الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وأكره له في الورع أن ينكح بنات الذي ولده من زنا ، فإن نكح لم أفسخه ؛ لأنه ابنه في حكم النبي صلى الله عليه وسلم قضى عليه الصلاة والسلام بابن وليدة زمعة لزمعة وأمر سودة أن تحتجب منه ؛ لما رأى من شبهه بعتبة ، فلم يرها وقد حكم أنه أخوها لأن ترك رؤيتها مباح وإن كان أخاها ( قال المزني ) رحمه الله : وقد كان أنكر على من قال : يتزوج ابنته من زنا ويحتج بهذا المعنى ، وقد زعم أن رؤية ابن زمعة سودة مباح وإن كرهه ، فكذلك في القياس لا يفسخ نكاحه وإن كرهه ، ولم يفسخ نكاح ابنه من زنا بناته من حلال لقطع الأخوة فكذلك في القياس لو تزوج ابنته من زنا لم [ ص: 393 ] يفسخ ، وإن كرهه لقطع الأبوة ، وتحريم الأخوة كتحريم الأبوة ، ولا حكم عنده لقول النبي صلى الله عليه وسلم : وللعاهر الحجر فهو في معنى الأجنبي ، وبالله التوفيق " . قال الماوردي : وهذه مسألة قد مضت ، وذكرنا أن ولد الزنا لا يلحق بالزاني وأن الفقهاء قد اختلفوا ، هل يجوز للزاني أن يتزوجها إذا كانت بنتا على أربعة مذاهب : أحدها : أن نكاحها حرام عليه ومتى أقر بها لحقته ، حكى ذلك عن عمر ، والحسن ، وابن سيرين ، وبه قال أحمد ، وإسحاق . والمذهب الثاني : أنها تحرم عليه ولا تلحق به إذا أقر بها ، وبه قال أبو حنيفة . والمذهب الثالث : أنها تحل له ولا يكره له نكاحها ، وبه قال المزني . والمذهب الرابع : وهو قول الشافعي : أنه يحل له نكاحها ، ويكره له ذلك . واختلف أصحابه في معنى كراهيته على وجهين : أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي يجوز أن تكون مختلقة من مائه ، فعلى هذا لو تحقق خلقها من مائه بأن حبسا معا من مدة الزنا إلى وقت الولادة حرمت عليه . والقول الثاني : وهو قول أبي حامد المروزي : أنه يكره نكاحهما لما فيه من اختلاف ، كما كره القصر في أقل من ثلاث ، وإن كان عنده جائزا لما فيه من الاختلاف ، فعلى هذا لو تحقق خلقها من مائه ، لم تحرم عليه ، وإنما جاز له أن يتزوجها لثلاثة أمور : أحدها : لانتفاء نسبها عنه كالأجانب . والثاني : لانتفاء أحكام النسب بينهما من الميراث ، والنفقة والقصاص كذلك تحريم النكاح . والثالث : لإباحتها لأخيه ولو حرمت عليه ؛ لأنه الأب لحرمت عليه ؛ لأنه العم ، فأما المزني فإنه تكلم على كراهة الشافعي له ، فإن نسب ذلك إلى التحريم كان غلطا منه عليه ، وإن نسبه إلى كراهة اختيار مع جوازه كان مصيبا ، وقد ذكرنا معنى الكراهية .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية