مسألة : قال المزني رضي الله عنه : " فإن اشتريا فلا يجوز أن يبيعه أحدهما دون صاحبه ، فإن جعل كل واحد منهما لصاحبه أن يتجر في ذلك كله بما رأى من أنواع التجارات قام في ذلك مقام صاحبه فما ربحا أو خسرا فلهما وعليهما نصفين " .
قال الماوردي : وهذا كما قال ، ، وقال إذا خلط الشريكان مال الشركة لم يجز لواحد منهما أن يتصرف في جميعه ويتجر فيه إلا بإذن صاحبه أبو العباس بن سريج : إذا خلطاه على الشركة أو ابتاعا متاعا للشركة جاز أن يتصرف كل واحد منهما في جميعه ولم يحتج للإذن اعتبارا بالعرف في موضوع اللفظ ومقصود الشركة ، وبه قال أبو حنيفة وهذا غير صحيح لأن خلط المال لا يفيد أكثر من الشركة فيه ، وحدوث الشركة في المال لا يوجب التصرف في جميعه كما لو ورثا مالا أو استوهباه ، ولأن التصرف في ملك الغير بحق النيابة إنما يكون وكالة ، والوكالة لا تصح إلا بلفظ صريح كما لو أراد التصرف في مال غير مشترك ، واستشهاد أبي العباس بالعرف باطل ، لأن الشركة عقد والعقود لا يقتنع فيها بالعرف دون التصريح باللفظ ، فإذا ثبت هذا فعقد الشركة يجري عليه حكم الوكالة في تصرف كل واحد منهما في مال صاحبه وحكم الملك في تصرفه في مال نفسه ، وإذا كان كذلك فلا يخلو حال الشريكين من ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف والتجارة فتصح من كل واحد منهما التجارة في جميع المال بالبيع والشراء ثم الإذن على ضربين :
أحدهما : أن يكون إذنا عاما فيما رأى من أنواع التجارات وصنوف الأمتعة فيقتصر بالإذن على خصوصه ثم ليس لواحد منهما مع خصوص الإذن وعمومه أن يسافر بالمال إلا [ ص: 483 ] بصريح الإذن لما في السفر من التغرير به ولا أن يشارك غيره فيه ولا أن يضاربه لما فيه من مجاوزة إذنه ، وليس له أن يبيع النسيئة لأن فيه مخالفة لمطلق إذنه ، وجوز أبو حنيفة ذلك ، وهذا خطأ لما بيناه من أن أحكام الوكيل فيه معتبرة وتصرف الوكيل مقصور على ما تضمنه الإذن الصريح .
والحالة الثانية : أن لا يأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف فينتفي عن الشركة حكم الوكالة ويصير تصرف كل واحد منهما مقصورا على حصته على حسب ما يجوز التصرف في المال المشترك .
والحالة الثالثة : أن يأذن أحدهما في التصرف ولا يأذن الآخر فيكون للمأذون له أن يتصرف في جميع المال على حسب عموم الإذن وخصوصه ، وليس للآخر أن يتصرف إلا في قدر حصته ، كما يجوز التصرف في المال المشترك فصار مجموع ما شرحنا أن عقد الشركة ينتظم على ثلاثة شروط :
أحدها : اتفاق المالين في الجنس والصفة .
والثاني : خلط المالين حتى لا يتميز أحدهما عن الآخر .
والثالث : الإذن بالتصرف فيه .