الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن ماتا فعلم أن أحدهما مات قبل الآخر بيوم أو بشهرين وخمس ليال أو أكثر ولا نعلم أيهما أولا اعتدت من يوم مات الآخر منهما أربعة أشهر وعشرا فيها حيضة ، وإنما لزمها إحداهما فإذا جاءت بهما فذلك أكمل ما عليها ( قال المزني ) رحمه الله : هذا عندي غلط لأنه إذا لم يكن بين موتهما إلا أقل من شهرين وخمس ليال فلا معنى للحيضة لأن السيد إذا كان مات أولا فهي تحت زوج مشغولة به عن الحيضة ، وإن كان موت الزوج أولا فلم ينقض شهران وخمس ليال حتى مات السيد فهي مشغولة بعدة الزوج عن الحيضة ، وإن كان بينهما أكثر من شهرين وخمس ليال فقد أمكنت الحيضة فكما قال الشافعي " . قال الماوردي : لما ذكر الشافعي يقين موت السيد ويقين موت الزوج ، ذكر هذه المسألة في وقوع الشك في موتهما وهو على ثلاثة أقسام : أحدها : أن يقع الشك بعد غيبهما ، هل مات واحد منهما أم لا ؟ فلا حكم لهذا الشك وهي على حكمها كما لو كانا باقيين فإذا طالت غيبتهما ، فقد خبرهما جرى عليهما في حق الزوج حكم المفقود ، ولم يجر عليها في حكم السيد حكم المفقود ؛ لأنها في حق السيد معتبرة بماله ، وفي حق الزوجة معتبرة بنكاحه ، وإذا قضى لها الحاكم على قوله في القديم بالتربص للزوج ووقوع الفرقة منه لم يجز لها أن تتزوج بخلاف الحرة : لأنها لا تملك ذلك من حق نفسها ، وإنما يملكه السيد في حق نفسه . والقسم الثاني : أن يعلم موت أحدهما ويشك في الميت منهما هل هو السيد أو الزوج فلا تعتق لجواز أن يكون الميت هو الزوج ، ولا تجب عليها العدة لجواز أن يكون الميت هو السيد فلا يثبت حكم واحد منهما بالشك ، وتكون مترددة الحال بموت أحدهما بين أن تكون حرة ذات زوج إن كان السيد هو الميت أو تكون أم ولد خلية من زوج إن كان الزوج هو الميت غير أنه لما لم يتعين بالشك أحدهما أجري عليهما بقاء حكمهما ويجوز أن يجرى عليها في الزوج حكم المفقود دون السيد . والقسم الثالث : وهو مسألة الكتاب أن يعلم موتهما ، ويقع الشك فيمن تقدم موته منهما فهذا على ثلاثة أقسام : أحدها : أن يعلم بين موتهما أقل من شهرين وخمس ليال . والثاني : أن يعلم بين موتهما أكثر من شهرين وخمس ليال . [ ص: 337 ] والثالث : أن يقع الشك فيما بين موتهما ، فأما القسم الأول وهو أن يعلم أن بين موتهما أقل من شهرين وخمس ليال ، فهذه يلزمها أن تعتد بأربعة أشهر وعشر ، ولا يلزم أن يكون فيها حيضة اعتبارا بأغلظ حاليهما ؛ لأنه إن كان السيد مات أولا فلا استبراء عليها بموته وقد عتقت ، وعليها بموت الزوج بعده أن تعتد بأربعة أشهر وعشر ، وإن كان الزوج مات أولا فعليها شهران وخمس ليال ، وموت السيد قبل انقضائها سقط لاستبرائها منه فيسقط استبراء السيد من الحالين يقينا ، وصار الشك في وجوب عدتها من الزوج هل هي بشهرين وخمس ليال إن تقدم موت الزوج أو بأربعة أشهر وعشر ، إن تقدم موت السيد فأوجبنا عليها أطول العدتين اعتبارا بأغلظ الأمرين لتخرج من العدة بيقين . وأما القسم الثاني : وهو أن يعلم أن بين موتهما أكثر من شهرين وخمس ليال فهذه يلزمها أن تعتد من بعد آخرهما موتا بأربعة أشهر وعشر فيها حيضة ، هذا قول الشافعي ، وتحقيقه أنها تعتد بأبعد الأمرين من أربعة أشهر وعشر عدة حرة ، أو قروء وهو استبراء أم ولد ؛ لأن عليها أحد الأمرين ، وليس عليها الجمع بينهما ؛ لأنه إن كان أسبقهما موتا ، وهو الزوج فقد مضت عدته : شهران وخمس ليال قبل موت السيد ولزمها أن تستبرئ نفسها بحيضة لموت السيد ، وإن كان السيد هو أسبقهما موتا فلا استبراء عليها لموته ، وعليها إذا مات أن تعتد بأربعة أشهر وهو لأنها حرة فصارت حالها مترددة بين أن يلزمها حيضة لا غير إن تقدم موت الزوج أو أربعة أشهر وعشر إن تقدم موت السيد ، فألزمناها أغلظ الأمرين وأطول الزمانين من أربعة أشهر وعشر ، أو قرء كامل كالمطلق إحدى زوجتيه إذا مات عنهما قبل البيان لها أن تعتد كل واحدة منهما بأبعد الأمرين من أربعة أشهر وعشر لجواز أن تكون زوجة ، أو ثلاثة أقراء لجواز أن تكون مطلقة ، وإذا كان كذلك فالفرق بين أن تكون الحيضة التي في أربعة أشهر وعشر قبل شهرين وخمس ليال أو بعدها ، ووهم بعض أصحابنا ، وحكاه عنه أبو إسحاق المروزي ، فقال : إنما يجزئها الحيضة في أربعة أشهر وعشر إذا كانت بعد شهرين وخمس ليال لجواز أن يتأخر موت السيد بعدها ، فلا يجري تقدم الحيضة قبل موته ، وهذا فاسد من وجهين : أحدهما : أنه ليس يلزمها على ما بيناه إلا أحد الأمرين . والثاني : أننا نأمرها بذلك بعدة آخرهما موتا ، فليس توجد الحيضة إلا بعد موت السيد سواء تقدمت في أول شهورهما أو تأخرت . وأما القسم الثالث : وهو أن يشك فيما بين موتهما فلا يعلم هل كان أقل من [ ص: 338 ] شهرين وخمس ليال أو أكثر فيحمل على أغلظ الأمرين ، وأغلظهما أن يكون بينهما أكثر من شهرين وخمس ليال ؛ لأنه كان بينهما أقل لزمه أربعة أشهر وعشر فيهما حيضة فلزمها مع هذا الشك أن تعتد بأبعد الأمرين من أربعة أشهر وعشر ، أو قرء واحد لتخرج من عدتها بيقين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية