مسألة : قال  الشافعي   رضي الله عنه : "  ولا يقرب المحرم الطيب في غسله ولا حنوطه ولا يخمر رأسه   لقول النبي صلى الله عليه وسلم    " كفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما ولا تخمروا رأسه "   [ ص: 13 ] ولقوله صلى الله عليه وسلم :    " لا تقربوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا "  وإن ابنا  لعثمان   توفي محرما فلم يخمر رأسه ولم يقربه طيبا     " .  
قال  الماوردي      : وهو كما قال :  
الإحرام لا ينقطع بالموت ، فإذا  مات المحرم   لم يغط رأسه ، ولم يمس طيبا ، ولم يلبس مخيطا ، وبه قال من الصحابة :  عثمان   وعلي   وابن عباس   رضي الله عنهم .  
ومن التابعين :  عطاء      .  
ومن الفقهاء :  سفيان الثوري   وأحمد   وإسحاق      .  
وقال  أبو حنيفة   ،  ومالك      : قد انقطع عنه إحرامه بالموت ، وجاز تطييبه وتغطية رأسه . وبه قال من الصحابة  ابن عمر   وعائشة  رضي الله عنها استدلالا برواية  عطاء   عن  ابن عباس   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :    " خمروا موتاكم ولا تشبهوا  باليهود      "     . وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال    " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، وعلم ينتفع به ، وولد صالح يدعو له " .  فدل على انقطاع إحرامه .  
قالوا : ولأنها عبادة شرعية فوجب أن يسقط حكمها بالموت كالصلاة ، قالوا ولأنها عبادة يتعلق بها تحريم الطيب فوجب أن ينقطع حكمها بالموت كالعدة ، قالوا : ولأنه لو كان حكم إحرامه باقيا بعد موته لوجبت الفدية في تطييبه وتغطية رأسه ، كمن طيب مجنونا محرما ، فلما لم تجب الفدية على من فعل به دل على انقطاع إحرامه .  
والدلالة على ما قلنا : رواية  سعيد بن جبير   عن  ابن عباس   قال :    " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخر رجل عن بعيره فوقص فمات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما ، ولا تقربوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " .  
فإن قيل : فقد علل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بأنه قال :    " يبعث يوم القيامة ملبيا "  وعلق الحكم به ، وليس يعلم هل يبعث غيره ملبيا أم لا ؟ قلنا : إنما علق رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحكم بموته محرما لا لأنه يبعث ملبيا ، على أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :    " من مات محرما يبعث يوم القيامة ملبيا "  وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال    " حرمة المسلم بعد موته كحرمته قبل      [ ص: 14 ] موته ، وكسر عظمه بعد موته ككسره قبل موته " .  فسوى بين حرمتهما فاقتضى تساوي حكمهما .  
وروى  أبو سعيد الخدري   أن النبي صلى الله عليه وسلم قال    " يحشر المرء في ثوبيه الذين مات فيهما " .  قال أهل العلم : يحشر في عمله الصالح والطالح ، فدل ذلك على ثبوت إحرامه بعد موته ، ولأنه عقد لا يخرج منه بالجنون فجاز أن يبقى بعض أحكامه بعد الموت كالنكاح ، ولأنها عبادة ثبتت حكما ، يفعله تارة ويفعل غيره أخرى ، فوجب أن لا يبطل حكمها بالموت كالإيمان ، ولأنه معنى يزيل التكليف فوجب أن لا يبطل حكم الإحرام كالإغماء والجنون ، ولأنه ليس محرما في حياته فوجب أن لا يزول تحريمه بوفاته كالحرير والثوب المغصوب .  
فأما الجواب عن  قوله صلى الله عليه وسلم    " خمروا رءوس موتاكم "   فالمراد به من سوى المحرم ؛ لأنه قال : "  ولا تشبهوا  باليهود      " وليس في  اليهود   محرم .  
وأما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم :    " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث " .  فهو أن هذا لو لزمنا في سائر المحرمين للزمهم في المحرم الذي حكم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يغطى رأسه ، فلما لم يمتنع لهم تخصيص ذلك المحرم لم يمتنع لنا تخصيص سائر المحرمين ، على أنه قد روي في خبر "  انقطع عمله إلا من خمس " ذكر فيها " حج يؤدى ودين يقضى     " فثبت بنص الخبر تخصيص المحرم .  
وأما قياسهم على الصلاة ، فالمعنى في الصلاة : أنها تبطل بالجنون والإغماء ، وأما قياسهم على المعتدة فليس  للشافعي   فيها نص ، ولأصحابنا فيها اختلاف ، على قول  أبي إسحاق      : إن حكم العدة باق ، فعلى هذا يسقط سؤالهم ، وعلى قول غيره من أصحابنا قد انقطع حكم العدة .  
والفرق بينها وبين الإحرام أن العدة حق لآدمي على بدن فانقطع حكمه بالموت والإسلام ، وأما سقوط العدة فلأجل عدم الاستمتاع ، وتحريم الطيب باق لأجل الإحرام ، كالميت يحرم تكسير عظمه لبقاء حرمته ، وسقط أرشه لزوال منفعته .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					