الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو ضلت أو غصبها أحوالا فوجدها زكاها لأحوالها ، والإبل التي فريضتها من الغنم ففيها قولان : أحدهما أن الشاة التي فيها في رقابها يباع منها بعير فتؤخذ منه إن لم يأت بها ، وهذا أشبه القولين . والثاني أن في خمس من الإبل [ ص: 130 ] حال عليها ثلاثة أحوال ثلاث شياه في كل حول شاة . قال المزني : الأول أولى به لأنه يقول في خمس من الإبل لا يسوي واحدها شاة لعيوبها إن سلم واحدا منها فليس عليه شاة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال .

                                                                                                                                            إذا كان في ملكه نصاب وكان من ورق أو ماشية فضل منه أو غصب ، أو دفنه في موضع فنسيه ، أو غرق في بحر لم يجده فلا زكاة عليه قبل عوده إليه ، فإن عاد الضال ، واسترجع المغصوب ، ووجد المدفون ، ووصل إلى الغريق بعد حول أو أحوال ، ففي إيجاب زكاة ما مضى من المدة قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : قاله في القديم : لا زكاة عليه ووجه ذلك اثنان .

                                                                                                                                            أحدهما : أن الزكاة واجبة في الأموال النامية كالمواشي والزرع وعروض التجارات ، دون ما ليس بنام كالدور والعقارات ، فلما كان المغصوب معدوم النماء وجب أن تسقط عنه الزكاة .

                                                                                                                                            والثاني : أن وهاء الملك ونقصان التصرف يمنعان وجوب الزكاة ، كالمكاتب الذي لا تلزمه الزكاة ، لوهاء ملكه ونقصان تصرفه ، ورب الضالة والمغصوب واهي الملك ناقص التصرف ، فوجب أن لا تلزمه الزكاة . والقول الثاني : قاله في الجديد أن الزكاة واجبة فيما مضى من المدة ، لعموم قوله : لا زكاة على مال حتى يحول عليه الحول ، ولأن ملكه فيما ضل أو غصب باق ، على حكم الأصل فوجب أن تلزمه الزكاة على حكم الأصل ، ولأن جنس المال إذا كان ناميا وجبت فيه الزكاة ، وإن كان النماء مفقودا ، ألا ترى أنه لو حبس ماله عن طلب النماء حتى عدم الدر والنسل وأرباح التجارات لم تسقط عنه الزكاة ، كذلك فيما ذكرنا ، وهي النكتة وفيها انفصال عن الاستدلال الأول ، فأما الاستدلال الثاني فرده إلى المكاتب غير صحيح ؛ لأن المعنى في سقوط الزكاة من المكاتب نقصان ملكه لا نقصان تصرفه ، ألا ترى أن الصبي ناقص التصرف ، والزكاة في ماله واجبة ؛ لأن ملكه غير تام . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية