الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ومن أراد أن يعتكف العشر الأواخر دخل فيه قبل الغروب ، فإذا أهل شوال فقد أتم العشر " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح .

                                                                                                                                            إذا أراد أن يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان لنذر أو غيره ، دخل فيه قبل غروب الشمس من ليلة إحدى وعشرين وخرج منه بعد غروب الشمس من ليلة شوال وإنما أمرناه بالدخول فيه قبل الغروب والخروج منه بعد الغروب ليكون مستوفيا للعشر بكماله ، ولا يمكن استيفاء ذلك إلا بالمجاوزة ، كما لا يمكن استيفاء الصيام إلا بمجاوزة الإمساك إلى جزء من الليل ، وكذلك ستر العورة وغسل الوجه في الطهارة ، ولا يمكن استيفاؤهما إلا بالمجاوزة إلى غيرهما ، فإذا غربت الشمس من ليلة شوال ، فقد خرج من اعتكافه سواء كان الشهر تاما أو ناقصا ؛ لأن اسم العشر يتناوله ولكن لو نذر أن يعتكف العشر الأواخر أياما كاملة ، فإن كان الشهر تاما أجزأه وإن كان ناقصا لزمه اعتكاف يوم آخر من شوال ؛ لأن العشرة الأيام توجب استيفاء العدد ، كما لو قال لله علي أن أعتكف ثلاثين يوما ، فاعتكف شهرا بين الهلالين فإن كان تاما أجزأه ، وإن كان ناقصا لزمه اعتكاف يوم آخر ليستوفي العدد ، فأما اعتكاف العشر الأواخر فمثاله : أن يقول لله علي أن أعتكف شهرا ، فإذا اعتكف شهرا بين الهلالين ، أجزأه تاما كان أو ناقصا ، وحكي عن الأوزاعي وأبي ثور إذا نذر اعتكاف العشر الأواخر دخل فيه قبل طلوع الفجر ؛ لما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف العشر الأواخر صلى الفجر ثم دخل في معتكفه وهذا غلط وبما ذهبنا إليه قال به جماعة من الفقهاء لرواية أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أراد أن يعتكف العشر الأواخر فليبت في معتكفه " ولأن كل ليلة تتبع اليوم الذي بعدها ألا ترى أن شهر رمضان يدخل بغروب الشمس في آخر يوم من شعبان فأما حديث عائشة رضي الله عنها فلا يخالف ما ذكرنا ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل فيه على اختياره ولم يقصد استيفاء العشر بدليل أنه دخل فيه بعد صلاة الفجر ، وليس ذلك أول العشر إجماعا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية