[ ص: 229 ] القسم الثالث
كتاب الجامع
[ ص: 230 ] [ ص: 231 ] كتاب الجامع
هذا الكتاب يختص بمذهب مالك لا يوجد في تصانيف غيره من المذاهب ، وهو من محاسن التصنيف ; لأنه تقع فيه مسائل لا يناسب وضعها في ربع من أرباع الفقه ، أعني العبادات ، والمعاملات ، والأقضية ، والجنايات ، فجمعها المالكية في أواخر تصانيفها ، وسموها بالجامع ، أي جامع الأشتات من المسائل التي لا تناسب غيره من الكتب ، وهي ثلاثة أجناس : ما يتعلق بالعقيدة ، وما يتعلق بالأقوال ، وما يتعلق بالأفعال ، وهو الأفعال والتروك بجميع الجوارح .
الجنس الأول : العقيدة
قال ابن القصار ، وغيره : مذهب مالك وجوب النظر ، وامتناع ، قال التقليد في أصول الديانات ، والأستاذ إمام الحرمين : لم ير بالتقليد إلا أبو إسحاق الإسفراييني أهل الظاهر ، فيتعين على كل مكلف ( عند أول بلوغه ) أن يعلم أن لجميع الموجودات من الممكنات خالقا ، ومدبرا هو واجب الوجود ، أزلي ، أبدي ، حي بحياة ، قادر بقدرة ، مريد بإرادة ، عالم بعلم ، سميع بسمع ، بصير ببصر ، متكلم بكلام ، وأن صفاته تعالى واجبة الوجود أزلية ، أبدية ، عامة التعلق ، فيتعلق علمه بجميع الجزئيات ، والكليات ( والواجبات والممكنات ، وإرادته تعالى متعلقة بجميع الممكنات ) ، وعلمه متعلق بجميع المعلومات ، وبصره متعلق بجميع الموجودات [ ص: 232 ] وسمعه سبحانه متعلق بجميع الأصوات والكلام النفساني حيث كان من خلقه ، والقائم بذاته ، وأن قدرته تعالى عامة التعلق بجميع الممكنات الموجودة في العالم من الحيوان ، وغيرهم ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) له أن يفعل الأصلح لعباده ، وله أن لا يفعل ذلك ، ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) وأنه واحد في ذاته لا نظير له ولا شريك ، ولا يستحق العبادة غيره سبحانه ، وأن جميع رسله - صلوات الله عليهم - صادقون فيما جاءوا به ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن جميع ما جاء به حق ، وما أخبر به صدق ، من عذاب القبر ، وأحواله ، والقيامة ، وأهوالها من الصراط ، والميزان ، وجميع المغيبات عباد كالملائكة والجان ، وغيرهم ، وأدلة جميع هذه العقائد مبسوطة في علم أصول الدين ، وكذلك تفصيل هذه الحقائق ، وتفاريعها ، وأن الجنة حق ، والنار حق مخلوقتان ، وأنه لا يخلد أحد من أهل القبلة في النار بكبيرة ، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، وأن الإيمان اعتقاد بالقلب ، ونطق باللسان ، وعمل بالجوارح ، وأن كلام الله تعالى قائم بذاته محفوظ في الصدور ومقروء بالألسنة مكتوب في المصاحف ، وأن الله تعالى يراه المؤمنون يوم القيامة ، ويكلمهم .
وفي الجواهر : أما القيام بدفع شبه المبطلين ، فلا يتعرض له إلا من طالع علوم الشريعة ، وحفظ الكثير منها ، وفهم مقاصدها ، وأحكامها ، وأخذ ذلك عن أئمة فاوضهم فيها ، وراجعهم في ألفاظها وأغراضها ، وبلغ درجة الإمامة في هذا العلم بصحبة الأئمة الذين أرشدوه للصواب وحذروه من الخطأ والضلال ، حتى ثبت الحق في نفسه ثبوتا ، فيكون القيام بدفع الشبهات حينئذ فرض كفاية عليه ، وعلى أمثاله ، وأما غيرهم فلا يجوز لهم التعرض لذلك ; لأنه ربما ضعف عن رد تلك الشبهة فيتعلق بنفسه منها ما لا يقدر على إزالته فيكون قد تسبب إلى هلاكه ، نسأل الله تعالى العصمة .
[ ص: 233 ] وكذلك فرض كفاية أيضا ، وقد تقدم في مقدمة الكتاب قبل الطهارة ما هو فرض كفاية أيضا من الفقه وما هو فرض عين ، وأنه لا يختص بباب من أبواب الفقه ، بل هو بحالتك التي أنت فيها ، فيطالع من هناك . القيام بالفتوى
وفي " التلقين " : " يجب النظر والاعتبار المؤديين للعلم بما افترض عليك أو ندبت إليه ، وطلب ما زاد على ذلك فرض كفاية ، وفي تعلمه فضيلة عظيمة ، ولا يجوز لمن فيه فضل النظر والاجتهاد وقوة الاستدلال تقليد غيره ، وفرض عليه أن ينظر لنفسه ، لقوله تعالى : ( فاعتبروا يا أولي الأبصار ) ، ومن لا فضل فيه لذلك فهو في سعة من تقليد من يغلب على ظنه أنه أفقه ، وأعلم ، وأدين ، وأورع [ وقته ] ويلزمه الأخذ بما يفتيه به لقوله تعالى : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) .