فصل : فأما ، فله حالان : المجنون إذا أفاق
أحدهما : أن يفيق بعد مضي زمان رمضان ، فمذهب الشافعي وأبي حنيفة وسائر الفقهاء لا يلزمه القضاء .
وقال أبو العباس بن سريج عليه قضاء جميع الشهر كالمغمى عليه ، وهذا مذهب له وليس بصحيح ، لقوله صلى الله عليه وسلم ويفارق الإغماء لأن الإغماء مرض يحدث مثله بالأنبياء والجنون نقص يزول معه التكليف ، ولا يجوز حدوث مثله بالأنبياء والحال الثانية ، أن يفيق في خلال شهر رمضان فعليه أن يستأنف صيام ما بقي ، ولا يلزمه قضاء ما مضى فإن أفاق ليلا واستأنف الصيام من الغد وإن أفاق نهارا فهل يلزمه قضاء يومه ، أم لا ؟ على وجهين مضيا ، فأما قضاء ما مضى فلا يلزمه ، وقال " رفع القلم عن ثلاث وعن المجنون حتى يفيق " أبو حنيفة : إذا أفاق في خلال الشهر فعليه قضاء ما مضى منه ؛ تعلقا بقوله تعالى : فمن شهد منكم الشهر فليصمه [ البقرة : 185 ] قال : ومعلوم أنه أراد من شهد جزءا منه فليصمه ؛ لأنه لو أراد من شهد جميعه لوقع الصيام في شوال ، وإذا كان كذلك فهذا المجنون ، قد شهد جزءا من الشهر ، فوجب أن يلزمه صيام جميعه قال : ولأنه معنى لا ينافي الصوم ، فوجب أن لا يسقط القضاء كالإغماء قال فإن منعتم من تسليم الوصف دللنا عليه بأنه معنى يزيل العقل فوجب [ ص: 464 ] أن لا ينافي الصوم كالإغماء ، والدلالة على فساد قوله ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ذكر فيها المجنون حتى يفيق ، ولأنه معنى لو دام جميع الشهر أسقط القضاء فوجب إذا اتصل ببعض الشهر أن يسقط القضاء ، أصله الصغر وعكسه المرض ، ولأنه زمان مر عليه في الجنون ، فوجب أن لا يلزمه القضاء ، أصله إذا جن جميع الشهر ، فأما الآية فالمراد بها غير ما أدركه ، وإنما أراد بها من أدرك جزءا من الشهر فليصم ما ذكر ، فإن أدرك جميع الشهر لزمه صيام جميعه ، وإن أدرك بعضه لزمه صيام بعضه ، وأما قولهم : إنه معنى لا ينافي الصوم ، فلا نسلم لهم وينازعوا في معنى الأصل المردود إليه ، على أنه لو سلم لهم أنه لا ينافي الصوم لم يدل على إيجاب القضاء ، كالصغر لا ينافي الصوم ولا يوجب القضاء . " رفع القلم عن ثلاث "