مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ويؤخذ العشر مع خراج الأرض " .
قال الماوردي : وهذا كما قال :
كسرى يجب أداء خراجها ويكون أجرة ويؤخذ عشر زرعها ويكون صدقة ، لا يسقط أحدهما بالآخر . أرض الخراج من سواد
وقال أبو حنيفة : الخراج جزية يؤدى ولا يؤخذ العشر من زرعها ، ولا يجوز أن يجتمعا استدلالا بروايته عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال العشر والخراج لا يجتمعان في أرض مسلم ، وبرواية أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العراق قفيزها ودرهمها فالدرهم الخراج ، والقفيز العشر ، وقد أخبر أن منعت العراق هي أرض الخراج يمنع منها ، وبما روي أن دهقان نهر الملك وهو : فيروز بن يزدجرد لما أسلم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : سلموا إليه أرضه ، وخذوا منه الخراج ، فأمر بأخذ الخراج ، ولم يأمر بأخذ العشر ، ولو وجب لأمر به ، قالوا ولأن الخراج يجب بالمعنى الذي يجب به العشر ، وذلك : لأن الخراج يجب لأجل منفعة الأرض ، والعشر لهذا المعنى وجب ، يدل على ذلك أن الأرض لو كانت سبخة لم يجب فيها خراج ولا عشر ، لأنها لا منفعة لها ، فإذا كان كل واحد منهما يجب بما يجب به الآخر لم يجز اجتماعهما ، ألا ترى [ ص: 253 ] أنه لو ملك للتجارة خمسا من الإبل سائمة لم تجب فيها الزكاتان معا ، ولأن الخراج يجب بحكم الشرك ، والعشر يجب بحكم الإسلام ، وهما متنافيان فلم يجز أن يجتمعا .
والدليل على ما قلناه من جواز اجتماعهما قوله صلى الله عليه وسلم فعم ولم يخص ولأنه حكم يتعلق بالمستفاد من غير أرض الخراج فجاز أن يتعلق بالمستفاد من أرض الخراج كالمعادن ، ولأن العشر وجب بالنص والخراج أوجب بالاجتهاد ، وما ورد به النص أثبت حكما فلم يجز إبطاله بما هو أضعف منه حكما ، ولأن الخراج ، أجرة لا جزية ، لجواز أخذه من المسلم ، وإذا كان أجرة لم يمنع وجوب العشر كالأرض المستأجرة ولأنهما حقان مختلفان وجبا بسببين مختلفين فجاز اجتماعهما كالمحرم إذا قتل صيدا مملوكا ، واختلاف حقهما أن العشر يجب لأهل السهمان ، والخراج دارهم تجب لبيت المال ، واختلاف موجبهما أن الخراج واجب في رقبة الأرض وجدت المنفعة أو فقدت ، والعشر واجب المنفعة ، ويسقط بفقد المنفعة فلم يجز إسقاط أحد الحقين بالآخر تشبيها بما ذكرنا . فيما سقت السماء العشر
وأما الجواب عن قوله فهو حديث ضعيف رواية العشر والخراج لا يجتمعان في أرض مسلم إسحاق بن عنبسة ، وقيل إنه يضع الحديث ، ولو صح لم يكن منع اجتماعهما دالا على إسقاط العشر بأولى من أن يكون دالا على إسقاط الخراج ، ولو سلم من هذا القلب لكان محمولا على الخراج الذي هو جزية تجب على الذمي ويسقط عن المسلم ، وبمثله يجاب عن قوله : منعت العراق درهمها وقفيزها إن صح ، ولا أراه صحيحا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الفتن ثم روي أنه قال بعد أن ذكرها : فدل ذلك على أن سبب المنع ما ذكره من الفتن ، ولولاها لم يكن مانعا منها فكان دالا على صحة مذهبنا مبطلا لمذهبهم . منعت العراق درهمها وقفيزها
وأما الجواب عن حديث عمر في دهقان نهر الملك ، فلا يدل غلى إسقاط العشر ، وإنما يدل على إيجاب الخراج ، فإن قيل : لو وجب العشر لأمر به ، قيل : العشر إنما يجب في الزرع ولعله لم يكن له زرع ، أو لم يكن وقت حصاد الزرع ، أو لم يكن من أمره بأخذ الخراج ، واليا على جباية العشر .
وأما قوله إن الخراج يجب بالمعنى الذي يجب به العشر فغير صحيح : لأن الخراج يجب في رقبة الأرض والعشر يجب في الزرع .
[ ص: 254 ] وأما قوله إن الخراج من أحكام الشرك ، والعشر من أحكام الإسلام فغير صحيح على مذهبه : لأنه يوجب العشر على الذمي ثم غير صحيح على مذهبنا : لأن الخراج ليس من أحكام الشرك لجواز أخذه من المسلمين .