الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو كانت أمة مكاتبة فعجزت لم يطأها حتى يستبرئها ؛ لأنها ممنوعة الفرج منه ، ثم أبيح بالعجز ولا يشبه صومها الواجب عليها وحيضتها ، ثم تخرج من ذلك ؛ لأنه يحل له في ذلك أن يمسها ويقبلها ويحرم عليه ذلك في الكتابة كما يحرم إذا زوجها ، وإنما قلت : طهر ثم حيضة حتى تغتسل منها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دل على أن الأقراء الأطهار بقوله في ابن عمر يطلقها طاهرا من غير جماع فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء وأمر النبي صلى الله عليه وسلم في الإماء أن يستبرئن بحيضة ، فكانت الحيضة الأولى أمامها طهر كما كان الطهر أمامه الحيض فكان قصد النبي صلى الله عليه وسلم في الاستبراء إلى الحيض ، وفي العدة إلى الأطهار " . قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا كاتب أمته ثم عادت إليه بالعجز حرم عليه وطؤها حتى يستبرئها ، وكذلك لو ارتد أو ارتدت ، ثم أسلم أو أسلمت حرمت عليه حتى يستبرئها اعتبارا في هذه المسائل الثلاث بحدوث الإباحة بعد استقرار التحريم . [ ص: 353 ] وقال أبو حنيفة : لا يلزمه الاستبراء في المكاتبة إذا عجزت ، ولا في المزوجة إذا طلقت ، ولا في المرتدة إذا أسلمت اعتبارا ببقاء الملك واستدلالا بأن سريان التحريم عليه بالكتابة والتزويج والردة لحدوث التحريم بالصيام ، والحيض ، والإحرام ، وذلك غير موجب للاستبراء لبقاء الملك كذلك لم يزل به الملك : ولأن الرهن يمنع من وطئها كالكتابة ، ثم لم يلزمه الاستبراء بعد فكاكها عن الرهن ، كذلك لا يلزمه بعد عجزها في الكتابة ودليلنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ألا لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تحيض فكان على عمومه في كل إباحة حدثت بعد حظر ؛ ولأنه استحدث استباحة بملك بعد عموم التحريم ، فوجب أن يلزمه الاستبراء كالتي استحدث ملكها ، وخالف ما ذكره من تحريم الصائمة والحائض والمحرمة ، لاختصاصه بتحريم الوطء دون دواعيه في الحائض ، والصائمة ، والتلذذ بالنظر إلى المحرمة ، وتحريم من ذكرناه عام ، زال به عموم الاستباحة فافترقا ، وأما المرهونة فلا يحرم منها دواعي الوطء من القبلة واللمس ، واختلف أصحابنا في إباحة وطئها إذا آمن حملها بصغر أو إياس على وجهين : أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي يجوز وطؤها . والثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة ، لا يجوز : لأن حبلها غير مأمون ، فكان المنع لأجل الحبل إلا لتحريم الوطء ، ولو أذن له المرتهن في وطئها جاز ، ولو كان محظورا لم يجز .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية