الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو لاعنها ثم قذفها فلا حد لها كما لو حد لها ثم قذفها لم يحد ثانية وينهى فإن عاد عزر " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ؛ لأن لعانه منها قد أسقط عفتها في حقه ، وإن كانت على عفتها مع الأجانب ، وقال أبو حنيفة : هي على عفتها مع الزوج كما هي مع الأجانب ، ولا يؤثر اللعان في العفة ، وهذا خطأ لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لما كان اللعان في تصديق الزوج دون الأجانب كالبينة وجب أن تسقط به العفة في حق الزوج ، وإن لم تسقط به العفة في حق الأجانب .

                                                                                                                                            والثاني : أن لعانه لما سقطت به العفة إن نفى ولدا أسقطه وإن لم ينفه ؛ لأنه كالبينة له في الحالين بلعانه ولدا سقطت عفتها مع الأجانب في الحالتين .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إذا نفى بلعانه ولدا سقطت عفتها مع الأجانب كسقوطها مع الزوج ، وهذا خطأ ، لاختصاص الزوج باللعان دون الأجانب ، وإن كان كذلك وعاد الزوج فقذفها بعد لعانه لم يخل قذفه من أن يكون بالزنا الذي لاعنها عليه أو بغيره ، فإن قذفها بذلك الزنا الذي لاعنها عليه لم يحد ، لأن لعانه كالبينة له في القضاء بتصديقه [ ص: 127 ] فيه لكن يعزر للأذى ، وإن قذفها بغيره ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يحد لأنه ليس إذا حكم بتصديق في قذف اقتضى أن يحكم به في كل قذف .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه لا حد عليه ؛ لأن عفتها قد سقطت في حقه بلعانه لأنه كالبينة له ، ومع سقوط العفة لا يجب الحد ، فأما إذا قذفها غيره من الأجانب فلا يخلو حالها من أن تكون قد لاعنت أو نكلت ، فإن لاعنت كانت على عفتها مع الأجانب وإن سقطت مع الزوج ، فعلى هذا يحد قاذفها لبقائها على العفة معه .

                                                                                                                                            وإن نكلت عن اللعان وحدت للزنا ، ففي سقوط عفتها مع الأجانب وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول ابن سريج : إنها على عفتها مع الأجانب وأن من قذفها فيهم حد لاختصاص اللعان بالزوج .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي : إن الحد قد أسقط عفتها مع الأجانب ، كما لو حدت بالبينة لتنافي اجتماع الحد والعفة ، فلا يجب الحد على قاذفها أجنبيا كان أو زوجا لكن يعزر للأذى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية