الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وبهذا أقول في الماشية كلها ، والزرع والحائط ، أرأيت لو أن حائطا صدقته مجزأة على مائة إنسان ليس فيه إلا عشرة أوسق ، أما كانت فيه صدقة الواحد ، وما قلت في الخلطاء معنى الحديث نفسه ، ثم قول عطاء وغيره من أهل العلم . وروي عن ابن جريج قال : سألت عطاء عن الاثنين أو النفر يكون لهم أربعون شاة فقال عليهم شاة . الشافعي الذي شك قال : ومعنى قوله " لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة " لا يفرق بين ثلاثة خلطاء في عشرين ومائة شاة ، وإنما عليهم شاة ؛ لأنها إذا فرقت كان فيها ثلاث شياه ولا يجمع بين مفترق ، رجل له مائة شاة وشاة ورجل له مائة شاة ، فإذا تركا مفترقين فعليهما شاتان وإذا جمعتا ففيها ثلاث شياه ، والخشية خشية الراعي أن تقل الصدقة وخشية رب المال أن تكثر الصدقة ، فأمر أن يقر كل على حاله " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما الخلطة في المواشي فلا يختلف مذهب الشافعي في جوازها ، وتصح من وجهين خلطة وصف ، وخلطة عين ، فأما الخلطة فيما عدا المواشي من الزروع والثمار والدراهم والدنانير ففي صحة الخلطة فيها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله في القديم ، أن الخلطة فيها لا تصح ، وبه قال مالك وأكثر الفقهاء ، ووجه ذلك قوله صلى الله عليه وسلم والخليطان ما اجتمعا في الرعي والسقي والفحول فلما جعل هذا شرطا في صحة الخلطة ، وهو معدوم في غير المواشي ، دل على أن الخلطة لا تصح في غير المواشي ، ولأن الخلطة إنما جازت في المواشي لما يعود من رفقها على المساكين تارة وعلى رب المال أخرى ، ورفق الخلطة فيما سوى المواشي عائد على المساكين ، والاستدرار بها عائد على أرباب الأموال ؛ فلذلك صحت الخلطة في المواشي لارتفاق الفريقين بها ، ولم تصح فيما عدا المواشي ؛ لاختصاص المساكين بالارتفاق بها ، وأرباب الأموال بالاستضرار بها . والقول الثاني : قاله في الجديد : إن الخلطة تصح في جميع الأموال المزكاة كما تصح في المواشي ، ووجه ذلك عموم قوله صلى الله عليه وسلم " لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفرق " ولأن الشروط المعتبرة في زكاة المواشي معتبرة في زكاة الدراهم والدنانير والزروع والثمار ، فوجب أن تكون الخلطة الجائزة في المواشي ، جائزة في الدراهم والدنانير والزروع والثمار ، فإن قيل : يبطل بالسوم هو معتبر في المواشي دون غيرها ، قيل : قد يعتبر مثله في الدراهم والدنانير ، وهو أن يتخذها حليا فلا تجب زكاتها .

                                                                                                                                            [ ص: 143 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية