فصل
في تعطل الموقوف ، واختلال منافعه
وله سببان : السبب الأول : أن يحصل بسبب مضمون ، بأن يقتل العبد الموقوف ، فإما أن لا يتعلق بقتله قصاص ، وإما أن يتعلق الضرب الأول : ينظر فيه : هل القاتل أجنبي ، أم الموقوف عليه ، أم الواقف ؟ الحال الأول : إذا قتله أجنبي ، لزمه قيمته . وفي مصرفها طريقان : أحدهما : تخريجها على أقوال ملك الرقبة ، إن قلنا : لله تعالى ، اشترى بها عبدا يكون وقفا مكانه ، فإن لم يوجد فبعض عبد . وإن قلنا : للموقوف عليه ، أو الواقف ، فوجهان : أصحهما : كذلك لئلا يتعطل غرض الواقف ، وحق باقي البطون . والثاني : يصرف ملكا إلى من حكمنا له بملك الرقبة ، وبطل الوقف . والطريق الثاني : القطع بأنه يشترى بها عبد يكون وقفا ، والأصحاب متفقون على أن الفتوى بأنه يشترى عبد ، وإذا اشتري عبد ، وفضل شيء من القيمة ، فهل يعود ملكا للواقف ، أم يصرف إلى الموقوف عليه ؟ وجهان في فتاوى القفال - رحمه الله تعالى - .
قلت : الوجهان معا ضعيفان ، والمختار أنه يشترى به شقص عبد ، لأنه بدل جزء من الموقوف ، والتفريع على وجوب شراء عبد . - والله أعلم - .
ثم العبد الذي يجعل بدلا يشتريه الحاكم إن قلنا : الملك في الرقبة لله تعالى . وإن [ ص: 354 ] قلنا للموقوف عليه ، فالموقوف عليه . وإن قلنا : للواقف فوجهان ، ذكره أبو العباس الروياني في " الجرجانيات " ، ولا يجوز للمتلف أن يشتري العبد ويقيمه مقام الأول ، لأن من ثبت في ذمته شيء ليس له استيفاؤه من نفسه لغيره .
فرع
؟ وجهان جاريان في بدل المرهون إذا أتلف ، وبالثاني قطع العبد المشترى ، هل يصير وقفا بالشراء ، أم لا بد من وقف جديد المتولي ، وقال : الحاكم هو الذي ينشئ الوقف ، ويشبه أن يقال : من يباشر الشراء يباشر الوقف .
قلت : الأصح : أنه لا بد من إنشاء الوقف فيه ، ووافق المتولي آخرون . والله أعلم .
فرع
لا يجوز ، ولا عكسه ، وفي جواز شراء عبد بقيمة الجارية وجهان حكاهما في " الجرجانيات " . شراء الصغير بقيمة الكبير ، وعكسه
قلت : أقواهما : المنع ، لاختلاف الغرض بالنسبة إلى البطون من أهل الوقف . والله أعلم .
الحال الثاني والثالث : إذا قتله الموقوف عليه ، أو الواقف ، فإن صرفنا القيمة إليه في الحالة الأولى ملكا ، فلا قيمة عليه إذا كان هو القاتل وإلا فالحكم والتفريع كالحالة الأولى .
[ ص: 355 ] الضرب الثاني : ما يتعلق به القصاص ، فإن قلنا : الملك للواقف ، أو الموقوف عليه وجب القصاص ويستوفيه المالك منهما . وإن قلنا : لله تعالى ، فهو كعبيد بيت المال . والأصح : وجوب القصاص ، قاله المتولي ، ويستوفيه الحاكم .
فرع
حكم حكم قيمته في جميع ما ذكرناه ، هذا هو الصحيح . وفي وجه : يصرف إلى الموقوف عليه على كل قول كالمهر ، والأكساب . أروش الأطراف ، والجنايات على العبد الموقوف فيما دون النفس
فرع
إذا ، فللمستحق الاستيفاء . فإن استوفى فات الوقف كموته ، وإن عفا على مال ، أو كانت موجبة للمال ، لم تتعلق برقبته لتعذر بيع الوقف ، لكن يفدى كأم الولد إذا جنت ، فإن قلنا : الملك للواقف ، فداه ، وإن قلنا : لله تعالى ، فهل يفديه الواقف ، أم بيت المال ، أم يتعلق بكسبه ؟ فيه أوجه : أصحها : أولها ، وإن قلنا : للموقوف عليه ، فداه على الصحيح الذي قطع به الجمهور ، وقيل : على الواقف ، وقيل : إن قلنا : الوقف لا يفتقر إلى القبول ، فعلى الواقف ، وإلا فعلى الموقوف عليه . وحيث أوجبنا الفداء على الواقف ، فكان ميتا ، ففي " الجرجانيات " أنه إن ترك مالا ، فعلى الوارث الفداء . وقال جنى العبد الموقوف جناية موجبة للقصاص المتولي : لا يفدي من التركة ، لأنها انتقلت إلى الوارث . فعلى هذا [ هل ] يتعلق بكسبه ، أم ببيت المال كالحر المعسر الذي لا عاقلة له ؟ وجهان ، ولو ، ففي سقوط الفداء وجهان : أحدهما : نعم ، كما لو مات العبد عقب الجناية بلا فصل ، وأصحهما : لا ، وبه [ ص: 356 ] قال جنى القن ثم مات ابن الحداد ، ويجري الخلاف فيما إذا جنت أم الولد وماتت ، وتكرر الجناية من العبد الموقوف كتكررها من أم الولد .
قلت : وحيث أوجبنا الأرش في جهة ، وجب أقل الأمرين من قدر قيمته ، والأرش ، كذا صرح به الأصحاب منهم صاحبا " المهذب " و " التهذيب " ، وأما قول صاحب " البيان " : إذا أوجبنا على الموقوف عليه تعين الأرش ، فشاذ باطل . - والله أعلم - .
السبب الثاني : أن يحصل التعطل بسبب غير مضمون . فإن لم يبق شيء منه ينتفع به ، بأن ، فقد فات الوقف . وإن بقي ، مات الموقوف ، فوجهان : أحدهما : ينقطع الوقف كموت العبد ، فعلى هذا ينقلب الحطب ملكا للواقف ، وأصحهما لا ينقطع ، وعلى هذا وجهان : أحدهما : يباع ما بقي لتعذر الانتفاع بشرط الواقف ، فعلى هذا الثمن كقيمة المتلف فعلى وجه : يصرف إلى الموقوف عليه ملكا ، وفي وجه : يشترى به شجرة ، أو شقص شجرة من جنسها ، لتكون وقفا . ويجوز أن يشترى به ودي يغرس موضعها ، وأصحها : منع البيع ، فعلى هذا وجهان : أحدهما : ينتفع بإجارته جذعا إدامة للوقف في عينه ، والثاني : يصير ملكا للموقوف عليه ، واختار كشجرة جفت ، أو قلعتها الريح المتولي ، وغيره الوجه الأول إن أمكن استيفاء منفعة منه مع بقائه ، والوجه الثاني إن كانت منفعته في استهلاكه .
فرع
. زمانة الدابة الموقوفة كجفاف الشجرة
قلت : هذا إذا كانت الدابة مأكولة ، فإنه يصح بيعها للحمها ، فإن كانت غير [ ص: 357 ] مأكولة لم يجئ الخلاف في بيعها ، لأنه لا يصح بيعها إلا على الوجه الشاذ في صحة بيعها اعتمادا على جلدها . - والله أعلم - .
فرع
الكعبة إذا لم يبق فيها منفعة ولا جمال ، في جواز بيعها وجهان : أصحهما : تباع لئلا تضيع وتضيق المكان بلا فائدة ، والثاني : لا تباع بل تترك بحالها أبدا ، وعلى الأول قالوا : يصرف ثمنها في مصالح المسجد ، والقياس : أن يشترى بثمن الحصير حصير ، ولا يصرف في مصلحة أخرى ويشبه أن يكون هو المراد بإطلاقهم ، حصر المسجد إذا بليت ، ونحاتة أخشابه إذا نخرت ، وأستار هذا الخلاف ، وإن أمكن أن يتخذ منه ألواح ، أو أبواب قال وجذع المسجد المنكسر إذا لم يصلح لشيء سوى الإحراق فيه المتولي : يجتهد الحاكم ويستعمله فيما هو أقرب إلى مقصود الواقف ، ويجري الخلاف في الدار المنهدمة ، وفيما إذا . قال الإمام : وإذا جوزنا البيع ، فالأصح صرف الثمن إلى جهة الوقف ، وقيل : هو كقيمة المتلف ، فيصرف إلى الموقوف عليه ملكا على رأي ، وإذا قيل به فقال الموقوف عليه : لا تبيعوها ، واقلبوها إلى ملكي ، فلا يجاب على المذهب ، ولا تنقلب عين الوقف ملكا ، وقيل : تنقلب ملكا بلا لفظ . أشرف الجذع على الانكسار ، والدار على الانهدام
فرع
لو [ ص: 358 ] لم يعد ملكا بحال ، ولا يجوز بيعه ، لإمكان عوده كما كان ، ولأنه في الحال يمكن الصلاة فيه . ثم المسجد المعطل في الموضع الخراب ، إن لم يخف من أهل الفساد نقضه لم ينقض ، وإن خيف نقض وحفظ ، وإن رأى الحاكم أن يعمر بنقضه مسجدا آخر جاز ، وما كان أقرب إليه فهو أولى ، ولا يجوز صرفه إلى عمارة بئر ، أو حوض ، وكذا البئر الموقوفة إذا خربت يصرف نقضها إلى بئر أخرى أو حوض ، لا [ إلى ] المسجد ، ويراعى غرض الواقف ما أمكن . انهدم المسجد ، أو خربت المحلة حوله وتفرق الناس عنها فتعطل المسجد ،
فرع
جميع ما ذكرناه في حصر المسجد ونظائرها هو فيما إذا كانت موقوفة على المسجد ، أما ما اشتراه الناظر للمسجد ، أو وهبه له واهب ، وقبله الناظر فيجوز بيعه عند الحاجة بلا خلاف لأنه ملك حتى إذا كان المشترى للمسجد شقصا ، كان للشريك الأخذ بالشفعة ، ولو باع الشريك فللناظر الأخذ بالشفعة عند الغبطة ، هكذا ذكروه .
قلت : هذا إذا اشتراه الناظر ، ولم يقفه . أما إذا وقفه ، فإنه يصير وقفا قطعا ، وتجري عليه أحكام الوقف . - والله أعلم - .
فرع
لو وقف على ثغر فاتسعت خطة الإسلام حوله ، تحفظ غلة الوقف لاحتمال عوده ثغرا .
[ ص: 359 ] فرع
قال : لو أبو عاصم العبادي جاز النقل إلى ذلك الموضع . وقف على قنطرة ، فانخرق الوادي ، وتعطلت تلك القنطرة ، واحتيج إلى قنطرة أخرى
فرع
إذا بدئ منه بعمارة العقار . خرب العقار الموقوف على المسجد وهناك فاضل من غلته
فرع
قال : إذا حصل مال كثير من غلة المسجد أعد منه قدر ما لو خرب المسجد أعيدت به العمارة ، والزائد يشترى به للمسجد ما فيه زيادة غلة ، وفي فتاوى ابن كج القفال : أن . الموقوف لعمارة المسجد لا يشترى به شيء أصلا ، لأن الواقف وقف على العمارة