الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وإن طلق من لا تحيض من صغر أو كبر في أول الشهر أو آخره اعتدت شهرين بالأهلة ، وإن كان تسعا وعشرين وشهرا ثلاثين ليلة حتى يأتي عليها تلك الساعة التي طلقها فيها من الشهر " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، لأن عدة من لا تحيض بصغر أو إياس ثلاثة أشهر ، كما قال الله تعالى : واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن [ الطلاق : 4 ] . وإذا كان كذلك لم يخل طلاقها عن أن يكون في أول الشهر أو في تضاعيفه ، فإن كان في أول الشهر أو مع استهلاله وقبل مضي شيء من أجزائه ، إما بأن يراعي وقوع الطلاق فيه أو علقه فيه فعليها أن تعتد بثلاثة أشهر بالأهلة سواء كانت كاملة فكانت تسعين يوما أو كانت ناقصة فكانت سبعة وثمانين يوما أو كان بعضها كاملا وبعضها ناقصا لقول الله تعالى : يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج [ البقرة : 189 ] . فكانت الشهور معتبرة بالأهلة في الشرع ، وقد تردد شهر الهلال بين كمال ونقصان قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الشهر هكذا وهكذا وهكذا مشيرا بأصابعه العشر يعني ثلاثين يوما ثم قال : والشهر هكذا وهكذا وهكذا وحبس إبهامه في الثالثة يعني تسعة وعشرين يوما ، وإن طلقها في تضاعيف الشهر كأنه طلقها وقد مضى من الشهر عشرة أيام اعتدت ببقيته من ساعة طلاقها [ ص: 194 ] وبشهرين بعدها بالأهلة ، وسواء كانا كاملين أو ناقصين ثم استكملت بعده العدة من الشهر الرابع ، فإن كان شهر الطلاق كاملا وكان الباقي منه عشرين يوما ، اعتدت من الرابع عشرة أيام ، وإن كان الشهر ناقصا استكملت ثلاثين يوما ، واعتدت من الرابع أحد عشر يوما . وقال أبو حنيفة : تعتد من الرابع عدة ما مضى من شهر الطلاق ، وهو عشرة أيام في زيادته ونقصانه اعتبارا بعدد ما فات منه كما يعتبر في قضاء شهر رمضان بعدد ما فات منه في زيادته ونقصانه . وقال عبد الرحمن ابن بنت الشافعي : الطلاق في تضاعيف الشهر يرفع حكم الأهلة ، لأن كل شهر يتصل فلا تبتدئه إلا في غير هلال ، فوجب أن تستوفي تعيين يوم كامل لفوات هلال كل واحد منهما كما يستوفى الشهر الأول كاملا لفوات هلاله . وقال مالك والأوزاعي : إذا طلقت في تضاعيف يوم لم تحتسب ببقيته ، وإن طلقت نهارا كان أول عدتها دخول الليل ، وإن طلقت ليلا كان أول عدتها طلوع الفجر فصار الخلاف مع أبي حنيفة في يوم نقصه وزيادته ، ومع عبد الرحمن ابن بنت الشافعي في يومي زيادتها ونقصانها ، ومع مالك في بقية اليوم أسقطها واحتسبناها . والدليل على صحة ما ذهبنا إليه : أن الشهر إذا أدرك هلاله تعتد به ما بين الهلالين من زيادة ونقصان ، فإذا فات هلاله استكمل عدة ثلاثين يوما يدل على ذلك أنه لو قال : له علي أن أصوم شهرا فابتدأ الصيام في أول شهر اعتبر بما بين هلاليه ، وإن كان ناقصا ، ولو ابتدأ بالصيام في تضاعيف الشهر استكمل صيام ثلاثين يوما ليكون بفوات الهلال كاملا فاقتضى أن تستكمل المعتدة الشهر الأول ثلاثين يوما لفوات هلاله بخلاف ما قاله أبو حنيفة : وتعتد بما بين الهلالين في الشهر من المستقبلين وإن كانا ناقصين لإدراك هلالهما بخلاف ما قاله عبد الرحمن ابن بنت الشافعي .

                                                                                                                                            فأما مالك والأوزاعي فقد زادا في العدة بما استنقصاه من بقية يوم الطلاق وليلته على ما قدره الله تعالى في كتابه والزيادة عليها كالنقصان منها في مخالفة التقدير ومجاوزة النص ، ولو لم تعتد ببقية اليوم اعتبارا بالكمال للزم أن لا تعتد ببقية الشهر اعتبارا بالكمال ، وفي فساد هذا في بقية الشهر دليل على فساده في بقية اليوم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية