الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو مرت به سنة وهي أربعون فنتجت شاة فحالت عليها سنة ثانية وهي إحدى وأربعون فنتجت شاة فحالت عليها سنة ثالثة وهي اثنان وأربعون فعليه ثلاث شياه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وأصل هذه المسألة ونظائرها وما بني عليه سائر فروعها ، اختلاف قولي الشافعي في الزكاة ، هل تجب في العين أو في الذمة ، وله في ذلك قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله أن الزكاة واجبة في ذمة المالك لا في عين ماله .

                                                                                                                                            ووجه ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : في خمس من الإبل شاة وليست الشاة في عين المال ، فدل على ثبوتها في الذمة ، ولأنها لو وجبت في المال وكان المساكين فيها شركاء لم يكن لرب المال إبطال شركتهم والانتقال من عين المال إلى غيره إلا باختيارهم ، كسائر الشركاء في غير الزكاة ، فلما كان له الانتقال من عين المال وإخراج الزكاة من غيره ، دل على وجوبها في ذمته .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو الصحيح وبه قال في الجديد وأشار إليه في القديم : إن الزكاة واجبة في عين المال لا في الذمة لقول الله تعالى : والذين في أموالهم حق معلوم ، [ المعارج : 24 ] ، فاقتضى كلامه هذا اللفظ وصريحه إيجاب الزكاة في عين المال دون ذمة ربه . وقال صلى الله عليه وسلم : " في أربعين شاة شاة " فأوجب الشاة في عينها ولم يوجبها في ذمة ربها ، ولأن كل حق ثابت في الذمة لا يبطل بتلف المال ، كالدين والفرض ، وكل حق تعلق بالعين يبطل بتلف المال كالوديعة والمضاربة وأرش الجناية ، فلما بطلت الزكاة بتلف المال بعد الحول من غير تفريط ولا تقصير ، دل على وجوبها في عين المال دون ذمة المالك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية