مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن أراد العدل رده وهما حاضران فذلك له ولو دفعه بغير أمر الحاكم من غير محضرهما ضمن وإن كانا بعيدي الغيبة لم أر أن يضطره على حبسه وإنما هي وكالة ليست له فيها منفعة وأخرجه الحاكم إلى عدل " .
قال الماوردي : قد ذكرنا أن فإذا العدل الموضوع على يده الرهن نائب عن الراهن والمرتهن في حفظ الرهن ، فلا يخلو حاله من أحد أمرين ، إما أن يكون مستأجرا أو متطوعا ، فإن كان مستأجرا مدة معلومة بأجرة معلومة فليس له رد الرهن قبل مضي المدة لأن عقد الرهن لازم ، وإن كان متطوعا فله رده قبل مضي المدة لأنها أمانة محضة ، وإذا كان له رده فلا يخلو حال الراهن والمرتهن من ثلاثة أحوال : أراد رد الرهن
أحدها : أن يكونا حاضرين ، فالواجب على العدل أن يرده عليهما وليس له مع حضورهما أن يرده على أحدهما ولا على غيرهما من حاكم أو عدل ، فإن دفعه إلى غيرهما كان ضامنا ، وإن رده عليهما ليس له أن يخرجه من الحرز لرده عليهما إلا بإذنهما فإن أخرجه بغير إذنهما ضمنه لتعديه بإخراجه فإن لم يقبلا منه الرهن فينبغي أن يأتي الحاكم حتى يأمرهما بأخذه من يده من غير إخراجه إلى الحاكم ، فإن أجابا الحاكم إلى أخذه منه وإلا ارتضى لهما عدلا وأمره بتسليم الرهن إليه .
[ ص: 152 ] والحالة الثانية : أن يكونا غائبين فإن حضر لهما وكيل مطلق التصرف فإنه يقوم مقامهما ، فإن عدل عن تسليمه إلى غيره من حاكم أو عدل ضمنه ، وإن لم يكن لهما وكيل حاضر فلا يخلو العدل في رد الرهن من أحد أمرين :
إما أن يكون معذورا أو غير معذور ، فإن كان معذورا لسفر يريده أو مرض يعجزه أتى الحاكم فسلمه إليه ليضعه الحاكم على يد عدل يرضاه لهما سواء كان بعيدي الغيبة أم لا .
وليس للحاكم أن يضطره على تركه بيده لما فيه من دخول المضرة عليه .
فإن أشهد عليه شاهدين ، فإن كان قد فعل ذلك لعدم حاكم أمين ففي وجوب الضمان عليه وجهان من المودع أظهرهما وجوب الضمان عليه ، وإن كان غير معذور فلا يخلو حال عدل عن تسليمه إلى الحاكم وسلمه إلى عدل ثقة من أحد أمرين إما أن يكون طويلا أو قصيرا ، فإن كان سفرهما طويلا رفعه إلى الحاكم ليسلمه إلى عدل يرضاه لهما كما لو كان معذورا ولا يجوز للحاكم أن يضطره على تركه بيده ، وإن كان سفرهما قصيرا على مسافة أقل من يوم وليلة أمره الحاكم بتركه في يده وأنفذ إلى الراهن والمرتهن ليختارا عدلا يوضع على يده لأنهما ربما رضيا غير من يختاره لهما ، فإن اختارا عدلا أمره بتسليم الرهن إليه ، وإن لم يختارا عدلا اختار الحاكم لهما عدلا وأمره بتسليم الرهن إليه . سفر الراهن والمرتهن
والحالة الثالثة : أن يكون أحدهما حاضرا والآخر غائبا ، فلا يجوز للعدل تسليمه إلى الحاضر منهما لما فيه من حق الغائب ، فإن حضر للغائب وكيل مطلق التصرف تراضى الحاضر ووكيل الغائب بعدل يضعانه على يده ، فإن ارتضيا بعدل وإلا ارتضى لهما الحاكم عدلا ، فإن لم يكن للغائب وكيل حاضر ناب الحاكم عن الغائب في اختيار عدل يوضع على يده .
فصل : وإن كان ضامنا له سواء كان الراهن والمرتهن حاضرين أو كانا غائبين لأن في السفر تغريرا به ، فإن قال إنما سافرت به إليهما لأرده عليهما لم يسقط عنه الضمان لعدم إذنهما فلو لقيهما في السفر فسألهما أخذ الرهن منه لم يلزمهما أخذه ووجب على العدل رده إلى البلد إلا أن يتفقا على أخذه في السفر فيبرأ منه بأخذهما له ، فلو رضي أحدهما بأخذه منه في السفر ولم يرض الآخر لم يجبر الممتنع على أخذه ولم يكن للعدل أن يدفعه إلى الراضي بأخذه وكان في ضمانه وعليه رده إلى بلده . سافر العدل بالرهن
فصل : إذا فعليهما أن يشتركا في حفظه وإحرازه ، فإن أراد العدلان أن يقرا الرهن في يد أحدهما أو يقسمانه ليكون في أيديهما فلا يخلو حال الراهن والمرتهن من ثلاثة أحوال : وضع الراهن والمرتهن الرهن على يدي عدلين
[ ص: 153 ] أحدها : أن يأذنا لهما بذلك ، فيجوز للعدلين فعله لصريح الإذن به .
والحالة الثانية : أن ينهياهما عن ذلك ، فلا يجوز للعدلين فعله لصريح النهي عنه ، فإن فعلا ذلك نظر ، فإن اقتسماه فعلى كل واحد منهما ضمان نصفه وهو القدر الذي خرج من يده إلى يد صاحبه وإن لم يقتسماه ولكن اتفقا على إقراره في يد أحدهما فعلى المخرج له من يده ضمان جميعه وليس على من هو في يده ضمان .
والحالة الثالثة : أن يطلق الراهن والمرتهن ذلك من غير تصريح بإذن ولا نهي ففي جواز ذلك قولان حكاهما ابن سريج :
أحدهما : لا يجوز لأن الراهن والمرتهن لم يرضيا بأمانة أحدهما فإن فعلا لزم الضمان على ما وصفناه ، والقول الثاني يجوز لما فيه من الرفق بهما فعلى هذا إن كان الرهن مما لا يقسم جاز أن يتفقا على كونه في يد أحدهما ولا ضمان على الآخر ، وإن كان مما يقسم جاز أن يقسماه ليكون في يد كل واحد منهما نصفه ولا ضمان على واحد منهما .
فإن لم يقتسماه واتفقا على كونه في يد أحدهما ففي وجوب الضمان على المخرج له من يده وجهان حكاهما ابن سريج :
أحدهما : لا ضمان عليه .
والثاني : عليه ضمان نصفه .