[ القول في طلب المرأة إرضاع ولدها ] مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " وإذا
nindex.php?page=treesubj&link=12856طلبت إرضاع ولدها وقد فارقها زوجها فهي أحق بما وجد الأب أن يرضع به فإن وجد بغير شيء فليس للأم أجرة والقول قول الأب مع يمينه ( قال ) في موضع آخر : إن أرضعت أعطاها أجر مثلها ( قال
المزني ) رحمه الله : هذا أحب إلي ؛ لقول الله جل ثناؤه (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ) [ الطلاق : 6 ] . قال
الماوردي : قد ذكرنا أن الأم لا يجبرها الأب على رضاع ولدها مع بقاء الزوجية فكان أولى أن لا يجبرها على رضاعه بعد الفرقة ؛ لأنه لما ضعف عن الإجبار مع استحقاقه لمنافعها كان أولى أن يضعف عنه مع سقوط حقه منها ، وإن طلبت رضاعه لم يخل حالها من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن تطلبه متطوعة بغير أجرة فهي أحق برضاعه ، وليس للأب انتزاعه منها لقول الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=233والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ) [ البقرة : 233 ] ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : "
لا توله والدة عن ولدها " ولأنها أحن عليه وأشفق ؛ ولأن لبنها أدر عليه وأوفر ؛ ولأنه يستمرئه أكثر من استمراء غيره .
والقسم الثاني : أن تطلب رضاعه بأكثر من أجرة المثل ، فالأب أحق به ليسترضع له غيرها بأجرة المثل ؛ لقول الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى ) [ الطلاق : 6 ] وفي تعاسرتم تأويلان :
أحدهما : تضايقتم .
والثاني : اختلفتم . وفي طلبها أكثر من أجرة المثل تعاسر فجاز للأب أن يعدل به إلى غيرها ؛ ولأن طالب الزيادة في حكم الممتنع ، كالعادم الماء إذا بذل له بأكثر من ثمنه ، فلو كانت ذات لبن لا يستغني عنه المولود وليس يوجد لبن من غيرها أخذت
[ ص: 497 ] جبرا بإرضاع اللبن حفاظا لحياة الولد ، وأعطيت أجرة المثل ، ولو قيل : لا أجرة لها لأنه حق قد تعين عليها وعجز الأب عنه فجرى مجرى نفقته إذا أعسر الأب وأيسرت لكان له وجه
والقسم الثالث : أن تطلب رضاعة بأجرة المثل فللأب ثلاثة أحوال :
أحدها : أن لا يجد غيرها إلا بأجرة المثل ، فالأم أحق لفضل حنوها وإشفاقها ولإدرار لبنها عليه .
والحالة الثانية : أن يجد متطوعا برضاعه ففيه قولان :
أحدهما : وهو المستور في هذا الموضع وبه قال
أبو حنيفة : أن الأب أحق به ليسترضع له من تطوع لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى ) ولأن رضاعه من حقوق المواساة التي تسقط بالاستغناء عن الغرم لنفقة الولد لو تطوع بها متطوع سقط غرمها عن الأب .
والقول الثاني : حكاه
المزني عنه أنه قال في موضع آخر : أن الأم أحق برضاعه بأجرة المثل إن وجد الأب متطوعا لقول الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ) ولأن رضاعها أحظ للولد وأدر عليه وأمرأ عليه فصارت به أحق .
والحال الثالثة : أن يجد الأب من يرضعه بأقل من أجرة المثل فينظر في قدر نقصان الأجرة ، فإن كان بقدر زيادة الإدرار وفضل الاستمراء كانت الأم أحق ؛ لأن نقصان الأجرة يعتبر في مقابلة نقصان اللبن ، وتترجح الأم لفضل حنوها ، وإن كان النقصان من أجرة المثل أكثر من فضل الإدرار والاستمراء كان على قولين ، كما لو وجد متطوعا ، فإن أكذبته الأم أنه قد وجد متطوعا حلف لها فإن نكل عن اليمين ردت عليها فإذا حلفت صارت أحق برضاعه بأجرة مثلها ، والله أعلم .
[ الْقَوْلُ فِي طَلَبِ الْمَرْأَةِ إِرْضَاعِ وَلَدِهَا ] مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=12856طَلَبَتِ إِرْضَاعَ وَلَدِهَا وَقَدْ فَارَقَهَا زَوْجُهَا فَهِيَ أَحَقُّ بِمَا وَجَدَ الْأَبُ أَنْ يُرْضِعَ بِهِ فَإِنْ وَجَدَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَلَيْسَ لِلْأُمِّ أُجْرَةٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبِ مَعَ يَمِينِهِ ( قَالَ ) فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : إِنْ أَرْضَعَتْ أَعْطَاهَا أَجْرَ مِثْلِهَا ( قَالَ
الْمُزَنِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ : هَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) [ الطَّلَاقِ : 6 ] . قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأُمَّ لَا يُجْبِرُهَا الْأَبُ عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهَا مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ فَكَانَ أَوْلَى أَنْ لَا يُجْبِرَهَا عَلَى رَضَاعِهِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَعُفَ عَنِ الْإِجْبَارِ مَعَ اسْتِحْقَاقِهِ لِمَنَافِعِهَا كَانَ أَوْلَى أَنْ يَضْعُفَ عَنْهُ مَعَ سُقُوطِ حَقِّهِ مِنْهَا ، وَإِنْ طَلَبَتْ رَضَاعَهُ لَمْ يَخْلُ حَالُهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ تَطْلُبَهُ مُتَطَوِّعَةً بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَهِيَ أَحَقُّ بِرَضَاعِهِ ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ انْتِزَاعُهُ مِنْهَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=233وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ) [ الْبَقَرَةِ : 233 ] وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
لَا تُوَلَّهُ وَالِدَةٌ عَنْ وَلَدِهَا " وَلِأَنَّهَا أَحَنُّ عَلَيْهِ وَأَشْفَقُ ؛ وَلِأَنَّ لَبَنَهَا أَدَرُّ عَلَيْهِ وَأَوْفَرُ ؛ وَلِأَنَّهُ يَسْتَمْرِئُهُ أَكْثَرَ مِنِ اسْتِمْرَاءِ غَيْرِهِ .
وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ تَطْلُبَ رَضَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ ، فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهِ لَيَسْتَرْضِعَ لَهُ غَيْرَهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ) [ الطَّلَاقِ : 6 ] وَفِي تَعَاسَرْتُمْ تَأْوِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : تَضَايَقْتُمْ .
وَالثَّانِي : اخْتَلَفْتُمْ . وَفِي طَلَبِهَا أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ تَعَاسُرٌ فَجَازَ لِلْأَبِ أَنْ يَعْدِلَ بِهِ إِلَى غَيْرِهَا ؛ وَلِأَنَّ طَالِبَ الزِّيَادَةِ فِي حُكْمِ الْمُمْتَنِعِ ، كَالْعَادِمِ الْمَاءِ إِذَا بَذَلَ لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ ، فَلَوْ كَانَتْ ذَاتَ لَبَنٍ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الْمَوْلُودُ وَلَيْسَ يُوجَدُ لَبَنٌ مِنْ غَيْرِهَا أَخَذَتْ
[ ص: 497 ] جَبْرًا بِإِرْضَاعِ اللَّبَنِ حِفَاظًا لِحَيَاةِ الْوَلَدِ ، وَأُعْطِيَتْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ ، وَلَوْ قِيلَ : لَا أُجْرَةَ لَهَا لِأَنَّهُ حَقٌّ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهَا وَعَجَزَ الْأَبُ عَنْهُ فَجَرَى مَجْرَى نَفَقَتِهِ إِذَا أَعْسَرَ الْأَبُ وَأَيْسَرَتِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ تَطْلُبَ رَضَاعَةُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَلِلْأَبِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ لَا يَجِدَ غَيْرَهَا إِلَّا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ ، فَالْأُمُّ أَحَقُّ لَفَضْلِ حُنُوِّهَا وَإِشْفَاقِهَا وَلِإِدْرَارِ لَبَنِهَا عَلَيْهِ .
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَجِدَ مُتَطَوِّعًا بَرَضَاعِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : وَهُوَ الْمَسْتُورُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَبِهِ قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : أَنَّ الْأَبَ أَحَقُّ بِهِ لِيَسْتَرْضِعَ لَهُ مَنْ تَطَوَّعَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ) وَلِأَنَّ رَضَاعَهُ مِنْ حُقُوقِ الْمُوَاسَاةِ الَّتِي تَسْقُطُ بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْغُرْمِ لِنَفَقَةِ الْوَلَدِ لَوْ تَطَوَّعَ بِهَا مُتَطَوِّعٌ سَقَطَ غُرْمُهَا عَنِ الْأَبِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : حَكَاهُ
الْمُزَنِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : أَنَّ الْأُمَّ أَحَقُّ بَرَضَاعِهِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إِنْ وَجَدَ الْأَبُ مُتَطَوِّعًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) وَلِأَنَّ رَضَاعَهَا أَحَظُّ لِلْوَلَدِ وَأَدَرُّ عَلَيْهِ وَأَمْرَأُ عَلَيْهِ فَصَارَتْ بِهِ أَحَقَّ .
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يَجِدَ الْأَبُ مَنْ يُرْضِعُهُ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرِةِ الْمِثْلِ فَيَنْظُرُ فِي قَدْرِ نُقْصَانِ الْأُجْرَةِ ، فَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ زِيَادَةِ الْإِدْرَارِ وَفَضْلِ الِاسْتِمْرَاءِ كَانَتِ الْأُمُّ أَحَقَّ ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْأُجْرَةِ يُعْتَبَرُ فِي مُقَابَلَةِ نُقْصَانِ اللَّبَنِ ، وَتَتَرَجَّحُ الْأُمُّ لِفَضْلِ حُنُوِّهَا ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِنْ فَضْلِ الْإِدْرَارِ وَالِاسْتِمْرَاءِ كَانَ عَلَى قَوْلَيْنِ ، كَمَا لَوْ وُجِدَ مُتَطَوِّعًا ، فَإِنْ أَكْذَبَتْهُ الْأُمُّ أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ مُتَطَوِّعًا حَلَفَ لَهَا فَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ رَدَّتْ عَلَيْهَا فَإِذَا حَلَفَتْ صَارَتْ أَحَقَّ بِرَضَاعِهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .