مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " والاعتكاف سنة حسنة ويجوز بغير صوم وفي يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق ( قال المزني ) لو كان الاعتكاف يوجب الصوم وإنما هو تطوع لم يجز صوم شهر رمضان بغير تطوع وفي اعتكافه صلى الله عليه وسلم في رمضان دليل على أنه لم يصم للاعتكاف فتفهموا رحمكم الله ، ودليل آخر لو كان الاعتكاف لا يجوز إلا مقارنا للصوم لخرج منه الصائم بالليل وخروجه فيه من الصوم ، فلما لم يخرج منه من الاعتكاف بالليل وخرج فيه من الصوم ثبت منفردا بغير الصوم ، وقد عمر أن يعتكف ليلة كانت نذرا في الجاهلية ولا صيام فيها . أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الماوردي : أما ، فواجبة لقوله صلى الله عليه وسلم : " النية في الاعتكاف " ولأن الاعتكاف هو اللبث في المسجد ، وقد يكون اللبث تارة عادة وتارة عبادة ، فافتقر إلى نية يصح به الفرق بين لبث العادة من لبث العبادة ، فأما الصوم فغير واجب فيه بل إن اعتكف مفطرا جاز وكذلك لو إنما الأعمال بالنيات جاز ، وهو قول اعتكف في العيدين وأيام التشريق ، أو اعتكف ليلا علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود والحسن البصري وأبي ثور والمزني ، وقال مالك وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي ، وهو في الصحابة قول ابن عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم ، أن الاعتكاف لا يصح بغير صوم ، ولا في الأيام التي لا يجوز صيامها ؛ تعلقا بما رواه الزهري عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا اعتكاف إلا بصوم " وبما روي عن عبد الله ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : " وأمره بالصوم قال : ولأنه لبث في مكان مخصوص فوجب أن لا يكون قربة حتى يضم إليه ما هو قربة كالوقوف يا رسول الله إني نذرت اعتكاف يوم في الجاهلية فقال صلى الله عليه وسلم : " اعتكف وصم بعرفة ، هذا مع ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اعتكف إلا وهو صائم فدل هذا من فعله على أن الاعتكاف لا يصح إلا بصوم ، [ ص: 487 ] قالوا : ولأن الاعتكاف يلزم بالنذر والنذر لا يلزم إلا فيما استقر له أصل في الشرع وليس للاعتكاف أصل في الشرع ، إلا أن ينضم إليه الصوم فدل على وجوبه فيه ، ودليلنا قوله تعالى : ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد [ البقرة : 187 ] ، فكان هذا على ظاهره وعمومه في كل معتكف ، وروى طاوس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجبه على نفسه " وروى ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : " وروى يا رسول الله إني نذرت اعتكاف ليلة في الجاهلية فقال صلى الله عليه وسلم : " أوف بنذرك يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة لعائشة وهذا لحفصة وهذا لزينب فنقض اعتكافه واعتكف العشر الأواخر من شوال فدل على جواز اعتكاف يوم الفطر ، وأنه يجوز بغير صوم ، ولأنها عبادة من شرط صحتها المسجد ، فوجب أن لا يفتقر إلى الصوم كالطواف ، ولأنها عبادة ليس من شرط ابتدائها الصوم ، فوجب أن لا يكون من شرط استدامتها الصوم كالصلاة والحج وعكسه المسجد ، لما كان شرطا في ابتدائها ، كان شرطا في استدامتها ، ولأن كل ما كان عبادة على البدن مقصودة في نفسها لم يكن شرطا في عبادة أخرى كالصلاة ، فأما الجواب عن حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان فأمر أن يضرب له بناء فخرج فرأى أربعة أبنية فقال : " لمن هذه الأبنية " ؟ فقيل : هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا عائشة مع حفصة فمعناه لا اعتكاف كاملا إلا بصوم أو لمن نذر اعتكافا بصوم ، وأما حديث عمر فليس بصحيح ، وإنما الصحيح ما رويناه أنه نذر اعتكاف ليلة وإنما تفرد بتلك الرواية عبد الله بن يزيد عن عمرو بن دينار وهو ضعيف على أنها لو صحت لحملناها على الاستحباب ، وحملنا روايتنا على الجواز فأما الجواب عن قياسهم على الوقوف بعرفة فنقول بموجبه ، وهو أن القربة التي تنضم إليه هي النية ثم يقلب القياس عليهم بتلك الأوصاف ، فنقول فوجب أن لا يكون من شرط الصوم كالوقوف بعرفة ، وأما اعتكافه في مسجده صائما ، فلا يدل على أن الصوم من شرطه كما لا يدل على أن موضعه ومسجده من شرطه .
وأما قولهم : إن النذر يلزم فيما استقر له أصل في الشرع فباطل بمن نذر الصوم بداره قد لزمه نذره وليس له في الشرع أصل ، ويبطل على أصلهم بالعمرة تلزم بالنذر ، وليس لها عندهم أصل واجب في الشرع .
[ ص: 488 ]