في قوله تعالى : فإن كانتا اثنتين اتفق النحاة على أن خبر المبتدأ لا يجوز أن يكون معلوما من الخبر ، قال أبو علي : ( يمتنع قولك إن الذاهب جاريته صاحبها ; لأنه قد فهم من قولك جاريته أنه صاحبها ، وكذلك يفهم من قوله تعالى كانتا أنهما اثنتان ، فالخبر معلوم من الاسم ، ومقتضى ما تقدم المنع ) ، قال أبو علي في تعاليقه : كانت العرب تورث الكبيرة دون الصغيرة اهتضاما لها ، فأشار الله تعالى بقوله " اثنتين " إلى أصل العدد المجرد من الصغر والكبر ، وكأنه تعالى يقول كيف كانتا ، فصار وصف التجريد عن الكبر والصغر قيدا زائدا في الخبر وهو لم يعلم من الاسم ، فحسن أن يكون خبر الزيادة كما قال أبو النجم :
أنا أبو النجم وشعري شعري
أي المعروف ، فحسن لإضمار الصفة ، ونظائره كثيرة .الفائدة السابعة عشرة
في قوله تعالى : يبين الله لكم بصيغة المضارع بعد أن تقدم البيان ، فالمطابق لتقدم البيان : بين الله لكم فلم عدل عنه للمضارع ؟ وجوابه أن الفعل المضارع يستعمل للحالة المستمرة مجازا ، كقولهم فلان يعطي ويمنع ، ويصل ويقطع ، أي : هذا شأنه ، ومنه - رضي الله عنها - لرسول الله صلى الله عليه وسلم - : " إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق خديجة " أي : هذا شأنك : فمراد الآية : أن البيان شأن الله تعالى في هذه المسألة وفي غيرها ، فهي [ ص: 38 ] تحقيق للماضي ، وعدة بوقوع البيان في المستقبل ، فكان المعنى أتم من الماضي وحده . قول
الفائدة الثامنة عشرة :
في قوله تعالى : يبين الله لكم أن تضلوا فإن " أن " في " أن تضلوا " مصدرية مفعول من أجله ، وهو غير مراد الظاهر ; لأن معنى الظاهر يبين الله لكم من أجل أن تضلوا ، فيكون الإضلال هو الباعث على البيان ، وليس كذلك بل ضده ، فيتعين مضافا محذوفا تقديره يبين الله لكم كراهة أن تضلوا ، أو خشية أن تضلوا فهذا المحذوف هو المفعول من أجله على التحقيق ، ونظائره في القرآن كثيرة .
الفائدة التاسعة عشرة
في الحديث النبوي المتقدم ; لأنه إذا فللبنت النصف لأنها نصف أخيها ، وهي وبنت الابن ابنتان فلهما الثلثان كما تقدم تعليله ، وهو أربعة أرباع ، للبنت منها ثلاثة لأنها النصف ، ولو كان مكان ابنة الابن أخوها كان له النصف الباقي ، فإذا كانت أنثى كان لها الربع من حظهما ; لأنه إذا تبين أن البنتين للصلب لا يزادان على الثلثين فأولى إن كانت إحداهما بنت ابن ، وإذا تعين لها الربع من حظهما فهو السدس تكملة الثلثين . اجتمع بنت وبنت ابن وأخت
فيلاحظ هاهنا ثلاثة أمور : أن البنتين لا يزادان على الثلثين ، وأن البنت لقربها جعل لها النصف ، وأن السدس الصالح لبنت الابن هو ربع باعتبار الثلثين لا باعتبار أصل المال ، وكان الأصل أن يكون لها الربع من أصل المال ، لكن عدل عن ذلك لئلا ترجح هاتان على بنات الصلب ، وللأخت ما بقي لأنها ذات فرض النصف ، وتقوم مقام البنت عند عدمها فيكون للاثنتين منهن الثلثان ، وهي تدلي بالبنوة لأنها بنت ابنه فتقدم لأنها من أرباب الفروض على العصبات فتأخذ ما بقي ، لهذا السبب صارت الأخوات عصبة البنات ، وهذا الحديث مخصص لقوله تعالى : [ ص: 39 ] ليس له ولد وله أخت فاشترط في توريثها عدم الولد ، ولذلك قال يقدم العصبة عليها لظاهر الآية : فإن الله تعالى لم يجعل لها شيئا إلا عدم الولد ، وهذا الحديث يبين أن مراد الله تعالى بالولد الذكر . ابن عباس
الفائدة العشرون
في حديث الجدة إنما كان لها السدس ; لأنها أبعد رتبة من الأم والأب ، فجعل لها أدنى حالتي الأم والأب وهو السدس ، والفرق بينها وبين بنت الابن ( إذا انفردت تأخذ النصف ، أن بنت الابن ) تدلي بالبنوة ، والجدة تدلي بالأمومة وهي أضعف من البنوة ، وبينها وبين الإخوة للأم أن لهم الثلث إذا اجتمعوا وإن كان الجميع يدلي بالأم ، وهذا أشكل من الأول ، أن الأخ للأم يقول أنا ابن أمه ( والجدة تقول أنا أم أمه ) فالأول يدلي بالبنوة المقدمة على الأمومة ، فهذه علل مقادير الفرائض ( وحكمها وهي من أجل علم الفرائض ) فتأملها .
تفريع : ستة : الثلثان ، ونصفهما وهو الثلث ، ونصفه وهو السدس ، والنصف ، ونصفه وهو الربع ، ونصفه وهو الثمن . الفروض المقدرة
قال ابن يونس : ) خمسة عشر : الابن ، وابن الابن وإن سفل ، والأب ، والجد أبو الأب وإن علا ، والأخ الشقيق ، والأخ للأب ، والأخ للأم ، وابن الأخ الشقيق وإن بعد ، وابن الأخ من الأب وإن بعد ، والعم الشقيق ، والعم للأب ، وابن العم الشقيق وإن بعد ، وابن العم للأب وإن بعد ، وعمومة الأب وبنوهم داخلون في العمومة ، والزوج ، ومولى النعمة . المجمع على تورثيه ( من الرجال
ومن : البنت ، وبنت الابن وإن سفل ، والأم ، والجدة للأم ، [ ص: 40 ] والجدة للأب ، والأخت الشقيقة والأخت للأب ، والأخت للأم ، والزوجة ، ومولاة النعمة . النساء عشرة
وفي الجواهر من عدا هؤلاء كأب الأم وأمه ، وأولاد البنات وبنات الإخوة وأولاد الأخوات وبني الإخوة للأم ، والعم للأم وأولاده ، والعمات والأخوال والخالات وأولادهم ، وبنات الأعمام فهم ذوو أرحام لا شيء لهم .
والمستحقون بالقرابة ، منهم بغير واسطة وهم البنون والبنات والآباء والأمهات ، ومنهم من يستحق بواسطة بينه وبين الميت ، وهم أربعة أصناف :
ذكر يتسبب بذكر وهم العصبة كبني البنين وإن سفلوا ، والجد وإن علا ، والإخوة وبنوهم ، والأعمام وبنوهم وإن بعدوا ومن يتسبب من هؤلاء بأنثى فلا ميراث له كالجد للأم وبني الإخوة للأم وبني البنات ونحوهم ، إلا الإخوة للأم لكن لا يرثون بالتعصيب .
الصنف الثاني إناث يتسببون بإناث وهم اثنان فقط : الجدة للأم ، والأخت للأم .
الصنف الثالث : ذكور يتسببون بأنثى وهو واحد فقط الأخ للأم .
الصنف الرابع : إناث يتسببون بذكور وهم ثلاثة فقط : الأخوات للأب ، وبنات البنين ، والجدة أم الأب .
والوارثون بالسهام المقدرة ثلاثة أصناف :
صنف لا يرث إلا بها وهم ستة : الأم ، والجدة والزوج ، والزوجة ، والأخ للأم ، والأخت للأم .
وصنف يرثون بها وبالتعصيب وقد يجمعون بينهما وهم اثنان : الأب والجد فيفرض لهما مع الولد أو ولد الابن السدس ، وإن فضل شيء أخذاه بالتعصيب مع البنت .
وصنف يرثون تارة بالفرض وتارة بالتعصيب ولا يجمعون بينهما وهم أربع : البنات ، وبنات الابن ، والأخوات الأشقاء ، والأخوات للأب ، لأنهن إذا كان [ ص: 41 ] معهن أخ لم يرثن بالفرض بل بالتعصيب ، وكذلك بنات الابن يعصبهن ذكر إن كان معهن في درجتهن أو أسفل منهن ، ويعصب الأخوات أربعة : الأخ في درجتهن ، والجد ، وبنات الصلب ، وبنات الابن .
فالنصف فرض خمسة : بنت الصلب ، وبنت الابن مع عدمها ، والزوج مع عدم الحاجب ، والأخت الشقيقة ، والأخت للأب مع عدم الحاجب .
والربع فرض صنفين : الزوج مع وجود الحاجب ، والزوجة والزوجات مع عدم الحاجب .
( والثمن فرض صنف واحد وهو الزوجة مع وجود الحاجب ) .
والثلثان فرض الابنتين فصاعدا ، والأختين الشقيقتين أو للأب إذا انفردن .
والثلث فرض الأم مع عدم الحاجب ، والاثنين فصاعدا من ولد الأم .
والسدس فرض سبعة : الأب مع الحاجب ، والأم مع الحاجب ، والجدة للأب إذا انفردت أو مع أخوات شاركنها ، والواحدة من بنات الابن فأكثر مع بنات الصلب ، والأخت للأب فأكثر مع الشقيقة ، والواحد من ولد الأم ذكرا أو أنثى ، والجد مع الولد أو ولد الولد .
والفروض الخارجة عن المقدرة بالنص هي ثلث ما بقي في زوج وأبوين ، وزوجة وأبوين ، وللجد مع الإخوة إذا كان ثلث ما بقي عن ذوي السهام أفضل له .