، وقيل : المعتبر الطول في العادة ؛ حكاه القابسي لاختلاف الجفاف باختلاف الأبدان ، والأزمان . 
الثالث : في الطراز : إذا قلنا إنها واجبة مع الذكر هل يشترط مع الذكر التمكن أم لا ؟ وينبني عليه إذا نسي عضوا ، وذكره في موضع لا ماء فيه ، ولم يجده حتى طال هل يبتدئ ، أو يبني  ؟ وكذلك إذا نسي النجاسة ، ثم ذكرها في الصلاة هل تبطل عند الذكر ، أو ينزعها ، ويتمادى في ذلك خلاف حكاه صاحب الطراز ، قال : إن أخر الشيء اليسير بنى . 
وإن طال ، ولم يتوان في الطلب قال  أبو العباس الإبياني     : هو كالحائض تبادر للطهر لا تراعي وقت ابتدائها ، وقال صاحب النكت : حكمه حكم من عجز ماؤه في ابتداء الطهارة حكاه عن جماعة من الشيوخ . 
الرابع : قال : إذا نسي لمعة لا يعفى عنها ، وحكى  الباجي  عن   محمد بن دينار  فيمن لصق بذراعيه قدر الخيط من العجين أو غيره ، لا يصل الماء إلى ما تحته يصلي بذلك ، ولا شيء عليه ; لأنه يعد في العرف غاسلا ، ولما رواه   الدارقطني  أنه عليه السلام صلى الصبح ، وقد اغتسل لجنابة ، فكان بكفيه مثل الدرهم لم يصبه الماء ، فقيل يا رسول الله هذا موضع لم يصبه الماء ، فسلت من شعره الماء ومسح ، ولم يعد الصلاة إلا أن   الدارقطني  ضعفه ، وقياسا على ذلك القدر من الرأس ، ومن بين الأصابع ، والخاتم . 
وقال  ابن القاسم     : يعيد الصلاة ، فإن كان مما لا يمكن الاحتراز منه لم ينقل حكم الفرض إليه ، قال  مالك  في الموازية فيمن توضأ ، وعلى يديه مداد ، فرآه بعد   [ ص: 273 ] الصلاة لم يغيره الماء : إذا أمر الماء عليه أجزأه ذلك إذا كان كاتبا ، فإنه رأى الكاتب معذورا بخلاف غيره . 
الخامس : الموالاة فرض في الوضوء والغسل خلافا   لأحمد بن حنبل  ، وفرق بأن الموالاة إنما تكون بين شيئين ، والوضوء أعضاء متعددة ، والغسل واحد ، وهو البدن . 
السادس : إذا نسي شيئا من فروض طهارته  إن كان في القرب فعله ، وما بعده ، وإن طال فعله وحده ، وقال  ابن حبيب     : إن كان مغسولا ، وطال ابتدأ ، وإن كان ممسوحا مسحه فقط ، ورواه  مطرف  عن  مالك     . 
أما إن كان المنسي مسنونا ، وذكره بالقرب : قال  مالك  في المختصر : يعيد ما بعدها بخلاف نسيان المفروض ، وقال في الواضحة خلاف ذلك . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					