الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما أبوة المرضع فمعتبرة بنسب المولود فإن لم ينقطع نسبه بالموت على التفصيل المقدم لم تنقطع أبوة المرضع ، وكان فيما تبع الولد النسب علة ما قدمناه وإن انقطع نسب المولود على التفصيل المقدم ، كان في بنوة المرضع ما ذكرناه من الأقاويل الثلاثة ، وعليها تبنى مسألة الكتاب في تزويجه بنتا من الواطئين ، فإن قلنا بالقول الأول إنه ابن لهما حرم عليه بنات كل واحد منهما ، وكان محرما لهن . [ ص: 397 ] وإن قلنا بالقول الثاني : إنه نسب إلى أحدهما فإذا انتسب إليه حرمت عليه بناته فصار محرما لهن لثبوت الأخوة بينهم ، ولم يصر محرما لبنات الآخر ، وفي تحريمه عليهن وجهان : أحدهما : يحرم عليهن تغليبا لحكم الحظر قبل الانتساب . والثاني : لا يحرمن لانقطاع النسب بينه وبينهن ، وإنما منع منهن ورعا ، وهو الظاهر من كلام الشافعي ، وإن قلنا بالقول الثالث : إنه ينقطع عنه أبوة كل واحد منهما لم يصر محرما لبنات واحد منهما وفي إباحة تزويجه بناتهما أربعة أوجه : أحدها : أنه لا يحرم بنات واحد منهما لانقطاع الأبوة ، ويجوز له أن يجمع بين بنت كل واحد منهما ، وإنما يمنع من تزويجهما ورعا لا تحريما ، وهو ظاهر كلام الشافعي . والوجه الثاني : أنه يحرم عليه بنات كل واحد منهما ، وإن لم يصر محرما لها تغليبا لحكم الحظر المشتبه . والوجه الثالث : وهو قول أبي إسحاق المروزي أن له أن يتزوج بنت أيهما شاء ، ولا يجمع بينهما وبين بنت الآخر ، فإذا فارقهما حل له نكاح بنت الآخر ، فجعله مخيرا في نكاح بنت كل واحد منهما ، ومنعه من الجمع بينهما . قال : لأن الواحدة لا يتعين الحظر فيها ، وتعين في الشيئين فمنع من الجمع ولم يمنع من الانفراد ، وضرب بذلك مثالا لرجلين رأيا طائرا ، فقال أحدهما : إن كان هذا الطائر غرابا فعبدي حر ، وقال الآخر : إن لم يكن غرابا فعبدي حر ، فطار ولم يعلم هل كان غرابا أو غير غراب لا عتق على واحد منهما ؛ لانفرادهما بمشكوك في عتقه فإن اجتمعا تعين عليه عتق واحد منهما لاجتماعهما في ملك . والوجه الرابع : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أن له أن ينكح بنت أيهما شاء ، فإذا نكحها حرمت عليه بنت الآخر كالمجتهد في إنائين من ماء إذا استعمل أحدهما حرم عليه استعمال الآخر ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية