مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو جنى المرهون على سيده فله القصاص فإن عفا فلا دين له على عبده وهو رهن بحاله " .
قال الماوردي : وصورتها في فلا يخلو حال جنايته من أحد أمرين : عبد مرهون جنى على سيده
إما أن يكون على نفسه أو في طرف من أطرافه ، فإن كانت الجناية على طرف من أطرافه فعلى ضربين :
أحدهما : أن تكون خطأ فهي هدر ولا قود فيهما ولا أرش لأن والأرش لا يجب للسيد لأن ملكه لمحل الأرش سابقا . القود لا يجب في الخطأ
والضرب الثاني : أن يكون عمدا توجب القود فللسيد أن يقتص منه لأن القصاص موضوع للردع وحراسة النفوس ، قال الله تعالى : ولكم في القصاص حياة [ البقرة : 179 ] فاستوى حكم السيد وغيره في القصاص فإن عفا السيد عن القصاص إلى الأرش صارت [ ص: 154 ] هدرا يسقط القصاص ولا يجب الأرش لما ذكرنا من ملكه لمحل الأرش ، فلو كان لوارثه القصاص من العبد المرهون فإن لم يقتص السيد من عبده المرهون ولا عفا عنه حتى مات السيد من غير الجناية سقط القصاص ولم يجب له الأرش لأنه يحل محل السيد فملك عنه ما كان السيد مالكا له . عفا الوارث عن القصاص إلى الأرش
فصل : فإذا ثبت أن فقد اختلف أصحابنا هل له أن يقتص منه بنفسه أو يقتص له السلطان ؟ على وجهين : للسيد أن يقتص منه في العمد ،
أحدهما : يجوز أن يقتص منه كما يجوز أن يحده إذا زنا .
والوجه الثاني : لا يجوز أن يقتص منه حتى يقتص السلطان له لأنه الخصم في القصاص ، والخصم في القصاص لا يجوز أن يستوفي القصاص كالأجنبي .
فصل : وإن فعلى ضربين : كانت الجناية على نفسه
أحدهما : أن تكون خطأ ففيها قولان :
أحدهما : أنها تكون هدرا فلا شيء لوارثه كما لو جنى على طرف من أطرافه .
والقول الثاني : أنها لا تكون هدرا ولهم إخراجه من الرهن وبيعه في الجناية ، وهذان القولان مبنيان على اختلاف قولي الشافعي في الدية متى تجب ؟ فأحد قوليه أنها تجب للمقتول في آخر جزء من حياته لأنه قد يقضي منها ديونه ، وتنفذ فيها وصاياه فدل على وجوبها في ملكه ، فعلى هذا القول تكون الجناية هدرا لأن السيد لا يثبت له في رقبة عبده مال ، فعلى هذا يكون العبد رهنا بحاله .
والقول الثاني : أنها تجب في ملك الورثة لأن الدية بدل فلم يستحق وجوبها مع بقاء نفسه ، فعلى هذا القول لا يكون هدرا وتجب الدية في رقبته ولهم إخراجه من الرهن وبيعه فيها ، فعلى هذا إذا بيع في الجناية بطل الرهن وكان حق المرتهن واجبا في التركة كسائر الغرماء .
والضرب الثاني : أن تكون فللوارث إذا كان بالغا ثلاثة أحوال : جناية عمد توجب القود
أحدها : أن فذلك له ، لأن السيد قد يجب له القصاص على عبده لأنه لا يملك محل القصاص قبل الجناية فجاز أن يملكه بالجناية ، وهو يملك محل الأرش قبل الجناية فلم يجز أن يملكه بالجناية ، وإذا اقتص منه الوارث بطل الرهن وتعلق حق المرتهن بالتركة كسائر الغرماء . يطلب القود ويريد القصاص
[ ص: 155 ] والحالة الثانية : على غير مال ، فقد سقط حكم الجناية وكان العبد هاهنا رهنا على حاله ، يقدم المرتهن بثمنه على جميع غرمائه . أن يعفو الوارث عن القصاص
والحالة الثالثة : أن ففي جواز ذلك قولان نص عليهما في الأم بناء على ما ذكرنا من اختلاف قوليه في دية المقتول متى تجب ؟ أحدهما : أن الجناية صارت هدرا لعفوه عن القود فعلى هذا يكون العبد رهنا على حاله يقدم المرتهن ثمنه على جميع الغرماء . يعفو عن القود إلى الدية ليباع العبد فيها
والقول الثاني : قد وجبت له الدية في رقبته فيباع فيها فإذا بيع بطل الرهن وكان ثمن العبد المأخوذ عن الدية مضمونا إلى التركة على القولين معا لتقضى منها ديون السيد الراهن وتنفذ منها وصاياه ويكون المرتهن في ثمنه وجميع الغرماء أسوة كما يكونوا في جميع التركة أسوة .
فصل : فلو فللسيد أن يقتص منه ثانية ، وله أن يعفو عن القصاص إلى الدية فيخرجه من الرهن ويبيعه فيها ، نص عليه جنى العبد المرهون على ابن سيده أو على أبيه ، ومات من جنايته فورثه السيد ، الشافعي في كتاب الأم لأنه ملك ذلك عن ابنه ولم يمتنع أن يستحق الأرش في رقبته كما كان يستحقه الابن الوارث قائما مقام مورثه .