مسألة : قال الشافعي : " يملك الرجعة أو لا يملكها فإن كان بكراء فهو على المطلق وفي مال الزوج الميت " . قال فإن طلقها فلها السكنى في منزله حتى تنقضي عدتها الماوردي : قد مضى الكلام في وجوب السكنى ، فأما موضعها فمختلف بحسب العدة ، فإن كانت في طلاق رجعي فموضعها غير متعين ، وهو إلى خيار الزوج في إسكانها حيث شاء من المواضع المأمونة : لأنه سكنى زوجية يستحق مع النفقة [ ص: 249 ] فأشبهت حالها قبل الطلاق ، وقد كان مخيرا في نقلها كذلك بعده ، ويكون هذا السكنى من حقوق الآدميين ، وإن كانت العدة من طلاق بائن فموضعها متعين لا يجوز نقلها منه لغير موجب وهي التي يجعلها من حقوق الله تعالى لتحصين الماء وحفظ النسب ، وإذا كان كذلك فالموضع المعين لسكناها هو المسكن الذي طلقها فيه لقول الله تعالى : واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة [ الطلاق : 1 ] يعني من بيوت أزواجهن ، وإضافتها إليهن لاستحقاقهن سكناها ، وإذا كان كذلك لم يخل حالها من ثلاثة أقسام : أحدها : أن يكون للزوج . والثاني : أن يكون لها . والثالث : أن يكون لغيرها . فإن كان ملكا للزوج لم يكن له إخراجها منه إلا بالبذاءة ، والاستطالة لقول الله تعالى : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة [ الطلاق : 1 ] قال ابن عباس : هو أن تبدو على أهل زوجها . وقال ابن مسعود : الفاحشة المبينة هي الزنا ، وإخراجها منه لإقامة الحد عليها ، وفي حديث ما يدل على صحة تأويل فاطمة بنت قيس ابن عباس : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجها من منزل زوجها لاستطالة وذرابة لسانها ، فإذا خرجت لهذا المعنى لم يسقط حقها من السكنى ووجب نقلها إلى أقرب المواضع الممكنة منه لتكون أقرب إلى الموضع المستحق كما ، ولو بذأ عليها أحماؤها نقل أحماؤها عنها ، ولم تنقل هي ، لتكون النقلة عنه لمن بذأ أو استطال ، فإن كان مسكن الزوج يضيق عنه أقرت فيه وأخرج الزوج منه ولم تجبر إذا انفردت فيه أن تخرج منه لاستطالة ولا بذاءة لتفردها به ، وإن كان المسكن لها لم يجز أن تخرج منه لاستطالة ولا غيرها ، وأخرج منه الزوج إن كان نازلا فيه ، ولها مطالبة الزوج بأجرته : لأن سكناها على الزوج لا عليها ، فإن لم تطالبه بالأجرة حتى مضت مدة السكنى ففيها وجهان : أحدهما : تستحقها : لأنها دين كالنفقة لو وجبت . والوجه الثاني : قد سقطت : لأنها من الحقوق المشتركة فصار الإمساك عنها عفوا وإن كان المسكن لغيرهما فلا يخلو أن يكون بإجارة أو عارية ، فإن كان بإجارة فهي لازمة ولا تخرج منه كما لا تخرج من ملك ، والأجرة عليه دونها ، فإن حدث استطالة وبذاءة فعلى ما مضى ، وإن كان عارية فهي غير لازمة للمعير ، فإن أقام على العارية لم يجز إخراجها منه وإن رجع عنها لم يجبر على استدامتها لأجل الطلاق وجاز [ ص: 250 ] إخراجها منه بغير استطالة ولا بذاءة ، وسواء كان المعير أجنبيا أو أبا أو واحدا منهما ، ووجب على الزوج أن ينقلها إلى أقرب المواضع الممكنة منه ، إما بشراء ، أو إجارة ، أو عارية ، فإن اتفقا على أجرة تأخذها لتسكن حيث شاءت لم يجز : لأن فيه إسقاطا لتعيين المسكن المستحق تعيينه . فأما قول تنقل الزكاة عند تعذر مستحقيها في البلد الذي هي فيه إلى أقرب المواضع إليه منه الشافعي : " وفي تركة الزوج الميت " فمن أصحابنا من حمله على وجوب سكنى المتوفى عنها على أحد القولين ، ومن أصحابنا من حمله على المبتوتة إذا مات زوجها قبل انقضاء العدة في استحقاقها السكنى في تركته قولا واحدا .